التجمع المعروف باسم "وكالة الطاقة الدولية" ويتخذ مدينة باريس مقراً له ويمثل 24 حكومة، الاعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الذي لعبت الولاياتالمتحدة الاميركية دوراً كبيرا في قيامه، احتفل بمرور 25 سنة على تأسيسه. لقد اعتقد المهتمون بالبترول وشؤونه ان الوكالة تجاوزت مراحل افتعال الازمات والمجابهة من خلال التشكيك في نوايا وقدرات مصدري البترول من الدول النامية. الا ان تصريحات المسؤولين فيها اعادت لنا شيئا من ادوارهم التاريخية المصطنعة. فهذا مديرها الذي لم يفاجئنا قوله "... نحن قلقون من تجديد الاعتماد على عدد صغير من دول الشرق الاوسط المنتجة، تجاه النصف الاخير من العقد القادم. هناك الاحتمال الدائم لوقوع بعض الحوادث السياسية.." ويكمل هجومه على منظمة أوبك معلناً ".. اننا لا نبارك أفعالهم التي تتخذ ككارتل للتلاعب بالسوق..". والشرق الاوسط ايضاً لا يبارك اقوال وافعال الوكالة، فما قاله مسؤول الوكالة شهادة بأن ازمات الطاقة هي في عقول المنظرين الاستراتيجيين للدول الصناعية المستهلكة لا في اذهان الدول المصدرة، لأن البترول هوية اقتصادية حيوية تدخل في منهج الاعتماد المتبادل، ولا يمكن التلاعب به أو بأسواقه واسعاره. لقد مرت المنطقة بكل الحوادث وأبعادها واستمر البترول بالتدفق من منافذه بفضل القادرين على ذلك. والشهادة الاهم بأن سلعة البترول لم تفقد بريقها وأن الاعتماد على نفط الشرق لم يعد محل تساؤل، وان القلق من اي مصدر كان لا مبرر له. عندما قامت الوكالة رفضت فرنسا الدولة المضيفة الانضمام اليها بحجة انها خلقت للمجابهة واشارة المشاكل الاقتصادية، ولم تتمتع بعضويتها الا في عام 1992 بعد 18 عاماً على تأسيسها، بعدما اضطرت الوكالة للتصالح مع اوبك والتخلي عن شراستها المعلنة، وبعدما تبين ان الوكالة غير قادرة بالاضرار بعلاقة المصدرين والمستهلكين، وان البترول سلعة تتدفق بدون قيود لأسواقها الحرة. ان التخزين البري والبحري الدائم من اجل تأمين احتياط نفطي للأزمات، اجراء احترازي غير عملي في كثير من الظروف، لأنه لعب دوراً خطيراً في خلق حالة من اللاتوازن السوقي والسعري، اذ ان جزءاً من هذا المخزون ضُخ الى الاسواق مما زاد من الكميات المعروضة ومن ثم أدى الى انخفاض الاسعار. بالاضافة الى ان الوكالة منذ قيامها لم تستخدم فعلاً اهم ركائزها، وهي برنامج الطوارئ الدولي الذي ينظم اقتسام هذا المخزون البترولي بين الاعضاء لأن الأزمات لم تصل الى مراحل عدم الاستقرار الحرج، ولأن هناك دولاً مسؤولة كبرى في الخليج العربي تملك طاقات فائضة تستطيع امداد العالم بها وفي كل الاحوال. وحديثاً وُجهت اتهامات للوكالة، من بعض اعضائها، بأنها وراء خلق الجزع والارتباك في بعض تحليلاتها الخاطئة عن العرض والطلب وخلقت هزات في اسواق النفط مما سبب في هبوط الاسعار واثارة الازمات المالية لشركات كثيرة وخلق بطالة تقدر بمئة ألف عاطل. كما ان قضية البراميل المفقودة التي تزعم الوكالة أنها وراء عدم التوازن بين المعروض والمستهلك من النفط. هناك كميات هائلة من النفط لا تعرف الوكالة اين هي ولم تستطع تدوينها في نشراتها المختلفة تساعد على خلق حال من الترقب، وقد يكون هذا احد اساليبها غير الدقيقة، مما حدا بالسلطات الاميركية الى مطالبة الوكالة بتحري الدقة في تحليلاتها وتنبؤاتها والقدرة على مجابهة دول أوبك والمطالبة بإيجاد بدائل للبترول، وهكذا تحولت اهتماماتها الحالية الى المطالبة بالمحافظة على البيئة والمناخ. واذا كانت الدول الصناعية تشكل خمس العالم السكاني وتستهلك 80 في المئة من اجمالي الانبعاثات الغازية والتلوث، فالسؤال هنا: من ستحمي المنظمة اذا كان اعضاؤها من الدول الصناعية؟ في تصورنا ان الوكالة اذا لم تكن قادرة على الحوار البنّاء وإيجاد توازن عملي بين المصدرين والمستهلكين، فما هي الجدوى من استمرارها؟ * وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية.