} أكد مسؤول ليبي كبير تحدث الى "الحياة" في طرابلس الغرب ان علاقات بلاده مع فرنسا لا تزال تراوح مكانها ان لم تكن تتراجع، على عكس ما تشهد العلاقات بين طرابلس والدول الغربية، خصوصاً الولاياتالمتحدة، ملقياً على باريس مسؤولية هذا الوضع. في الوقت الذي تتطور العلاقات السياسية والاقتصادية على نحو تدريجي ومنتظم بين ليبيا والدول الغربية، في طليعتها ايطاليا وبريطانيا، لا تزال علاقاتها مع فرنسا تراوح مكانها، إن لم تكن بدأت في التراجع عن السابق. ويعزو مسؤول ليبي كبير مطلع على الملف الفرنسي هذه المراوحة الى جملة من الأسباب التي تراكمت منذ اشهر، معتبراً ان الفرنسيين ارتكبوا اخطاء عدة ساهمت في جعل مهمة المتعاطين الليبيين بهذا الملف صعبة، بل معقدة. وأوضح هذا المسؤول الذي تحدث الى "الحياة" في طرابلس الغرب ان أول هذه الاسباب، عدم تجاوب الحكومة الاشتراكية في فرنسا مع المبادرات المتعددة الساعية الى مدّ جسور رسمية مع القيادات الليبية، خصوصاً مع وزراء في حكومة ليونيل جوسبان. وقال ان هذا الموقف الفرنسي حمل العقيد معمر القذافي على اتخاذ قرار مؤداه ان تدفع الشركات الفرنسية ثمن المواقف التي اتخذها سياسيو بلدها. وذكر المسؤول الليبي انه منذ تشرين الثاني نوفمبر الماضي، عمدت السلطات الليبية الى عرقلة كل البضائع الآتية من فرنسا الى حد افتعال مشكلات لها مع الجمارك المحلية، مثل منع دخول قطع غيار عائدة لشركة النفط الوطنية الفرنسية "توتال" الشهر الماضي، وإرجاعها بحراً الى مالطا أو براً الى جربة في تونس، واعتقال رجل الاعمال الليبي، خالد الكوني، ممثل شركات فرنسية كبيرة طومسون، وتوتال وبوينغ ووضعه في الإقامة الجبرية قبل ان يدفع كفالة مالية مقدارها أربعة ملايين دولار. ومن المؤشرات ايضاً الى عدم تحسن العلاقات، قيام السلطات الليبية أخيراً بإرجاء استقبال عدد من الوفود الفرنسية، منها وفد غرفة التجارة الليبية - الفرنسية، في الوقت الذي استقبلت بحفاوة بالغة، الاسبوع الماضي، وفد غرفة التجارة البلجيكية - الليبية الذي لم يمض على اعلان تشكيلها رسمياً سوى اسبوعين. والملفت كذلك هو "الرفض المهذب" للطلب الذي تقدمت به جمعية أرباب العمل في فرنسا، اذ أبلغت الجهات الليبية المختصة هذه الهيئة بأنه من المتعذر استقبالها قبل 18 تشرين الثاني المقبل. ولاحظ المسؤول الليبي ان طرابلس أرادت تذكير فرنسا بعدم دعوتها للمشاركة في القمة الفرنسية - الافريقية التي عقدت في مثل هذا التاريخ من العام الماضي. في السياق نفسه أفهمت ليبيا الوسطاء الفرنسيين الموفدين من الرئيس جاك شيراك، وتحديداً رئيس معهد العالم العربي، كميل كابانا وجيروم مونو، رئيس مجلس ادارة شركة "ليونيزدي زو" ان حظوظ فرنسا في عقد صفقة شراء 30 طائرة "ايرباص" وإعادة تجهيز مطارات كل من طرابلس الدولي وبنغازي وسرت وسبها، باتت ضعيفة. وتشير المعلومات في هذا الصدد الى ان اجتماعات عمل قد عقدت، في نهاية الاسبوع الماضي في لاهاي بين مسؤولين ليبيين ومجموعة من رجال الاعمال البريطانيين العاملين على خط ليبيا من أجل بلورة خطة متكاملة تفضي الى تسهيل مهمة شركتي "الخطوط الجوية البريطانية" و"شركة بريتيش ايرو سبيس" في الحصول على العقود الآنفة الذكر. وعلمت "الحياة" من مسؤولين في شركة "آيروسباسيال الفرنسية" ان ليبيا رفضت استلام قطع غيار عائدة "لتجهيزات" سبق ان طلبتها قبل تطبيق العقوبات. وعللت الجهة الليبية المعنية السبب بأنه كان على فرنسا ان تسلمها في الوقت المتفق عليه وبأنها لم تعد تحتاج اليها اليوم. ومن الأسباب الأخرى في برود العلاقات كما شرحها المسؤول الليبي، هو التوجه الجديد للسياسة الليبية الخارجية نحو افريقيا السوداء. وتنظر باريس بارتياب شديد الى الخطوات التي يقوم بها القذافي في افريقيا والنشاطات التي تقوم بها "جمعية الدعوة الاسلامية" التي يرأسها الدكتور محمد أحمد الشريف، كما أبلغت فرنسا، عبر وسيط، استياءها من الدور الذي لعبته طرابلس في اقناع الرئيس التشادي ادريس ديبي بإعطاء تراخيص لشركة النفط الاميركية "شيفرون" للتنقيب، وجمع عدد من المسؤولين الأفارقة مع هيرمان كوهين أحد المسؤولين في الخارجية الاميركية في عهد بوش وممثل عدد من الشركات النفطية الاميركية حالياً. وتراقب فرنسا عن كثب وبقلق التنسيق القائم بين القذافي ولوران ديزيريه كابيلا. ويفيد بعض المصادر الفرنسية المطلعة ان اللجان الثورية الليبية بدأت بالتضييق على العقيد علي شرف الدين، أحد رجال المخابرات الليبية والممثل الشخصي للعقيد القذافي في منطقة البحيرات الكبرى. وتتهم اللجان شرف الدين بأنه لم يسلم كل المساعدات التي عهدت اليه الى الوجهاء الافارقة في هذه المنطقة من القارة. لكن حقيقة الأمر هي ان شرف الدين يتمتع بعلاقات جيدة مع الفرنسيين وهو حاول في الفترة الأخيرة العمل على احداث تقارب بين ليبيا وفرنسا في افريقيا. في هذا الاطار ايضاً تفيد المعلومات ان فرنسا تخشى قيام محور ليبي - اميركي في افريقيا في المستقبل القريب لمواجهة الوجود التاريخي الفرنسي. واكدت المعلومات ان ليبيا خصصت جزءاً كبيراً من موازنتها للسنة 1999 لمساعدة الدول الافريقية في الوقت الذي تتردد باريس في زيارة التزاماتها المالية حيالها. وفيما تراوح العلاقات الفرنسية - الليبية في مكانها يتحرك بزخم اللوبي المؤيد للولايات المتحدة داخل ليبيا ويتزايد نفوذ أصحاب المصالح المرتبطة تجارياً واقتصادياً بإيطاليا وبريطانيا. والدليل على هذه المراوحة عدم تعيين سفير لليبيا في فرنسا حتى الآن منذ ذهاب الدكتور علي عبدالسلام التريكي الذي تولى منذ ثلاثة اشهر منصب وزير الشؤون الافريقية وزارة مستحدثة في الوقت الذي سارعت طرابلس الى تسمية السيد عبدالعاطي العبيدي، رئيس دائرة اوروبا في وزارة الخارجية، سفيراً في روما. ومن المعلوم ان العبيدي يعتبر بنظر العديد من المراقبين السياسيين بأنه يشكل احدى القنوات الرئيسية بين باريسوطرابلس الغرب.