الانفصام السياسي ميّز اول لقاء عربي - اسرائيلي امس بعد الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة في اطار انعقاد "المؤتمر الدولي للتعاون الاقليمي في حوض البحر الابيض المتوسط"، في هذا المنتجع الفرنسي الذي اشتهر بسبب الفنان الانطباعي فان غوخ، الذي عانى من الانفصام شيزوفرينيا قبل ان ينتحر في اوائل القرن. ويعود الانفصام السياسي في المؤتمر الذي يشارك فيه 293 شخصاً من 20 دولة من بينها فلسطين ومصر والأردن والمغرب وتونس واسرائيل الى ان المؤتمر كان تم ترتيبه في عهد الحكومة الاسرائيلية اليمينية السابقة برئاسة بنيامين نتانياهو، فعكس نوعية المشاركة الأجواء السياسية التي هيمنت قبل الانتخابات الاسرائيلية، باستثناء من تمت دعوتهم في الأيام الاخيرة مثل عضو الكنيست العربية الاسرائيلية حسنية جبارة، التي ربما تمثل ظاهرة "انفصام سياسي" لكل من العرب والاسرائيليين في آن. ولأن الانتخابات الاسرائيلية عززت التوقعات بإعادة احياء السلام، فان منظري ومهندسي عمليات السلام في اسرائيل والاطراف العربية المعنيّة، اضطروا الى الاعتذار عن عدم مشاركتهم في المؤتمر، ومن بينهم مستشار الرئيس المصري اسامة الباز ونظراؤه المغربي اندريه ازولاي والأردني عدنان ابو عودة، والفلسطيني فيصل الحسيني. ومن بين الاسرائيليين الذين كان من المفترض ان يشاركوا مهندس اتفاقات اوسلو، يوسي بيلين. هؤلاء اعتذروا عن عدم الحضور لانشغالهم، طبعاً، بهندسة الخطوات المقبلة لاحياء عملية السلام التي اوشك ان ينقلها "بيبي" الى رحمته. لكن منظمي المؤتمر من جامعة "ايكس بروفانس" الفرنسية وجامعة "بن غوريون" الاسرائيلية تمكنوا من اقناع كل من الأميرة وجدان علي من الأردن ورئيس الدولة الاسرائيلي الأسبق اسحق نافون بالحضور لإضفاء اهمية على المؤتمر الذي كان بحاجة الى شخصيات من ثقل عضو في العائلة المالكة الأردنية ورئيس سابق لدولة اسرائيل بعد ان اعتذر المدعوون الاصليون. نافون دعا العرب الى تخفيف جرعة الحماسة لديهم بعد انتخاب باراك وطالبهم بعدم الضغط عليه كثيراً رأفة بوضعه الداخلي بعد "العملية الجراحية التي خلّفت نزيفاً في الجسم الاسرائيلي". وبدلاً من الضغط على باراك "المضغوط اصلاً"، دعا المثقفين العرب الى تطبيع مع المثقفين الاسرائيليين على اعتبار انه اهم وأجدى من التطبيع بين السياسيين، اسوة بالتطبيع الاسرائيلي مع الاتحاد السوفياتي سابقاً، بدءاً بإرسال فرقة "باليه بولشوي" ثم فرقة موسيقى "الجيش الاحمر" قبل ارسال بعثة ديبلوماسية روسية الى اسرائيل. ونجحت الأميرة وجدان علي في انعاش ذاكرة نافون، الذي شارف على الثمانين من عمره، بأن الاتحاد السوفياتي ليس دولة عربية وان مشاعر الفلسطينيين والعرب تجاه اسرائيل غير مشاعر الروس! وربما شعرت الاميرة وجدان علي، كونها فنانة تشكيلية فضلاً عن انها رئيسة الجمعية الملكية للفنون الجميلة، بأن عدوى الانفصام الذي عانى منه فان غوخ ربما اصابت رئيس دولة اسرائيل الأسبق، خصوصاً وان اجتماعات المؤتمر تنعقد في المصح النفسي الذي كان يقيم فيه الفنان الانطباعي قبل انتحاره!