أعربت معظم العواصم الاوروبية عن قلقها ازاء حكم الاعدام الذي صدر في تركيا امس على زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان. وشهدت هذه العواصم تظاهرات احتجاج نظمها الاكراد وأنصارهم، فيما اتخذت بعثات ديبلوماسية بينها الاسرائيلية، احتياطات امنية تحسباً لتعرضها لاعتداءات. ودعت المانيا بصفتها رئيسة للدورة الحالية للاتحاد الاوروبي تركيا الى عدم تنفيذ حكم الاعدام، فيما اكتفى الناطق باسم البيت الابيض جو لوكهارت بالقول ان اوجلان كان "ارهابياً دولياً"، رافضاً التعليق على الحكم. واشار لوكهارت الى طلب الاستئناف الذي سيرفعه محامو اوجلان. وشهد الشارع التركي مظاهر فرح حركتها مشاعر عائلات الجنود الاتراك الذين سقطوا في الحرب مع مقاتلي "الكردستاني"، فيما بدت القيادة السياسية التركية متريثة في تنفيذ الحكم بعد تصريح الرئيس سليمان ديميريل بأن بلاده ستنتظر قرار محكمة حقوق الانسان الاوروبية قبل تنفيذ الحكم. ومعلوم ان القرار الاوروبي لن يصدر قبل تشرين الاول اكتوبر المقبل. واعطى اجماع زعماء الاحزاب التركية على تأييد موقف الرئيس انطباعاً بأن انقرة تميل الى المساومة على "ورقة اوجلان" مع الاتحاد الاوروبي الذي يعقد قمته المقبلة في هلسنكي في كانون الاول ديسمبر المقبل وذلك بغية الحصول على مكاسب من الاتحاد، اقلها وعداً بالحصول على عضويته، في وقت تشتد الضغوط على تركيا في ملفين اساسيين هما شمال العراقوقبرص. اضافة الى المساومة مع الاوروبيين، اعتبرت اوساط كردية مطلعة ان انقرة ترغب في الاستفادة من "توجه جديد لدى اوجلان عبر عنه في اتصالات اجراها من سجنه مع قيادات حزبه في شمال العراق وذلك تحت مراقبة الامن التركي". ورأت المصادر نفسها ان انقرة عازمة على الاستفادة من الزعيم الكردي لتفكيك الشبكة التي انشأها في ذروة حربه مع الاتراك. وربما كانت "الاعترافات" التي قال الاتراك انهم حصلوا عليها من اوجلان، تفيدهم ايضاً في تعقب مصالح ل "الكردستاني" يعتقدون انها موجودة في الدول المجاورة. وكانت تركيا طرحت هذا الموضوع في الاجتماعات الامنية مع السوريين الذين قالت مصادرهم ل "الحياة" انهم "طلبوا الحصول على نسخة من الاعترافات للتأكد من المزاعم التركية" بشأن وجود عناصر ومقرات وحسابات مصرفية للحزب في الاراضي السورية. راجع ص 5 وبدا ان حجم الاستفادة التركية من "ورقة اوجلان" كانت وراء اجماع سياسي واضح في تركيا امس، على ضرورة اعطاء زعيم "الكردستاني" حق طلب الاستئناف والانتظار حتى يتأكد الحكم عليه بعد ذلك قبل احالة الملف الى البرلمان للمناقشة. وأكد محامو اوجلان بعد صدور الحكم انهم سيتقدمون الى محكمة حقوق الانسان الاوروبية بطلب لايقاف تنفيذ الحكم والتحقيق في صحته القانونية، في اعقاب تأكيد وزارة العدل التركية انها تراسل المحكمة الاوروبية منذ بداية المحاكمة. وكان القاضي ترغت اوكياي صرح بعد لفظ حكمه على اوجلان بأنه شخصياً ضد تنفيذ الحكم. وأشار الى انه اضطر للتقيد بأحكام الجزاء التي حظيت بدعم شعبي نتيجة نجاح عائلات الجنود الاتراك في تحريك الرأي العام. وقبل لفظ حكمه، سأل القاضي اوجلان هل لديه ما يقوله؟ فأجاب الزعيم الكردي: "أنا لست خائناً لوطني. انا بريء من كل التهم الموجهة الي وسأعمل على تحقيق السلام في تركيا اذا اتيحت لي الفرصة". وفور النطق بالحكم وقف الحضور ومعظمهم من عائلات الجنود وراحوا ينشدون النشيد الوطني، فيما غادر اوجلان قفصه الزجاجي، ملوحاً بيده الى عائلته التي كانت هناك ايضا. وتوجهت عائلات الجنود الى شوارع مدينة موضانيا وهي اقرب المدن الى جزيرة امرالي حيث جرت المحاكمة. وانضم الى العائلات مئات من سكان المدينة التي تحولت ساحة لمهرجان احتفالي رفعت خلاله صور الجنود الضحايا وتخللته حلقات رقص على انغام الاغاني الوطنية الحماسية. قلق واحتجاج في اوروبا وفي المقابل، بدا المزاج مختلفاً في العواصم الاوروبية التي عاشت جوا من القلق الامني وسط احتجاجات كردية واسعة. ففي بروكسيل طلب المفوض الاوروبي لشؤون توسيع الاتحاد الاوروبي هانس فان دين بروك من "السلطات التركية ان تأخذ في الاعتبار معارضة الاتحاد الاوروبي لعقوبة الاعدام". وفي ستراسبورغ عبر المجلس الاوروبي عن "قلقه" بعد اصدار الحكم كما اعرب عن امله في تجاوب تركيا مع الدعوات الى تجميد تنفيذ احكام الاعدام. واعربت باريس عن الامل في عدم تنفيذ حكم الاعدام بحق اوجلان وذكرت بان هذا الحكم "لا يزال غير نهائي". وقالت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية آن غازو - سوكريه ان "هذا الحكم لا يزال غير نهائي. ان اي حكم بالاعدام لم ينفذ في تركيا منذ 1984. اننا نأمل في استمرار هذا الوضع". وفي ايطاليا، اعتبر رئيس الوزراء ماسيمو داليما الحكم "خطيراً جداً" ويهدد ب "ابعاد تركيا عن اوروبا". وقال داليما الموجود في ريو دو جانيرو حيث يشارك في القمة بين دول الاتحاد الاوروبي واميركا اللاتينية والكاريبي ان هذا الحكم بالاعدام "خطير جدا تماما مثل الطريقة التي جرت فيها المحاكمة". وأعرب عن أمله في عدم تنفيذ الحكم. وفي المانيا حيث تعيش جالية كردية كبيرة، عبر وزير الداخلية اوتو شيلي عن الامل في رفع الحكم الى "هيئة مراجعة". وعبرت الحكومة الالمانية عن "قلقها الشديد" وطلبت من السلطات التركية "عدم تنفيذ هذه العقوبة". وحذرت الجبهة الوطنية لتحرير كردستان، الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني في بيان نشر في فيينا من ان الحكم بالاعدام من شأنه ان يؤجج النزاع "في تركيا ومنطقة الشرق الاوسط بكاملها". وفي اثينا قال روشات لاسير ممثل الجبهة في البلقان، ان ادانة اوجلان "ستثير رد فعل فورياً من منظمتنا". واعتبر موسى كافال، احد اعضاء البرلمان الكردي في المنفى مقره بروكسيل ان الحكم غير عادل ومن شأنه ان يزيد تعقيد المشكلة الكردية. وافاد مصدر رسمي في اسرائيل ان الاجراءات الامنية عززت حول مقار البعثات الديبلوماسية الاسرائيلية في دول في اوروبا الغربية حيث تعيش جاليات كردية مثل المانيا وبريطانيا وسويسرا وفرنسا وايطاليا. كما نظمت تظاهرات في مختلف انحاء العالم احتجاجا على هذا الحكم. وفي موسكو احتشد حوالي 300 شخص في وسط العاصمة للاحتجاج على هذا الحكم. وفي قبرص تجمع حوالي 150 متظاهراً امام السفارة الاميركية في نيقوسيا ورشقوا المبنى بالحجارة كما افاد شهود. وفي هلسنكي دعت لجنة كردستان، وهي منظمة للاكراد في فنلندا، الى التظاهر احتجاجاً على صدور الحكم. ويعيش حوالي الفي كردي في فنلندا بينهم 600 من اصل تركي.