يوم الأربعاء التاسع عشر من أيار مايو الجاري سيتم في "دار كريستيز" للمزاد العلني في لندن، بيع "مجموعة الحلو" التي جمعتها على مدى 20 عاماً الخبيرة في الفن والكاتبة في فن الطبخ، اللبنانية السورية أنيسة الحلو. في السنوات الثلاث عشرة الماضية، عاشت أنيسة الحلو في منزل في كلابهام، جنوب غرب لندن، ممتلئ عن آخره بمزيج رائع من التحف الساحرة التي جمعتها. وأنّى نظرت ثمة شيء نادر ومثير للإهتمام، حتى أن السلّم الخشبي رُسمت سمكة على كل درجة منه. والرفوف في المطبخ تزدحم بالقطع الخشبية كالصحون والطاسات والملاعق التي ستعرض في المزاد. وستعرض 500 قطعة للبيع، كل منها على حدة. وتتوقع كريستيز أن تحقق كلها أكثر من 250 ألف جنيه استرليني. وستبيع أنيسة كل شيء تقريباً في منزلها، لكنها ستحتفظ بقطع قليلة، منها السرير الحديد الذي يعود إلى القرن التاسع عشر والمكتب والكرسي اللذان يعودان إلى القرن الثامن عشر. أنيسة الحلو كاتبة ناجحة في فن الطبخ، وضعت كتابين حازا نجاحاً كبيراً هما "المطبخ اللبناني" الذي نُشر العام 1994 و"المطبخ الشعبي المغربي" الذي نُشر العام الفائت. وهي تُعدّ حالياً كتاباً ثالثاً حول الفوارغ. كما قدمت غالباً عروضاً في فن الطبخ على التلفزيون وفي المطاعم والمؤسسات الغذائية. ويشكل سعي أنيسة الحلو إلى تطوير مسيرتها في فن الطبخ، أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتها إلى بيع مجموعتها الخاصة، فهي رأت أن الوقت حان للإنتقال إلى منزل مغاير تماماً، مؤلف من مكان إقامة فسيح مفتوح يشمل غرفة جلوس وأخرى للطعام ومكتبة خاصة، والأهم مطبخاً محترفاً حيث يمكنها إنشاء مؤسسة لصنع الأطعمة وتوزيعها وتأسيس مدرسة في فن الطبخ. ووضع جورج ميلّي، مغني الجاز الشهير والكاتب الساخر وهاوي جمع التحف الفنية، مقدمة الكاتالوغ الخاص بالمزاد والذي يقع في 124 صفحة. وواضح أن المجموعة تحظى بإعجابه في نزوعه إلى الأشياء النادرة والمبتكرة، وهو معجب بشكل خاص بالرسومات التي تعود إلى المدرسة ما قبل رافاييل. تعرّفت أنيسة الحلو إلى جورج ميلّي أوائل الثمانينات عن طريق صديقتهما المشتركة مهندسة الديكور مارغريت آن ستيوارت. في العام 1980، اشترت شقيقة أنيسة، ماري كرم، شقة على جسر تشيلسي على نهر التايمس، في مبنى صممه عضو في "حركة الفنون والحِرَف" وهي حركة أنشأتها نحو العام 1880 مجموعة من الحرفيين والفنانين والمصممين بقيادة وليم موريس. عاشت أنيسة في الشقة حتى العام 1986 حين انتقلت إلى منزلها في كلابهام. وهي اعتمدت أسلوب "الفنون والحرف" في الديكور والأثاث الداخليين، اللذين وضع جورج ميلّي حولهما مقالاً في مجلة "عالم الديكور الداخلي". بدأت أنيسة بتشكيل مجموعتها في العامين 1974 و1975 خلال تلقّيها محاضرات استمرت سنة واحدة حول "الأعمال الفنية" في "دار سوذبيز" المنافسة ل"كريستيز" في لندن. وكانت تقوم مع زملائها الطلاب بزيارة متاجر لندن مثل "برموندسي" و"بورتوبيللو" و"كامدن باسيدج" لتحقيق صفقات بسيطة كالأكواب الخشب الصغيرة في مقابل جنيهات استرلينية قليلة. بعد إتمامها المحاضرات، عملت في "سوذبيز" في ترويج نشاط الدار في الشرق الأوسط، ثم تركتها العام 1978 لتعمل مستشارة في الفنون لبعض أعضاء العائلة الحاكمة في الكويت. وافتتحت أيضاً متجراً في باريس لفترة من الوقت باعت فيه قطعاً أثرية نادرة من القرن التاسع عشر. وفي الوقت الذي كانت تعمل مستشارة لزبائنها في مجموعاتهم الفنية الخاصة، كانت تجمع كذلك مجموعتها الخاصة. لكنها، ولضعف إمكاناتها المادية نسبياً، اشترت قطعاً لم تكن دارجة في تلك الأيام لكنها كذلك الآن، كاللوحات السابقة على حقبة رافاييل. كذلك شرعت في جمع قطع أثرية لصيد السمك بعد فترة وجيزة من اكتشافها هواية صيد السمك، وذلك قبل عشرين عاماً. إن أحداً لم يجد قطعاً قديمة لصيد السمك في ذلك الوقت، لكنها حازت اهتماماً متزايداً لدى الهواة في السنوات الأخيرة، وتشير أنيسة إلى أن ثمة اهتماماً شديداً لدى الهواة في الولاياتالمتحدة بمجموعتها. وتضم قطع صيد السمك بكرات من صنّارات أثرية لصيد السمك، ونماذج من الأسماك المنقوشة على الخشب. وثمة منحوتة رائعة لسمكة سلمون يبلغ طولها 127 سنتمتراً، وتقدّر قيمتها بما بين 1500 و2000 جنيه استرليني. والقطعة الأهم فيها هي المجموعة النادرة المؤلفة من 18 صندوقاً زجاجياً تحوي طعوماً وعدة لصيد السمك في ديكورات ملوّنة. الصناديق صنعت العام 1900 لعرضها في متجر "ويرز فرير" لعدة صيد السمك في مناسبة معرض باريس الذي اقيم ذلك العام. واشترت أنيسة الصناديق حين أقفل المتجر في الثمانينات، ويقدّر ثمن كل منها بحوالى ألفي جنيه. وتحوي المجموعة أيضاً بضع لوحات حول هواية صيد السمك، أهمها واحدة رسمها سير جون ايفريت ميلي لابنته وهي منحنية لدى اصطيادها سمكة، وتقدّر قيمتها بما بين ألفين وثلاثة آلاف جنيه. وتشمل المجموعة أكثر من 130 قطعة خشب أثرية محلية يُطلق عليها تقنياً عبارة "المواعين"، وتستذكر أنيسة بأنه قبل 20 عاماً، حين بدأت جمع المواعين، لم يعرها أحد أهمية كبيرة، لكنها رائجة بقوة حالياً إلى درجة أن برنامجاً يُبثّ على شبكة "بي.بي.سي." حول القطع الأثرية عرض تحقيقاً عن مجموعتها من المواعين. وتشمل المواعين كل القطع الخشب التي يمكن للمرء إيجادها، وتُستخدم في إعداد الطعام وفي مهام منزلية أخرى، كالصينيّات، وخلاّطات الزبدة، والملاعق، والطاسات، وعلب التوابل، والمغارف، وعلب السُّعوط والشمعدانات. وغالبيتها تعود إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لكن أهمها "كأس محبة" مصنوع من الخشب والفضة يعود إلى القرن السابع عشر، يُقدّر ثمنه بما بين 12 و18 الف جنيه. وتشمل "مجموعة الحلو" كذلك حوالى 150 لوحة، إحداها لشهرزاد بريشة أوليف كارلتون سميث، تُقدّر قيمتها بما بين 1500 و2000 جنيه. وثمة لوحة نُسبت إلى الفنان أدوني لونغ، وتمثّل امرأة شرقية على شرفة في مدينة، وتقول أنيسة أن السقوف الظاهرة في خلفية الصورة قد تكون تلك الشائعة في القاهرة، ويُقدّر ثمن هذه اللوحة بما بين 1200 و1800 جنيه. وثمة لوحتان استشراقيّتان لرودولف أرنست، إحداهما تصوّر امرأة عربية تُطعم الطيور، والأخرى تمثل امرأة ترتدي ثوباً زهريّ اللون، وتُقدّر قيمة اللوحتين بما بين 1500 و2000. كما أن رسماً لرأس رجل، بعنوان "حامل المياه في فاس" بريشة فرنسوا دو هارين، يُقدّر ثمنه بما بين 200 و400. ويشمل الأثاث في المجموعة بعض الأمثلة الجيدة حول "حركة الفنون والحرف"، كالكرسي ذي الذراعين المصنوع من خشب الجوز، المزيّن بالرسوم البِيض والحمر، والذي يعود إلى مطلع القرن العشرين. وثمة تشكيلة من الكراسي والخزائن والمصابيح. كذلك هناك قطع ساحرة من السيراميك والفخّار، كطقم المائدة الذي صممه كريستوفر دريسر حوالى العام 1875، مع رسوم زرقاء أخّاذة. ثمة أيضاً عدد من الخزفيات المزخرفة والكثير من المزهريّات والأباريق والمصابيح. وعلى رغم أن أنيسة الحلو قررت بيع مجموعتها الخاصة، إلاّ أن ذلك لا يعني أنها تخلّت عن هواية جمع التحف. وتقول أنها حين تنتقل إلى منزلها الجديد، ستعود إلى جمع القطع الأثرية، وبعضها يعود إلى ألفي عام، كالنقوش الحجرية السورية التي ستناسب تماماً مكان الإقامة الفسيح الذي لا تزال تبحث عنه في شرق لندن، وربما تعثر عليه في مستودع سابق.