ورد في قاموس "المنجد في اللغة والاعلام" عن جابر بن حيان انه "من علماء الكيمياء العرب. عاش في الكوفة واتصل بالبرامكة. من مؤلفاته: أسرار الكيمياء، واصول الكيمياء، وعلم الهيئة، والرحمة، والمكتسب، ومجموع رسائل. ترجمت مؤلفاته الى اللاتينية، واعتمد عليها علماء الغرب. توفي سنة 815م اي انه عاش في القرن الثامن وامتدت حياته الى القرن التاسع الميلادي، وهو ما يوازي القرن الثاني الهجري. هذا التعريف، على اقتضابه الشديد، يشي بالكثير عن هذه الشخصية العلمية الكبيرة التي اشتهرت في مجال الكيمياء، حتى سمّي ب"ابو الكيمياء"، على رغم كونه عبقرياً متنوع الاهتمامات وغزير الانتاج. اشتغل بالطب والرياضيات والميكانيك والفلسفة والمنطق. وكان يكسب عيشه من الصيدلة. كان صيدلانياً في الكوفة. وأكبر منجزاته العلمية كانت في مجال الكيمياء، لارتباط هذا العلم بعمله كصيدلاني، ولحبّه الشديد له. قال عنه ابن خلدون انه إمام المدونين المؤلفين في علم الكيمياء "حتى انهم يخصونه - اي علم الكيمياء - به، فيسمّونه علم جابر". وحظي ابن حيان باهتمام المستشرقين الذين تعرفوا على نتاجه فقال عنه المستشرق برتيلبو ان لابن حيان في الكيمياء ما لارسطو في المنطق. وخصّه المستشرق سارثون بالقول: "انه من اعظم من برزوا في ميدان العلوم في القرون الوسطى". كما اهتم بأبحاثه ومؤلفاته عدد آخر من المستشرقين، منهم ماركن بلسنر الذي كتب رسالة بعنوان: "تاريخ العلوم في الاسلام كمهمة للاستشراق الاسلامي الجديد". والمستشرق روسكا في كتابه "الكيميائيون العرب". وقام المستشرق باول كروس بتقديم خلاصة أبحاثه عن ابن حيان باعتباره ابرز الكيميائيين العرب، ونشر مختارات من كتبه بعنوان "مختار رسائل جابر بن حيان". وأعد بحثاً ضافياً عنه في جزئين ظهرا في مطبوعات المعهد المصري في اللغة الفرنسية. وكان الجزء الاول خاصاً بكتب ابن حيان كلها. اذ حوى مقدمة طويلة وفهرست بكل كتبه، كما يذكر الدكتور عبدالرحمن بدوي. فما هو المنهج الذي اتبعه "ابن حيان في ابحاثه، وأهّله لانجاز الكثير في حقول العلم وخصوصاً في الكيمياء؟ ان هذا المنهج تلخصه عبارة كتبها تقول: "يجب ان تعلم انا نذكر في هذه الكتب ويقصد تآليفه في الكيمياء خواص ما رأيناه فقط، من دون ما سمعناه او قيل لنا وقرأناه، بعد ان امتحناه وجرّبناه. فما صح أوردناه، وما بطل رفضناه. وما استخرجناه نحن ايضاً وقايسناه على اقوال هؤلاء القوم". ان هذا المنهج العلمي الدقيق الذي يقوم على التجربة، ودأب ابن حيان وصبره على تطبيقه، هو الذي جعل منه عالماً مرموقاً ومكّنه من تحقيق الكثير من المنجزات في مجال الكيمياء. ان ما نريد لفت الانتباه اليه هو ما جاء في العنوان، اي قضية "التكوين الصناعي" للكائنات الحية من نبات وحيوان. تحدث ابن حيان عمّا سمّاه "علم التكوين" وعن قدرة الانسان على ان "يكوّن" اي يخلق بالصناعة كائنات حية. "فاذا كان في وسع الكيمياء ان تستنبط مواد جديدة بتركيب الاجسام بعضها مع بعض فلم لا نقوم ايضاً بانتاج النبات والحيوان، بل وبخلق الانسان الصناعي؟ ان هذا العلم ممكن لأن الكائن الحي - والانسان كائن حي - هو نتيجة لتضافر القوى الطبيعية، والطبيعة في انتاجها للكائنات تخضع لقوانين كمية عديدة يكشف عن سرها علم "الميزان". اي علم القوانين الطبيعية الكمية التي يجري عليها الكون والفساد في الطبيعة. فما على الانسان، وقد عرف هذا السر، الا ان يقلّد ما تبرزه الطبيعة. وليس في هذا خروج عن الطبيعة، بل هي تساعد على ذلك، لأنها اذا وجدت للتكوّن طريقاً غير طريقها هي استغنت به عن طريق ثانٍ على حد تعبير جابر. انظر عبدالرحمن البدوي في كتابه من "تاريخ الالحاد في الاسلام" ص 226 - 227. * كاتب عراقي.