كان كل ما يمت الى العالم الشيوعي يتداعى بسرعة في تلك الأونة. وكانت الدول المنتمية الى ما كان لا يزال يحمل اسم "الكتلة الاشتراكية" تخرج من هذه الكتلة واحدة بعد الأخرى، ليبدأ عصر ما بعد الاشتراكية، الذي كان افتتحه وصول الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف الى السلطة العليا في الكرملين من ناحية والانتصارات التي حققتها نقابات "التضامن" البولندية من ناحية ثانية. ولئن كانت قد بقيت قائمة، بعض المظاهر الشكلية ل"وحدة" الدول الاشتراكية الشقيقة، فإن تسارع الأحداث جاء ليزيل تلك المظاهر. يوم 28 حزيران يونيو 1991، قبل الانقلاب الشيوعي الفاشل في موسكو بأسابيع قليلة، وعشية انفراط حلف وارسو في العاصمة التشيكوسلوفاكية، كان الدور دور "الكوميكون"، تلك المؤسسة الاقتصادية التي كانت تضم تسع دول اشتراكية، بعدان تأسست في العام 1949 مؤلفة من ست دول. ففي ذلك اليوم تمت تصفية الكوميكون عبر اجتماع عقده مندوبو الدول الاعضاء فيها، في بوادبست، عاصمة هنغاريا. وكانت التصفية، في ذلك اليوم، شكلية، لأن الكوميكون كانت قد كفت عن ان تكون ذات فاعلية، منذ فترة من الزمن. إذن، في بودابست، في ذلك اليوم، وخلال الدورة السادسة والأربعين الأخيرة للكوميكون، اجتمع ممثلو الاتحاد السوفياتي وهنغاريا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا وكوبا ومنغوليا وفيتنام، ليوقعوا بيان الحل الذاتي للتحالف الاقتصادي وللمؤسسات والهيئات التابعة له. والملفت ان أربعاً من الدول المجتمعة كانت لا تزال شيوعية الحكم، ومع هذا لم تقم بأية مبادرة للالتفاف على القرار الجماعي، أو للتجمع لكي ترث تلك الهيئة الاقتصادية. ولقد اتخذ يومها، خلال التوقيع، قرار بتشكيل لجنة تصفية تتولى خلال تسعين يوماً من تاريخه تسوية المشاكل المالية والقانونية العالقة. مهما يكن في الأمر، فإن مندوبي البلدان الأوروبية - من بين أعضاء الكوميكون - كان من المفترض بهم ان يعودوا بعد ذلك ويشكلوا مجموعة خبراء، مهمتها ارساء القواعد من أجل اقامة هيئة استشارية جديدة للتعاون الاقتصادي الاقليمي، على ان تتولى الهيئة ايضاً تسوية المسائل المشتركة مثل شبكات الطاقة وغير ذلك من المؤسسات المختلطة. وكانت منظمة "الكوميكون" تأسست في أواخر شهر كانون الثاني يناير 1949 من ست دول هي الاتحاد السوفياتي وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا وبلغاريا ورومانيا، وكان الناطقون باسمها تحدثوا طويلاً إبان التأسيس عن "الطابع الديموقراطي" لهذا التنظيم بحيث انه لا يمكن ان يتخذ جماعياً أي قرار يتعلق بدولة من تلك الدول لا توافق هي عليه، وذلك في مقابل "امبريالية الولاياتالمتحدة التي خلقت خطة مارشال لتستعبد بها الدول المنضوية ضمن اطارها"، حسب تعبير الصحافة السوفيانية في ذلك الحين. والواقع ان تأسيس "الكوميكون" أتى رداً من ستالين الصورة على خطة مارشال الأميركية التي كانت واشنطن تبتغي منها، وتحت غطاء مساعدة أوروبا على اعادة بناء نفسها بعد الحرب، فرض سيطرتها على القارة الأوروبية وعلى العالم. ولئن كانت الفكرة أغرت الدول الاشتراكية الأوروبية، التي كان يمكنها الانخراط في خطة مارشال، فإن موسكو سارعت الى الضغط عليها مانعة إياها من الانخراط. وفي النهاية، حين وجدت موسكو ان الضغط وحده لا يكفي من دون تقديم بديل، انبثقت فكرة السوق الاشتراكية الاقتصادية المشتركة، وكانت "الكوميكون" التي اعتبرها المحللون الغربيون في حينه نوعاً من "كومنفورم اقتصادي" نشيط، موازيا ومكملاً للكومنفورم السياسي الذي كان جدانوف أحد كبار مساعدي ستالين اسسه "كوسيلة للحرب ضد خطة مارشال" كما قال معلق في صحيفة "لوموند" يومذاك. المهم، عاشت الكوميكون اثنين واربعين عاماً، وانتهت خارجة من الابواب الخلفية من دون ان يندم، يومذاك، على انتهائها أحد.