يدير رئيس غرفة التجارة العربية الألمانية غرفة رجل الأعمال الألماني من اصل عراقي الدكتور محمد السعدي مؤسسة استثمار واستثمارات قرب نورنبرغ، ثاني أكبر مدن مقاطعة بافاريا بعد ميونيخ. ومنذ توليه منصب رئيس الغرفة قبل اكثر من عامين بدأ عملية لاعادة هيكلتها بهدف تعزيز دورها في مجال تطوير العلاقات الاقتصادية العربية - الألمانية لتتجاوز الطابع التجاري الى الاستثمارات المباشرة والتأهيل في مختلف المجالات. وخلال فترة قصيرة امنت الغرفة قاعدة معلوماتية للمستثمرين الألمان والعرب عن ظروف الاستثمار في البلدان العربية او المانيا، ونظمت عدداً من اللقاءات والندوات حضرها كبار المسؤولين عن الجانبين، كان آخرها القمة السياحية العربية - الألمانية الأولى التي عقدت في برلين اخيراً. كما انها تشارك في فعاليات العديد من المعارض التي تهتم بتنمية العلاقات مثل معرض ابو ظبي التجاري الدولي أديف ومعرض مسقط الدولي ميف. "الحياة" التقت الدكتور السعدي وحاورته حول العلاقات الاقتصادية العربية - الألمانية وآفاقها على ضوء الدور الذي يمكن ان تلعبه الغرفة مستقبلاً على هذا الصعيد. وفي ما يأتي نص الحوار: كيف تقيم العلاقات الاقتصادية العربية - الألمانية حالياً؟ - العلاقات العربية - الألمانية لا تزال ضعيفة عموماً قياساً الى الامكانات والفرص الكبيرة التي لم تستغل بعد في التجارة والاستثمارات وغيرها. غير انها بدأت اخيراً تشهد تطوراً ملحوظاً خصوصاً مع تونس ودول الخليج ومصر. ويعكس ذلك نتائج اللقاءات المكثفة التي تتم بين مسؤولي الاقتصاد والسياسة ورجال الأعمال من كلا الجانبين والتي تلعب غرفتنا الدور الأبرز في تنظيمها. أين تكمن اهم الفرص الاستثمارية للألمان في البلدان العربية في الوقت الحاضر؟ - عموماً لا يوجد قطاع خال من مثل هذه الفرص، لكن ابرزها موجود في المجال السياحي هذه الأيام. وكما تعرف فإن مبيعات القطاع السياحي الألماني تبلغ نحو 300 بليون مارك سنوياً. وإذا احسنت الدول العربية تطوير قطاعها السياحي فمن الممكن مضاعفة ايراداتها السياحية من المانيا خلال سنوات معدودة. وانطلاقاً من ذلك نظمنا اخيراً القمة السياحية العربية - الالمانية الأولى في برلين التي حضرها اكثر من 150 من كبار المسؤولين ورجال الأعمال. لكن العرب بحاجة اكثر الى استغلال الفرص في مجالات البنية التحتية والصناعة؟ - السياحة لا تعني فقط تدفق السياح لأن ذلك يتطلب توفير بنية تحتية وصناعات استهلاكية قادرة على استيعاب حركتهم على صعيد النقل والسفر والبيت والاستهلاك... ويمكن تطوير هذه البنية والصناعات بالاعتماد على الايرادات السياحية الى حد كبير. كما ان السياحة تشجع على الاستثمار بشكل مباشر. فالكثير من السياح الألمان من رجال الأعمال الذين يبادرون الى الاستثمار في بلد ما بعد رحلة او اكثر اليه. ففي تونس مثلاً هناك اليوم 700 شركة ألمانية تستثمر ما قيمته بليونا مارك في السياحة والصناعة والخدمات. ومما لا شك فيه ان ذلك مرتبط بالعلاقات السياحية القوية بين البلدين. فعدد كبير من المستثمرين الألمان تعرف على مناخ الاستثمار الجيد في تونس من خلال السياحة. ومن جهة اخرى فإن التركيز على القطاع السياحي اليوم لا يعني اهمال بقية القطاعات. فاضافة الى المنتدى الاقتصادي العربي - الألماني الثاني الذي ننظمه حالياً على ان يعقد في حزيران يونيو المقبل، هناك منتدى آخر السنة المقبلة حول التكنولوجيا للأغراض السلمية، يليه منتدى حول استغلال المصادر المائية. وسنتابع تنظيم المزيد من المنتديات واللقاءات. أظهرت القمة السياحية ان هناك مخاوف امنية المانية. الى اي حد يشكل ذلك عائقاً امام تقوية العلاقات الاقتصادية العربية - الألمانية؟ - عكس تعبير بعض رجال الأعمال الألمان عن مثل هذه المخاوف تأثرهم بما تنقله وسائل الاعلام بشكل غير دقيق عن الأوضاع الأمنية في هذه البلدان. وكانت القمة فرصة للتحدث بصراحة حول مثل هذه المخاوف. وأفلح الجانب العربي في تبديدها الى حد كبير من خلال الوقائع والأرقام والمقارنات. كما افلح ايضاً في تعريف الجانب الألماني بالتحسن الجوهري الذي شهده مناخ الاستثمار في البلدان العربية والذي ما يزال مجهولاً بالنسبة الى غالبية المستثمرين الألمان. ونتيجة جهودنا وجهود المعنيين بتطوير اوجه التعاون العربي - الألماني بدأت الأمور تتغير في الاتجاه الايجابي، ويعكس ذلك على سبيل المثال تغير نبرة الاعلام الألماني الذي بدأ اعادة تقييم نظرته الى الأوضاع المذكورة. وهناك وقائع تشير الى اقبال اعداد متزايدة من الشركات والمؤسسات الألمانية على النشاط في الأسواق العربية. هل يشمل هذا الاقبال الشركات الصغيرة والمتوسطة أيضاً؟ - نعم وهذا شيء مهم لأن هذا النوع من الشركات يشكل عماد الاقتصاد الألماني وكذلك الاقتصاديات العربية. ما هي اهم المشاكل التي تواجه المستثمر الألماني في البلدان العربية؟ - مقابل ميزات الاستثمار المتمثلة بانخفاض النسب الضريبية ورخص الطاقة والمواد الأولية وقوة العمل... الخ، هناك مشاكل على رأسها ضعف البنية التحتية. لنأخذ على سبيل المثال قطاع النقل. هذا القطاع لا يستطيع ان ينقل الانتاج من المؤسسات والمخازن الى مراكز التصريف بالسرعة المطلوبة. وهناك مشكلة عدم توافر حرية تحويل رؤوس الأموال في غالبية البلدان العربية، تضاف الى ذلك مشكلة البيروقراطية التي هي في الحقيقة مشكلة عالمية تعاني منها جميع الدول ولو بدرجات مختلفة. يبدي العرب اهتماماً خاصاً بالحصول على التكنولوجيا الألمانية وبالتعاون على صعيد تأهيل الأيدي العاملة. ما مدى استجابة الجانب الألماني لذلك؟ - يبدي الألمان رغبة متزايدة بنقل تكنولوجيتهم الى الأسواق العربية لأن ذلك يعني بالنسبة اليهم نشوء مصالح وقيام استثمارات مشتركة. وشجعنا الأمر على الاهتمام بهذين الجانبين. وعلى هذا الأساس نقوم حالياً باعادة هيكلة الغرفة لتتمكن من تحمل الأعباء الجديدة. وتشكل المساعدة على نقل التكنولوجيا في مجالات الاتصال والطاقة والكيمياء للأغراض السلمية وعلم الجينات... الخ احد اهم اوجه أنشطتنا حالياً. كما اننا نبذل جهوداً لدى الجانب الرسمي الألماني للمساعدة على صعيد تأهيل الشباب العربي. وأثمرت هذه الجهود في فتح ابواب اوسع امام الذين يريدون التأهيل والتدريب في المانيا بمن فيهم الشباب العراقي ايضاً. وفي هذا الاطار نقوم بتشكيل لجان مشتركة مع غرف التجارة والصناعة العربية من اجل البدء بتنفيذ برامج التعليم والتأهيل سواء في المانيا او في البلد العربي المعني. وسنبدأ قريباً في الامارات على هذا الصعيد. هل هناك ما يميز المستثمر العربي عن نظيره الألماني؟ - المستثمر الألماني استراتيجي عموماً، يخطط على المدى البعيد وبشكل مدروس. كما انه اطول بالاً لجهة استعادة رأس المال وتحقيق الربح. وفي المقابل فإن المستثمر العربي يقرر بشكل اسرع. كما انه لا يتمتع بالصبر الذي يتميز به نظيره الألماني. أقول هذا مع تحفظي الشديد عن التعميم. فهناك كثير من المستثمرين العرب الذين يعتبرون من افضل المستثمرين في العالم. كما انني متفائل جداً بالمستثمرين من الاجيال الصاعدة. فعدد كبير منهم يتفوق على نظيره الألماني بالكفاءة والخبرة والتخطيط. أنت خبير مصرفي قبل ان تكون رجل اعمال ورئيساً للغرفة. ما هي اهم الدروس التي يجب على البلدان العربية تعلمها من اجل تجنب اخطاء كتلك التي حدثت في شرق آسيا؟ - من المهم جداً بالنسبة للبلدان العربية استكمال آلية ضبط انشطة المصارف فيها ليتم التأسيس لنظام مصرفي لا يعاني من الفلتان الذي عانى منه مثيله الآسيوي خصوصاً لجهة تقديم القروض. كما ينبغي لهذا النظام ان لا يحصر المضاربات في اضيق الحدود الممكنة وحسب، فالمهم ايضاً قدرته على استيعاب تدفق رؤوس الأموال وتوجيهها للاستثمار في القطاعات التي هي بحاجة اليها بالفعل بدلاً من ضخها في المضاربات العقارية وغيرها.