فيما اعتبر بمثابة صفعة على وجه إسرائيل وهى تستعد لتنظيم أضخم احتفالات بالذكرى الستين لاغتصابها أرض فلسطين " النكبة " ، أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد سيدى الشيخ عبد الله في 14 إبريل 2008 عن إعادة النظر في العلاقات مع الكيان الصهيوني ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل إنه زلزل إسرائيل من الداخل ، عندما تبرأ أيضا من أى مسئولية فى إقامة تلك العلاقات . فقد صرح لصحيفة "الشروق" الجزائرية بأنه ورث تلك العلاقات من النظام السابق في إشارة إلى نظام ولد الطايع الذي أطاح به انقلاب عسكري عام 2005 ، ولم ينس التأكيد على أن موقفه هذا ينبع في الأساس من منطلق عروبي قومي ، قائلا :"سنعالج هذا الملف في إطار التجاوب مع القضايا العربية والتنسيق مع أشقائنا الفلسطينيين ومن خلال التشاور مع كل الأطراف السياسية داخل موريتانيا بما يخدم المصلحة القومية لأمتنا". التصريحات المدوية السابقة قوبلت بارتياح داخلى بالنظر إلى أنها تمهد فيما يبدو لقرار وشيك بشأن قطع العلاقات ، خاصة وأنها لم تكن الأولى التي تصدر عن الرئيس الموريتاني ، فهو كان قد أعلن قبل عام أنه يريد تنظيم نقاش شعبي بشأن إبقاء العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل أو قطعها ، وأكد في أبريل 2007 عقب توليه السلطة أن الملف سيعرض على البرلمان والطبقة السياسية، وتعهد بأن المناقشة ستكون حرة، وبأن الكلمة الأخيرة ستكون للشعب الموريتاني ، هذا بجانب تعهد رئيس الحزب الحاكم "العهد الوطني للديمقراطية والتنمية" يحيى ولد الواقف في مارس الماضي بقطع هذه العلاقات . وبالطبع هناك أمور وأحداث حركت المياه الراكدة في هذا الشأن أبرزها تصاعد الغضب الشعبي إزاء استمرار تلك العلاقات خاصة بعد المجازر التي شهدها قطاع غزة منذ بداية العام الحالي ، حيث طالب النائب البرلماني محمد جميل ولد منصور رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، بإنهاء تلك العلاقات ، وقال في تصريحات له في يناير الماضي :"آن لموريتانيا أن تودع سفارة إسرائيل التي أساءت لعلاقاتنا التاريخية مع العالم العربي والإسلامي "، نافيا أن تكون بلاده قد جنت أي فوائد اقتصادية جراء تلك العلاقات . كما طالب حزب "الصواب"، الذي يقوده قوميون داعمون للرئيس ولد الشيخ عبد الله ب"القطع الفوري للعلاقات الدبلوماسية المشئومة وكل أشكال الارتباط الاقتصادي والسياسي الخفي والمعلن مع إسرائيل"، قائلا :" إنها تغتصب مقدساتنا وتحتل أوطاننا، وتبيد أهلنا في فلسطين والجولان ولبنان". بالإضافة إلى هذا ، شكلت مجموعة من الأحزاب السياسية الموريتانية من الحكومة والمعارضة لجنة يقودها رئيس حزب الفضيلة عثمان بن الشيخ أبي المعالي واستقبلها الرئيس ولد الشيخ عبد الله في 25 يناير 2008 وأبلغته رغبة الأحزاب والقوى الشعبية الموريتانية في قطع العلاقات مع إسرائيل. مظاهرات في موريتانيا لدعم الفلسطينيين وشارك الكاتب الصحفي أحمد فال ولد الدين في الدعوات لقطع العلاقات ، مؤكدا أن العلاقة بين موريتانيا وإسرائيل ولدت في واشنطن وليس في تل أبيب أو نواكشوط حيث أعلنت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت عام 1999 عندما كان الرئيس الموريتاني السابق خائفا من شعبه ، فالاتفاق بين موريتانيا وإسرائيل خرج من واشنطن وليس من تل أبيب ولامن نواكشوط ، مما يعني أنه لا توجد له أية مبررات لا في إسرائيل ولا في موريتانيا ، قائلا :" موريتانيا ليست من (دول الطوق) - كما نسميها - وإنما هي توجد في إطار بعيد جدا " . كذلك طالبت نساء موريتانيا رئيس البلاد بقطع العلاقات مع إسرائيل والوفاء بوعده خلال حملات انتخابات الرئاسة بالانحياز للحق الفلسطيني، وهذا ماعبرت عنه بوضوح النائبة والفنانة الموريتانية المعلومة بنت الميداح التي أكدت مرارا أنها ضد العلاقات السياسية بين إسرائيل وموريتانيا وتعتبرها بلا فائدة وقضية خاسرة. هجوم على السفارة الإسرائيلية وبلغ الغضب الشعبي ذروته بالهجوم الذي استهدف السفارة الإسرائيلية في نواكشوط في مطلع فبراير الماضي ، حينما قام شخص بإطلاق الرصاص عليها ، مما أدى إلى إصابة موريتاني يقيم بالقرب منها . هذا الهجوم جاء بعد أسبوع من اندلاع احتجاجات شعبية على أحداث غزة ، كما جاء بعد دعوة رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية (البرلمان) مسعود ولد بلخير في 28 يناير الماضي حكومة بلاده إلى إعادة النظر في العلاقات الدبلوماسية التي تقيمها مع إسرائيل منذ العام 1999، واصفا إياها بأنها علاقات "مشينة". صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية علقت على التطورات السابقة ، قائلة في 2 فبراير 2008 إنه لم يكن مفاجئا بالنسبة للمطلعين على مستوى التوتر في موريتانيا بشأن العلاقات مع إسرائيل والتي أججها في الآونة الأخيرة الحصار الإسرائيلي الشامل المفروض على قطاع غزة. وعددت الصحيفة الإسرائيلية مظاهر تزايد التجاوب الرسمي مع المطالب الشعبية في موريتانيا بشأن قطع العلاقات مع إسرائيل ، مشيرة إلى أن الرئيس الموريتاني الحالي سيدي ولد الشيخ عبد الله يميل إلى الاستماع لأعضاء ائتلافه الحاكم الذين ينتقدون العلاقات الموريتانية الإسرائيلية وهو ما كان واضحا في تصريح أدلى به في يناير الماضي ووعد خلاله بالنظر في الطلب الذي تقدمت به عدة أحزاب سياسية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ، ردا على قيام الاحتلال بقطع إمدادات الوقود والكهرباء عن قطاع غزة. ووفقا للصحيفة ، فإنه في ظل حرية التعبير التي جلبتها الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة ، فقد علت في البرلمان الجديد أصوات المعارضين لاستمرار العلاقات الدبلوماسية من الجانبين الحكومي والمعارض على السواء ونفس الأمر حدث في وسائل الإعلام ، ولذا رجحت أن من قام بالهجوم على السفارة هو شخص مستقل لاينتمي لأية جماعات إسلامية مسلحة مثل القاعدة وإنما دافعه فقط الحنق لاستمرار العلاقات بين بلاده مع إسرائيل التي تقتل الفلسطينيين في قطاع غزة. الرئيس الموريتانى يؤكد دعمه للفلسطينيين واستدلت على صحة توقعها هذا بأن من نفذ الهجوم لم يستخدم أسلحة متطورة ولم يحاول أن يقتحم السفارة، بما يعني أنه كان عملا فرديا لا تقف وراءه جهة ما ، مؤكدة أن الهجوم لايحمل أنباء جيدة بشأن مستقبل العلاقات بين الجانبين في بلد به مقاومون لها، بالرغم من جهود إسرائيل الحثيثة في السنوات الأخيرة لدعم الحوار مع المجتمع الموريتاني. واستطردت تقول في هذا الصدد :" إسرائيل قامت بتشييد مستشفى لعلاج الأمراض السرطانية في نواكشوط، وتدريب أطباء موريتانيين في إسرائيل، ومساعدة الأيتام الذين توفي آباؤهم بسبب مرض الإيدز. بالرغم من كل هذه الجهود فإن المعارضة للعلاقات الدبلوماسية الموريتانية مع إسرائيل ستستمر، بل ستتصاعد". ورغم أن البعض قد يجادل بأن أمريكا ستضغط لمنع تلك الخطوة خاصة مع تشبث إسرائيل بها في إطار محاولاتها الحصول على الأرض والتطبيع معا إلا أن هناك ما يشبه الإجماع بين المراقبين على أن إعلان الحكومة مراجعة علاقاتها مع تل أبيب سيضمن لها من الزخم الشعبي ما يمكنها من مقاومة أي ضغوط خارجية، خاصة إذا جاء القرار عبر بوابة البرلمان الذي دعا رئيسه مسعود ولد بلخير صراحة إلى إعادة النظر في هذه العلاقات . وإذا تحقق الحلم وقطعت موريتانيا بالفعل علاقاتها مع إسرائيل فإنها بهذا تكون قد أغلقت الباب أمام مخططات إسرائيل للتطبيع مع بقية الدول العربية على الأقل في الأمد المنظور ، بالإضافة إلى أنه وبالرغم من دفاع مصر والأردن عن موقفيهما من إقامة علاقات مع إسرائيل لأنهما من دول المواجهة ووقعتا معاهدتي سلام معها إلا أن الخطوة الموريتانية ستزيد من الدعوات داخل الدولتين للإقدام على خطوة مماثلة ، كما أنها ستسبب حرجا كبيرا لدول عربية أخرى من خارج دول الطوق أو المواجهة مثل قطر التي ستحاصرها الاتهامات والتساؤلات حول أسباب الإبقاء على مثل تلك العلاقات. التطبيع .. تاريخ من التنازلات المجانية بعد حرب أكتوبر 1973 ، وقعت مصر وإسرائيل معاهدة سلام في 1979 ، ورغم أن الدول العربية الأخرى قاطعت مصر عقب توقيع معاهدة السلام فإن جميعها أعادت علاقاتها مع مصر وفتحت من جديد سفاراتها في القاهرة وأعيد مقر الجامعة العربية الذي كان قد نقل إلى تونس للقاهرة في مطلع الثمانينات. وبعد مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد في 1991 ، سعت إسرائيل لتطبيع علاقاتها مع بقية الدول العربية وبعد محادثات سرية وقعت اتفاقيات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ، كما وقعت معاهدة سلام مع الأردن في عام 1994 . وفي مايو 1996 ، فتحت إسرائيل مكتبين للتمثيل التجاري في سلطنة عمان وفي قطر بزعم تطوير العلاقات الاقتصادية والعملية والتجارية ، إلا أنه بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر 2000 ، تم إغلاق مكتب التمثيل التجاري الإسرائيلي في سلطنة عمان . أما بالنسبة لدول المغرب العربي ، فقد فتحت إسرائيل مكتب ارتباط في العاصمة المغربية الرباط في نوفمبر 1994 ، وفتح المغرب مكتبه في إسرائيل بعد ذلك بأربعة أشهر ، مما أدى إلى إقامة علاقات دبلوماسية ثنائية. وفي إبريل 1996 ، فتحت إسرائيل مكتبًا لرعاية المصالح في تونس ، وقامت تونس بخطوة مماثلة بعد ذلك بستة أسابيع في مايو 1996. وأرجعت إسرائيل حرصها على إقامة علاقات مع دول المغرب العربي إلى العدد الكبير من اليهود الذين قدموا إليها من دول المغرب ووصفها لتلك الدول بالمعتدلة التي يمكن أن تلعب دورا في احلال السلام ، إلا أنه بعد اندلاع الانتفاضة الثانية قطعت المغرب وتونس علاقاتهما الدبلوماسية مع إسرائيل ، إلا أنه بقيت هناك بعض العلاقات التجارية والسياحية. أما بالنسبة لموريتانيا ، فخلال مؤتمر برشلونة للشراكة الأورو متوسطية في نوفمبر 1995 وبحضور وزير الخارجية الإسباني توصلت الجمهورية الإسلامية الموريتانية في عهد الرئيس السابق معاوية ولد الطايع وإسرائيل إلى اتفاق يقضي بإقامة مكتبين لرعاية المصالح لكلا البلدين في السفارتين الإسبانيتين في تل أبيب ونواكشوط. وفي مايو 1996 ، فتحت موريتانيا ممثلية دبلوماسية في تل أبيب وأعربت عن رغبتها في تطبيع العلاقات مع إسرائيل بشكل كامل ، وفي أكتوبر 1999، أصبحت موريتانيا ثالث دولة عربية بعد مصر والأردن تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل ، على الرغم من الرفض الشعبي لتلك العلاقات . وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بتعيين غابيرل أزولاي مكلفا بالأعمال في المكتب الإسرائيلي الموجود في سفارة إسبانيابنواكشوط ، وقد عقد مؤتمر علمي سنة 1997 بكلية العلوم والتقنيات بجامعة نواكشوط تحت شعار (الإنسان، الماء، الكربون)، وشارك فيه ثلاثة إسرائيليين. كما اتهم نظام الرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد الطايع سنة 1998 بالتستر على دفن نفايات نووية إسرائيلية في الصحراء الموريتانية، وسجن المعارض والسياسي أحمد ولد داداه وقادة آخرون في المعارضة إثر اتهامهم النظام بذلك. وفي نهاية أكتوبر 1998 ، قام وزير الخارجية الموريتاني الشيخ العافية ولد محمد خونا بزيارة إسرائيل وعين بعيد عودته رئيسا للوزراء ، وأعلن في واشنطن في 27 أكتوبر 1999 عن رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى السفراء، وأشرفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت على التوقيع على الإعلان بين وزيري خارجية الدولتين أحمد ولد سيد أحمد وديفيد ليفي. وقد تم تعيين أفريد إيتان سفيرا لإسرائيل بنواكشوط وفي نفس السنة استضافت مدينة أطار في شمال موريتانيا إسرائيليين في إطار ملتقى دعا إليه رجل أعمال موريتاني قريب من الرئيس الموريتاني السابق ولد الطايع تحت عنوان "الملتقى الدولي للنخيل الموريتاني". وإثر الملتقى ، مولت إسرائيل مشروعا صغيرا لحماية النخيل تحت غطاء برنامج الأممالمتحدة لمكافحة التصحر ، وقد أصيبت واحات النخيل المعالجة بداء يعرف محليا باسم (البيوط) ، كما ساهم الإسرائيليون في بالتعاون مع رجل أعمال موريتاني في مشروع لزراعة البطاطس على النهر قدرت تكلفته بما يعادل 26 مليون دولار تقريبا. وقد زار وفد طبي إسرائيلي نواكشوط في 11 يوليو 1999 لإجراء عمليات لعيون بعض المرضى الموريتانيين، وقد نالت الزيارة تغطية إعلامية إسرائيلية وعدم ترحيب شعبي موريتاني. وكشفت صحيفة "جيروزالم بوست" الإسرائيلية أيضا أن إسرائيل كانت قد بدأت في إقامة مركز لأمراض السرطان في موريتانيا، وقد توقف العمل فيه منذ سنة 2005 ثم بدأ العمل مجددا نهاية سنة 2006 ولم ينته بعد، كما زار وفد من الكنيست الإسرائيلي موريتانيا في شهر إبريل 2000 ، وأعلن في نهاية الزيارة عن تأسيس لجنة دعم التطبيع مع إسرائيل في موريتانيا ورأس تلك اللجنة بو بكر ولد عثمان الملقب الناه. وتأسس الرباط الوطني لمقاومة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن القدس والعراق في مايو 2001 وعين السياسي والنائب البرلماني محمد جميل ولد منصور أمينه العام، ليخلفه السياسي ونائب رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) محمد غلام ولد الحاج الشيخ . وزار وزير الخارجية الموريتاني السابق الداه ولد عبدي إسرائيل في مايو 2001 ، كما التقى الرئيس ولد الطايع مع وزير الخارجية الإسرائيلي السابق شيمون بيريز في 5 سبتمبر 2002 على هامش قمة الأرض في جوهانسبورج. كما زار شيمون بيريز موريتانيا في أكتوبر 2002 وتم تعيين بوعز بيسموت سفيرا جديدا لإسرائيل في نواكشوط في 23 إبريل 2004 خلفا لأفريد إيتان. وقد زار وزير الخارجية الإسرائيلي السابق سيلفان شالوم موريتانيا في 3 مايو 2005، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على الطلبة في العاصمة نواكشوط خلال مظاهرة احتجاج على تلك الزيارة. واجتمع وزير الخارجية الموريتاني السابق أحمد ولد سيدي أحمد مع نظيره الإسرائيلي شالوم بعد أسابيع قليلة من الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس ولد الطايع وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر 2005 . وقد أعلن العديد من المرشحين للرئاسة في انتخابات مارس 2007 في برامجهم الانتخابية عن عزمهم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ومن أبرزهم الرئيس الحالي سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله . وبالإضافة إلى الدول السابقة ، فإن إسرائيل سعت خلال مؤتمر أنابوليس للسلام الذي عقد في 27 نوفمبر 2007 بالولايات المتحدة ، لجر دول عربية أخرى لدوامة التطبيع دون تقديم أية تنازلات تذكر ، إلا أن رفض السعودية القاطع في هذا الشأن أحبط المخطط الإسرائيلي.