الحديث هو كل ما وردَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. وترتبط عملية تدوين الحديث في الإسلام بالخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز 99-101 ه، فيقال إنه كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يأمره بجمع وتدوين أحاديث رسول الله. غير أن عملية التدوين الفعلية للأحاديث لم تبدأ. إلا في العصر العباسي، في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة. ولم تنشط هذه الحركة إلا في القرن الثالث الهجري، ففيه تمّ تأليف أشهر كتب الحديث التي نعرفها اليوم. فألّف مسلم توفي سنة 261 ه "صحيح مسلم"، وألّف البخاري توفي سنة 256 ه "الجامع الصحيح"، كما تمّ وضع "جامع الترمذي" المتوفى سنة 279 ه، و"سنن النسائي" المتوفى سنة 303 ه، و"سنن ابن ماجَه" توفي سنة 273 ه، و"سنن أبي داود" المتوفى سنة 275 ه. وكانت رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تزايد مستمر، فهي قليلة في عصر الخلفاء الراشدين، ثم ازدادت في عصر الدولة الأموية، ثم ازدادت أكثر في عهد العباسيين. ويُعتبر الوضع هو السبب المباشر لزيادة هذه الأحاديث. يقول غولدتسيهر في كتابه "العقيدة والشريعة في الإسلام" متحدثاً عن الوضع في الحديث: "فالحق أن كلّ فكرة وكلّ حزب وكل صاحب مذهب يستطيع دعم رأيه بهذا الشكل ]= بوضع الأحاديث[، وأن المخالف في الرأي يسلك أيضاً هذا الطريق. ومن ذلك لا يوجد في دائرة العبادات أو العقائد أو القوانين الفقهية أو السياسية مذهب أو مدرسة لا تعزّز رأيها بحديث أو بجملة من الأحاديث ظاهرها لا تشوبه أي شائبة". وكانت الخصومة السياسية بين أهل السنة والشيعة، والخلافات الكلامية والفقهية بين الفرق والمذاهب المختلفة من أهم الأسباب التي أدّت إلى كثرة الأحاديث الموضوعة. وبجانب ذلك كانت هناك طوائف وجماعات أخرى اختلفت دوافعها في وضع الأحاديث، مثل القصّاص والملاحدة. أما القصّاص والمحدثون، فقد كانوا يضعون الأحاديث بهدف تسلية العوام. يقول آدم متز في كتابه "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري": "وكان العامة يحبون القصّاص حباً شديداً. ويحكى عن الطبري أنه أنكر على قاص ببغداد، فرمى العامة باب داره، حتى سدّوه، وصعب الخروج منه". وهاجم الغزالي في "إحياء علوم الدين" القصّاصَ، واعتبر عملهم من منكرات المساجد. كما ذكرهم ابن الجوزي في "تلبيس إبليس"، حيث يقول: "كان الوعّاظ في قديم الزمان علماء فقهاء... وكان عمر بن عبدالعزيز يحضر مجلس القصّاص. ثمّ خسّت هذه الصناعة، فتعرّض لها الجُهّال، فبعُد ]عمر بن عبدالعزيز[ عن الحضور... وتعلق بهم العوام والنساء. فلم يتشاغلوا بالعلم، وأقبلوا على القصص، وما يعجب الجهلة، وتنوّعت البدع في هذا الفن". ويبدو أن القصّاص والوعّاظ قد أدركوا حبّ العامة للحديث الغريب، فكلما كان الحديث غريباً، كلما كان مطلوباً. يقول المقدسي في كتاب "البدء والتاريخ" حاكياً عن القصّاص: "الحديث لهم عن جمل طار أشهى إليهم من الحديث عن جمل سار. ورؤيا مُرية آثر عندهم من رواية مروية". أما الملاحدة الذين كانوا يضعون الحديث، فلعلّ عبدالكريم بن أبي العوجاء هو خير مَن يمثلهم. جاء في كتاب "تحذير الخواص من أكاذيب القصّاص" للسيوطي أنه: "لما أُخِذَ عبدالكريم بن أبي العوجاء، ليضرب عنقه، قال: لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرّم فيها الحلال، وأحلّل الحرام". المعتزلة: لمحة تاريخية المعتزلة، كما يقول زهدي جار الله في كتابه "المعتزلة"، كفرقة منظمة بدأوا حوالى سنة 100 هجرية. أي أن ظهورهم جاء بعد انتشار وضع الأحاديث، وبعد أن أصبح نشاط القصّاص والوعّاظ واضحاً في المساجد والطرقات. فماذا كان موقف المعتزلة من أصحاب الحديث؟ قبل الإجابة على هذا السؤال لا بدّ من لمحة تاريخية عن نظرة المعتزلة إلى أنفسهم، وعن رأيهم في عامة الشعب. يقول الأمير أبو سعد نشوان في رسالة "حور العين": "إن المعتزلة ينظرون إلى جميع المذاهب كما تنظر ملائكة السماء إلى أهل الأرض مثلاً. ولهم من التصانيف الموضوعات والكتب المؤلفات في دقائق التوحيد والعدل والتنزيه لله عزّ وجلّ ما لا يقوم به سواهم، ولا يوجد لغيرهم، ولا يحيط به علماً لكثرته، إلا الله عزّ وجلّ. وكل متكلم بعدهم يغترف من بحارهم، ويمشي على آثارهم، ولهم في معرفة المقالات والمذاهب المبدعات تحصيل عظيم وحفظ عجيب وغرض بعيد، لا يقدر عليه غيرهم. ينتقدون المذاهب كما ينقد الصيارف الدنانير والدراهم". وقول الأمير أبي سعد عن المعتزلة إنهم "كانوا ينظرون إلى جميع المذاهب كما تنظر ملائكة السماء إلى أهل الأرض" يوضّح لنا كيف كان مفكرو المعتزلة ينظرون إلى أنفسهم، وكيف كانوا ينظرون إلى بقية المذاهب المختلفة. ولا شكّ في أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم صفوة المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت. ويقول الحاكم الجشمي 413 - 494 ه المعتزلي في كتابه "شرح العيون": "وجملة القول أن المعتزلة هم الغالبون على الكلام، الغالبون على أهله. فالكلام منهم بدأ وفيهم نشأ. ولهم السلف فيه، ولهم الكتب المصنفة المدوّنة، والأئمة المشهورة، ولهم الردّ على المخالفين من أهل الإلحاد والبدع، ولهم المقامات المشهورة في الذبّ عن الإسلام. وكلّ مَن أخذَ في الكلام، أو ما يوجد من الكلام في أيدي الناس، فمنهم أُخِذَ، ومن أئمتهم اقتبس، حتى أنّ مَن خالفهم، أخذَ عنهم...". ويفتخر الجاحظ في كتابه "الحيوان" بمكانة المعتزلة في المجتمع الإسلامي في العصور التي ساد فيها الاعتزال، فيقول: "... لولا مكان المتكلمين، لهلكت العوام من جميع الأمم. ولولا مكان المعتزلة، لهلكت العوام من جميع النحل". وفي هذا إشارة إلى ما كان يقوم به المتكلمون في جميع الديانات من الدفاع عن الديانة بالأدلة والبراهين العقلية. ومرّة أخرى نجد قولاً يشير إلى مكانة المعتزلة بالنسبة الى الفرق الأخرى. فكلام الجاحظ يعني أن المتكلمين في كل أمة هم عقلاؤها وروّاد فكرها. وكذلك الحال في المجتمع الإسلامي، فقد كان المتكلمون - في عصر الكلام - هم قادة الفكر فيه. وكان الجاحظ يُسمّي أصحابه من المعتزلة "أشراف أهل الحكمة"، ويذكر أن علم الكلام الذي وضع أساسه المعتزلة "يتفرّغ للجدال فيه الشيوخ الجلة، والكهول العلية... حتى يختاروا النظر فيه على التسبيح والتهليل وقراءة القرآن وطول الانتصاب في الصلاة، وحتى يزعم أهله أنه فوق الحج والجهاد، وفوق كل برّ واجتهاد". ولما كان المعتزلة هم أصحاب المذهب العقلي في الإسلام دون غيرهم، فقد وصفهم النقاد قائلين إن "النرد أشعري، والشطرنج معتزلي، لأنّ لاعب النرد يعتمد على القضاء والقدر، ولاعب الشطرنج يعتمد على الكدّ وإعمال الفكر". وحكى زهدي جار الله في كتابه "المعتزلة" عن أبي بكر الخوارزمي المتوفى سنة 383 ه قوله: "إن العراق يُحسدُ على أشياء كثيرة منها أن الاعتزال بصري". ونظراً إلى أن المعتزلة رفعوا من قيمة العقل في الإسلام، ولأن الاعتزال كان غالباً على المذهب الحنفي، فقد مال أصحاب أبي حنيفة إلى استخدام الرأي على نطاق واسع في مذهبهم. يقول الصفدي في "الغيث المسجم": "إن الغالب في الحنفية معتزلة، والغالب في الشافعية أشاعرة، والغالب في المالكية قدرية ]جبرية[، والغالب في الحنابلة حشوية". وقبل أن نستعرض بعض ملامح الصراع بين المعتزلة وأهل الحديث، لا بدّ لنا من كلمة قصيرة عن رأي المعتزلة في عامة الشعب الذين كان يميل معظمهم إلى أهل الحديث. المعتزلة والعامة ذكرنا سابقاً ما قاله الأمير أبو سعيد نشوان في رسالته "حور العين" من أن "المعتزلة كانوا ينظرون إلى جميع المذاهب كما تنظر ملائكة السماء إلى أهل الأرض"، وأوضحنا أن هذا يعني أن المعتزلة كانوا يعتبرون أنفسهم، ليس فقط صفوة المجتمع وانما قادة هذه الصفوة في المجتمع الإسلامي. وصدق الدكتور محمد عمارة حين وصفهم ب"الارستقراطية الفكرية". والواقع أن الموضوعات والمسائل التي بحثها المعتزلة كانت تتطلب ثقافة ذات مستوى رفيع، والعامة يصعب عليها الوصول إلى هذا المستوى الممتاز من الثقافة. كانت المعتزلة تستحقر العوام، وتعادي المذاهب التي تعتمد على عامة الشعب مثل الحنابلة والأشاعرة وأصحاب الحديث. وللمعتزلة في تحقير العوام أقوال كثيرة نذكر منها ما حكاه ثمامة بن الأشرس المعتزلي المتوفى سنة 213 ه للمأمون، حيث يقول: "... إن سلاماً الأبرش ]وكان سجّاناً[ وأنا في السجن، كان يقرأ في المصحف: "ويل يومئذٍ للمكذَبين"، فقلت له: المكذَبون هم الرسل، والمكذِبون هم الكفار. فاقرأها: "ويل يومئذٍ للمكذِبين". فقال سلام: قيل لي من قبل إنك زنديق، ولم أقبل. ثمّ ضيّق عليّ أشدّ الضيق". وحكي عن واصل بن عطاء المعتزلي 80-130 ه قوله عن العامة: "ما اجتمعوا إلا ضرّوا، ولا تفرّقوا إلا نفعوا. فقيل له: عرفنا مضرة الاجتماع، فما منفعة الافتراق؟ قال: يرجع الطيّان إلى تطيينه، والحائك إلى حياكته، والملاح إلى ملاحته، والصائغ إلى صياغته، وكل إنسان إلى صناعته. وكل ذلك مرفق للمسلمين، ومعونة للمحتاجين". الفعل وردّ الفعل في أصول المعتزلة عندما ظهرت المعتزلة في مدينة البصرةبالعراق حوالى سنة 100 ه على يد واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، كان المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت فاسداً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فقد اجتمعت فيه مجموعة غريبة من الديانات المختلفة والمذاهب المتباينة، وابتعد معظم الناس عن الإسلام كما كان في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين. وأخطر من كلّ هذه الفرق وأصحاب الديانات كان هناك الخوارج الذين كانوا يقولون إن كل مسلم يرتكب كبيرة فهو كافر، وسوف يخلد في النار. ولما كان قتال الكفار على المسلمين واجباً، وبما أنهم اعتبروا بني أمية من الكفار، فإنهم قادوا حرباً شرسة ضدّ الأمويين، راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى. وقد أورد المبرد المتوفى سنة 285 ه الكثير من أخبار الخوارج في "الكامل". وفي مقابل هذا التطرف من الخوارج، نجد المرجئة الذين يمكن اعتبارهم - كما ذكر وينسينك - خصوم الخوارج المتطرفين. أو بعبارة أخرى كانوا على نقيض الخوارج كلية. فبينما كان معظم الخوارج يقول إن مرتكب الكبيرة كافر مخلّد في النار، ذهبت المرجئة - كما يقول الشهرستاني - إلى القول بأنه: "لا تضرّ مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة". كان على المعتزلة أن يواجهوا كل هذه التيارات والمذاهب، وكان عليهم أن يقوموا بدور المدافع عن الإسلام ضدّ الديانات الأجنبية، ولكن أيضاً بدور المصلح الاجتماعي في مجتمع كثرت فيه المذاهب المتطرفة والمبادئ اللاعقلانية. لقد واجه المعتزلة أحوال المجتمع الإسلامي في أوائل القرن الثاني للهجرة بأن وضعوا أصولهم الخمسة التي لم يتم وضعها مرّة واحدة، ولكنها جاءت متتالية. وكما هو معروف فإن كل أصل من أصول المعتزلة ما هو إلا ردّ فعل لتيار أو مذهب من المذاهب المختلفة التي كانت سائدة في المجتمع في ذلك الوقت. يقول الدكتور عبدالمجيد النجّار: "... إن المعتزلة تعتبر عنصراً من عناصر الاستجابة للتحديات الداخلية والخارجية التي تعرّض لها المجتمع الإسلامي في القرن الأوّل ]الهجري[ -... إن المعتزلة كانت ابنة بيئتها فيما يتجلى في تلك البيئة من مظاهر التحدي المختلفة، حتى أنه ليمكن إرجاع كل الأصول والمبادئ والخاصيات المنهجية التي تميزت بها المعتزلة إلى عناصر الواقع الذي نشأت فيه". كان أوّل أصل من أصول المعتزلة - وهو "المنزلة بين المنزلتين" - ردّاً على الخوارج الذين قالوا إن صاحب الكبيرة كافر، وعلى المرجئة الذين ذهبوا إلى القول إن صاحب الكبيرة مؤمن. قالت المعتزلة إن صاحب الكبيرة "لا يكون مؤمناً ولا كافراً ولا منافقاً، بل يكون فاسقاً". أما أصل "العدل" فقد كان في أساسه ردّاً على المجبرة الذين لم يثبتوا للإنسان أي إرادة. وتفرّعت من هذا الأصل نظريات أخرى مثل نظرية الصلاح والأصلح، والكلام في النبوات والمعجزات. وكان أصل أو مبدأ "التوحيد" للردّ على الثانوية واليهود والنصارى والمجوس. قالت المعتزلة إن "الله تعالى واحد لا يشاركه غيره فيما يستحق من الصفات نفياً وإثباتاً على الحدّ الذي يستحقه والإقرار به...". أما أصل "الوعد والوعيد" فكان ردّاً على المرجئة الذين حاولوا التقليل من قيمة العمل والعبادات في الإسلام، وقالوا إن مرتكب الكبيرة مسلم سيدخل الجنة "وإن ترك الفرائض وعمل الكبائر". فقالت المعتزلة ردّاً على ذلك إن الله: "... وعدَ المطيعينَ بالثواب، وتوعّد العصاة بالعقاب، وإنه يفعل ما وعد به وتوعّد عليه لا محالة. ولا يجوز عليه الخلف والكذب". أما أصل "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" فهو في الواقع ردّ فعل على ما اجتاح المجتمع الإسلامي في أواخر القرن الأوّل الهجري وأوائل القرن الثاني من فساد وخروج عن الدين. موقف المعتزلة من الأحاديث النبوية أما ما يخصّ الحديث، فإن المعتزلة كانوا مدركين تماماً لما دخله من الأحاديث الموضوعة. لذلك مالوا إلى رفض كل الأحاديث التي تتعارض مع أصولهم الخمسة، ولم يقبلوا أي حديث لا يتفق والمبادئ التي أعلنوا تمسكهم بها تمسكاً شديداً. لقد بدأ الخصام أو النزاع بين المعتزلة وأهل الحديث مبكراً جداً. فكتب التاريخ تحدثنا عن عمرو بن عبيد المعتزلي توفي سنة 144ه الذي أسّس هو وواصل بن عطاء المتوفى سنة 131 ه مذهب الاعتزال، أنه أي عمرو بن عبيد كان أوّل من قال من المعتزلة بتكذيب بعض الأحاديث. ومن بعده كان المعتزلة يميلون إلى تحقير أصحاب الحديث والسخرية منهم، خصوصاً أن معظم أتباعهم كانوا من العوام، والمعتزلة كما أوضحنا سابقاً يستحقرون العامة ويهزأون بهم. وكان من مظاهر نظرة المعتزلة الاستحقراية لأصحاب الحديث أن أطلقوا عليهم كما يقول ابن العماد الحنبلي في الجزء الأوّل من "شذرات الذهب" لفظ "الحشوية". والحشو هو في الواقع لفظ مرادف ل "الوضع"، أي الكذب في الحديث. وكان لابراهيم النظام المعتزلي توفي سنة 221 ه مع أصحاب الحديث خلافات كثيرة يرجع سببها إلى أن النظام لم يقبل أي حديث يتعارض مع أصول المعتزلة. وجاء من بعده تلميذه الجاحظ المتوفى سنة 255 ه الذي واصل سياسة أستاذه النظام في السخرية من أهل الحديث والاستهزاء بهم. فهو يطلق عليهم لفظ "الحشوية" في إحدى رسائله، وفي رسالة أخرى يسميهم "النابتة". وكان أبو موسى المردار المتوفى سنة 226 ه الذي يرجع إليه الفضل في انتشار مذهب الاعتزال في بغداد يُكفّر كلّ مَن يقول برؤية الله يوم القيامة. والمعتزلة عندما وضعوا أصل التوحيد فإنهم قالوا إن الله واحد وإنه "ليس كمثله شيء"، ومن هنا فإنهم قالوا بنفي الصفات. قال أبو الهذيل المتوفى سنة 235 ه: "إن البارئ تعالى عالم بعلم، وعلمه ذاته، قادر بقدره، وقدرته ذاته، حي بحياة، وحياته ذاته". اختلف المعتزلة إذن مع أهل الحديث حولَ مسألة رؤية الله يوم القيامة، وجاء أبو موسى المردار وكفّر كلّ مَن قال بجواز رؤية الله يومَ القيامة. قال البغدادي في "الفرق بين الفرق": "... وزعم المردار أيضاً أن مَن أجاز رؤية الله تعالى بالأبصار بلا كيف، فهو كافر، والشاك في كفره كافر...". وكان هشام بن عمرو الفوطي المتوفى سنة 226 ه يذهب مذهباً أكثر تطرفاً من مذهب المردار، فقد حكى عنه الشهرستاني في "الملل والنحل" أنه: "كان يجوّز القتل والغيلة على المخالفين لمذهبه، وأخذ أموالهم غصباً وسرقة، لاعتقاد كفرهم، واستباحة دمائهم وأموالهم". * باحث مصري مقيم في زوريخ.