من هو البطل القادم على شاشة السينما المصرية، ما هي مواصفاته.. شكله.. مفرداته.. قدراته.. احلامه؟ هل هو كوميدي ام تراجيدي هل يكون فانتازياً او شريراً عنيفاً ام طيب القلب والملامح!! تساؤلات تطرح نفسها دائماً مع بدايات مرحلة جديدة او موجه جديدة. وحينما يجازف بعض منتجي ومخرجي السينما العالمية بطرح اسماء لا تخطر على بال احد من المشاهدين، وفي الغالب تكون على هامش الوسط الفني وترشيحها للعب ادوار البطولة في افلامهم. المؤشرات هذا العام تتجه بالسينما العالمية الى الكوميديا والقضايا الانسانية، ولذلك يبحث المخرجون عن ابطال جدد يتميزون بأشكال وطرق مختلفة في الاداء لجذب المشاهد والوصول الى فكره ووجدانه، مع الاعتماد على عنصر المفاجآت والمواقف المثيرة. وفي اتجاه آخر يسير مخرجو الخيال العلمي ليقضوا على اسطورة البطل البشري رجلاً كان او امرأة، فالبطل الجديد عندهم اصبح "آلة" صناعية تتشبه في شكل انسان او حيوان ويزينونها ايضا ببعض الاحاسيس والمشاعر البشرية المألوفة لكسب درجة التعاطف مع المشاهد. هذا ما اكده المخرج ستيفن سبيليرغ الذي يقال انه يعد حالياً لصناعة فيلم البطولة فيه لآلة صناعية تعيد اكتشاف العالم من جديد. ولكن كيف تفكر شاشة السينما المصرية في بطلها القادم.. وما رؤيتها له؟ الناقد السينمائي الدكتور رفيق الصبان يؤكد ان البطل سيكون اقرب للانسان العادي، يحمل هموم بلده ومجتمعه ويعبر عن مشاكله سواء الخاصة او العامة ودون انفعال. ويرى الصبان ان السينما القادمة ستجرد البطل التقليدي من هالة البطولة الزائفة التي كانت تحيط به، وستعيده الى ارض الواقع، و"كلما كانت الصفات التي يتميز بها هذا البطل قريبة من الناس، كانت فرصة نجاحه ووصوله الى قلوبهم اكبر، لذلك لا اعتقد ان البطل القادم للسينما المصرية هو البطل الوسيم، او صاحب العضلات والقوة الخارقة، وإنما هو الانسان البسيط الذي يتميز بكمية هائلة من الانسانية في ضميره وسلوكه، ولدي امل كبير انني سأجد من بين الوجوه الجديدة التي تطل علينا بطل نهاية القرن، والسينما لا تستطيع ان تحتفظ بحالة واحدة من الشباب، ومن الخطورة ان تبقى السينما على خط واحد، لكن يجب التغيير. ففي اوروبا يفتحون دائماً المجال للتفرغ الشديد، عندهم البطل الرومانسي، وذو القوة الشديدة، والبطل المجرح، والبطل الكابوس، بينما ظلت السينما عندنا صورة واحدة للبطل تراها دائماً". ويتساءل المخرج كمال الشيخ هل البطل يختلف من فترة لأخرى؟ ويجيب: "بالطبع لا ... فدائما هو الشخصية التي تتصف "بالجاذبية" او "الحضور" وهذه اهم صفة للبطل بالاضافة الى الموهبة. والجاذبية التي اقصدها، ليس شرطا ان تكون متعلقة بالجمال وشهدت السينما المصرية شخصيات من هذا القبيل. وبطل المرحلة المقبلة يجب ان يتمتع بمستوى ثقافي رفيع يؤهله لاختيار مواضيع تساعده على تفريغ موهبته واظهار قدراته فمن الممكن ان يكون بطلنا موهوباً لكن حين يكون موضوع الفيلم بلا قيمة، فإن نجوميته لا تشفع له، ومن الممكن ايضا ان يكون ذا جاذبية وحضور ولكنه غير موهوب في التمثيل لذلك سيتوقف او يستمر لكن في صفوف متأخرة وهذا تماماً ما يحدث عندنا، فالبطل المصري غير كامل". ويعتقد المخرج حسين كمال ان كل الناس تحلم ان تكون مثل البطل القادم. "لكن من هو، لا اعرفه"، ويضيف ان كل فترة لها نجمها، وكل جيل له نجمه، ونجم هذه الفترة يجب ان يكون من عامة الناس ويلتقي بمشاعر الغالبية وليس الخاصة، "بطلنا القادم شاب تتملكه مشاكل الجيل واحلامه فيعبر عنها بصدق، والبداية المخرج هو الذي يكتشف النجم ويعطي له الفرصة الاولى، ويقدمه الى الناس في شكل مبهر لكن ليس شرطاً ان يصبح كل ممثل نجماً. فالنجومية لها مواصفات خاصة اولها الحضور العاطفي على الشاشة وبرعت في هذا سعاد حسني، ولو وجدت احداً بهذه الصفات سأقدمه على الفور". وتقول يسرا: انني لا اتفاءل بنهاية القرن لكن ببداياته، حيث دائماً ما تشهد النهايات تصفية حسابات وانتهاء ظواهر، ومن الممكن ان نجد خلال الفترة المقبلة افلاماً "حلوة" واخرى مجنونة او سيئة، والبقاء الحقيقي للرومانسية التي افتقدناها كثيرا، وان يشعر الناس ان بطلهم يمثل من داخله بكل مشاعره، والشخصية لها مفردات ولوزام محددة لو توافرت معي سأستخدمها على الفور، وأنا لا امثل دوراً الا اذا احببته، وكل ممثل له طريقته". وتضيف يسرا: "ان نجوم اليوم بالفعل يعانون من قله الادوار المتميزة التي تؤهلهم للاستقرار في حجر البطولة، كما ان الوجوه الجديدة تعاني من قله الفرص الحقيقية لإثبات وجودها، ونحن من حقنا ان نغزل شيئاً جديداً لمعالجات جديدة". ويقول عزت العلايلي: "في تصوري ان البطل المصري كما الانسان المصري في الفترة الاخيرة، يحاول ان يتخلص من اثقال وعيوب ومشاكل الفترات السابقة، وامامه عالم يجري بسرعة، يتقدم بوسائل سريعة جداً، وعليه ان "يعي تماماً هذه المرحلة". وترى المخرجة اسماء الكبرى: "ان البطل القادم في السينما سيكون انعكاسا لوجهة نظرك في الحياة، وقد جسد هذا النموذج باقتدار فيما قبل "فيلليني" في فيلم "الطريق" الذي قام ببطولته انطوني كوين، ونحن لدينا مخرجون مبدعون لهم اسلوبهم المميز في صناعة فيلم وبطل يحظى بالاعجاب ومنهم محمد خان وسعيد مرزوق". ويؤكد المخرج سعيد مرزوق ان البطل الجديد تصنعه الاوراق والاحساس الشديد الذي يسيطر على فكر المخرج في الاختيار، ولحظة الوقوف خلف الكاميرا، "لقد اختلفت النظرة الآن الى البطل او النجم الذي يترك انطباعاً مؤثراً داخل المشاهد وليس شرطاً ان يكون نجماً مألوفاً، فقد يكون هذا الانطباع من مشهد واحد او من رؤية درامية موحدة يؤديها البطل فيتفاعل معها الجمهور". ويقول الفنان صلاح السعدني: "من الواضح ان السينما بدأت بعض الحلم، وكان ابطالها يتميزون بضخامة الجسم والبنيان القوي مثل كلارك جيبل وغاري كوبر وانور وجدي وحسين صدقي ومحسن سرحان، ثم بدأت السينما في العالم تذهب نحو المواطن البسيط ابتداء من آل باتشينو، وداستت هوفمان وجاك نيكلسون الذين اصبحوا ابطال العالم، وفي مصر جسد المواطن العادي كل من عادل امام واحمد زكي، وغيرهما من الذين تشعر انهم نماذج من الممكن ان تقابلهم في اي مكان دون المواصفات الخاصة بالعصر، ومع ذلك افرزت السينما العالمية ابطال كمال الاجسام والملاكمة وخرج شوارزينجر وستالوني وغيرهما، وهذا لن يستمر طويلا، كما انني لا اعتقد ان الشاشة ستعود الى ايام كلارك غيبل مرة اخرى، إنما تكون مزيجاً بين الانسان "العادي" و"السوبر" بشرط ان يكون هذا السوبر متفوقاً شكلاً وموضوعاًَ ويضيف السعدني: "لم تعد السينما مجرد "حلم" يتلقاه المواطن العادي وهو جالس في الصالة او الغرفة المغلقة، لكن نقطة "الحلم" هذه قد تقلصت بالفعل في تكوين السينما الوجداني نفسه، وبالتالي لم يصبح البطل هو البطل، الحلم اصبح مواطناً عادياً جداً، وهذا ينطبق ايضاً على البطلات، عبلة كامل اليوم نجمة بكل المقاييس، فالنجومية الجديدة اصبحت تعتمد على القدرات الفنية اكثر، واعتقد ان هذا التيار يسود لفترة طويلة حتى يجيء بطل يجمع بين الاثنين "الحلم" و"القدرات الفنية"... ويقول المخرج رأفت الميهي: "البطل الجديد عندي ليس محدد المعالم، لكنه خيالي بعض الشيء يصل بك الى حلمك لاقصى درجة، السخرية تبدو واضحة المعالم في تعبيره، فالمشاهد يريد من يشاركه لحظات سخريته من الاوضاع الاجتماعية والظروف المحيطة به، وبطلي الحقيقي هو ما تمليه عليّ افكار السيناريو، وليس شرطاً ان يكون نجم شباك، بل من الممكن ان يكون وجهاً جديداً". يقول على ابو شادي مدير الرقابة على المصنفات الفنية: "في ظل المتغيرات والصورة الجديدة للمجتمع خلال الفترة المقبلة، لا احد "يخمن" شكل البطل القادم للسينما، ومنذ عشرين عاماً كان لا احد يتخيل ان يكون البطل شخصاً غير جميل او غير رشيق، لكنه يظل دائماً ابن عصره، والوجوه الجديدة عندنا مثل هشام سليم وخالد النبوي وممدوح عبدالعليم لم يصلوا بعد الى مواصفات النجم القادم. والناقد السينمائي احمد رأفت بهجت يقول: "اننا لا نستطيع الادعاء بأن السينما المصرية تجاهلت في السنوات الاخيرة القضايا الملحة للانسان المصري، ولكن المشكلة كيف تعاملت معها ومقدار الجدية في هذا التعامل، وانعكاس ذلك على ملامح البطل في السينما المصرية. لقد تعاملت مع ظاهرة الانفتاح والاستقلال وقضايا المخدرات والارهاب والانتهازية السياسية ومشاكل الهجرة والفساد والمهمشين، ولكن من خلال ابطال يتصفون بالنمطية وتتحدد قدراتهم من خلال ردود الافعال وليس خلقها، لن نجد صدى لأبطال اكتوبر او رموز العمل والتصنيع والعلم، ان الحاضر ينبئ بأبطال من نوع جديد يقتحمون العالم ويقتحمون الصحراء. هل سنرى هؤلاء الابطال على الشاشة من خلال اساليب فنية تبعدهم عن النمطية والادعائية، والاستهلاك الوقتي في التعامل مع الجماهير؟ اننا في مواجهة جيل اصبح يؤمن بالكومبيوتر والمعلومات، فهل سيكون له صداه على الشاشة؟ اننا يجب ان نستوعب المتغيرات التي نعيشها الآن، وان نرصد كل تطور على ارض مصر من اجل خلق ابطاله حتى لا نجعل الاجيال القادمة تعيش حالة الاحباط التي عشناها سنوات طويلة، نريد ان نرى العالم ورجل الاعمال الناجح والمخترع، ولا نكتفي بمقولة وراء كل ناجح رجل قبيح ولص داهية يجب ان يكون البطل القادم اكثر ايجابية لا يكتفي برد الفعل بل يشارك في خلقه". ويرى السيناريست مصطفى محرم ان البطل القادم هو الذي يخوض الحياة في ظروف صعبة ويحاول ان يتخطى هذه الصعوبات التي تواجهه ويقف ضد الفساد المتفشي بشكل كبير في مرحلة المتغيرات الاقتصادية، "هذا هو البطل الايجابي اما البطل "السلبي" فله اشكاله المختلفة التي تتوقف على كل فترة ومعالجتها في السينما فيها حساسية. لقد اتضح ان المواطن البسيط تستهويه هذه النوعية ولذلك لا بد من تقديمها في صورة قبيحة وهذا عكس ما تفعله السينما والتلفزيون حاليا حيث تقدمه بشكل جذاب فيتوحد معه المشاهد". ويضيف محرم: "النماذج الحالية من النجوم استهلكت والمتفرج عرف ابعادها جميعاً وملامحها قد لا تساير العصر، نحن بحاجة الى وجوه جديدة تواصل الطريق وتمتلك الجاذبية وتتحمل عبء بطولة افلام سواء من الرجال او النساء، خصوصاً ان السينما المصرية تفتقد نجوما يجسدون كل مراحل العمر، واؤكد ان البطل القادم هو من يستطيع ان يلخص كل مواصفات النجوم في السينما المصرية خلال القرن الماضي".