"عن السينما العربية" تأليف: قصي صالح درويش منشورات: الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 200 ص. قطع كبير. المهتمون بالسياسة العربية بشكل عام، وبالأوضاع السياسية في بلدان المغرب العربي، يعرفون الزميل قصي صالح درويش، كاتباً سياسياً متميزاً. أما أهل السينما فيعرفونه كناقد سينمائي تولى خلال سنوات، كتابة النقد والتعليق على الحياة السينمائية في واحدة من كبريات الصحف العربية. والى شهور كانت صفحته السينمائية في هذه الصحيفة، أشبه بمكان تعيش فيه السينما العربية حياة جديدة. وخلال بعض المهرجانات الرئيسة كانت صفحته مرآة للمهرجانات ومكان للسجال. هذا كله انتهى الآن لأن صفحته توقفت وهو الآن في طريقه لخوض تجربة صحافية جديدة قد لا تكون الكتابة السينمائية أحد نشاطاتها. في هذا الوقت بالذات، صدر في القاهرة كتاب هو الكتاب السينمائي الأول للمؤلف، بعد كتب سياسية عديدة ناجحة، يضم مختارات من المقالات السينمائية التي نشرها خلال السنوات الأخيرة. وهو حرص في كتابه هذا على أن تكون المقالات المنشورة، مقالات عن السينمات العربية، فقسم الكتاب نصفين، واحد للسينما المصرية، في أفضل تجلياتها على مدى الحقبة الأخيرة، وواحد للسينمات العربية الأخرى. وعلى هذا النحو تجاورت في صفحات الكتاب أفلام يوسف شاهين مع أفلام نوري بوزيد، ورأفت الميهي مع الطيب الوحيشي، وفريد بوغدير مع محمد خان وخيري بشارة وداود عبدالسيد، ما جعل الكتاب ، بشكل من الأشكال، مرآة للتطور الكبير الذي طاول السينما العربية بشكل عام خلال هذه الحقبة. غير أن قصي صالح درويش، لم يقدم تاريخاً للمرحلة السينمائية، بل جعل نفسه طرفاً في القضية السينمائية نفسها. وهكذا يمكن لقارئه ان يلاحظ صدى معركة سينمائية، أو نقطة انطلاق لمعركة في كل مقال من مقالات الكتاب. مقالات درويش جزء من الحياة السينمائية، لأن هذا الناقد اللامع والدقيق، اختار دائماً أسلوب المشاكة، دون أن يبعده ذلك عن الانفتاح على التجارب وتنحية الذات حين يجد نفسه أمام فيلم جدير بالحب والاحترام. لكنه في الوقت نفسه يحول قلمه الى قلم لاذع حين يأتي فيلم ما، ادنى مما كان توقع له. وهكذا مثلاً نجده يقسو على شاهين حين يعرض "اسكندرية كمان وكان" لكنه يعود ويهادنه حين يقدم "المصير"، وبين نظرته الى الفيلمين يلاحظ القارئ تطوراً كبيراً في أدوات درويش التحليلية والتقييمية. ويلاحظ هذا القارئ أيضاً، ان الناقد حين يستبد به الحماس لفيلم ما أفلام رأفت الميهي بشكل عام، أو فيلم "سارق الفرح" لداود عبدالسيد، أو فيلم مغربي من هنا. أو جزائري من هناك يعكس حماسه هذا تشجيعاً تبرزه اللغة الأنيقة والودية التي يستخدمها. كتاب قصي صالح درويش، مساهمة جديدة في الارتقاء بالنقد العربي، حتى وان كان بالامكان ملاحظة ان بعض المقالات القديمة التي تناول بها بعض الأفلام، كان من الممكن إعادة النظر فيها، ولول على ضوء التطور اللاحق الذي طاول عمل أصحاب هذه الأفلام. أو، على الأقل، على ضوء الرصانة التحليلية التي أخذت تغلب على اسلوب هذا الناقد الجاد خلال السوات الأخيرة.