لم يكن فوز الأهلي ببطولة الدوري المصري لكرة القدم للمرة السادسة على التوالي والمرة الثامنة والعشرين في تاريخه حدثاً غريباً على الشارع الكروي المصري، وهو الذي تصدر المسابقة منذ المرحلة الحادية عشرة ولم يترك الصدارة ابداً. لكن الغريب هو أن الفارق بين الأهلي ومنافسه التقليدي الزمالك كان شاسعاً للغاية، وسجل رقماً قياسياً في فارق النقاط بين الناديين منذ انطلاق بطولة الدوري في الموسم 48-1949. فقد جمع الأهلي 68 نقطة من 26 مباراة من 21 فوزاً و5 تعادلات ورصيد خال من الهزائم، وجمع الزمالك 44 نقطة من 16 فوزاً و5 تعادلات و5 هزائم بينها هزيمة اعتبارية صفر -2 أمام الأهلي بسبب انسحابه من المباراة. وخصم اتحاد الكرة المصري 9 نقاط من رصيد الزمالك عقوبة له على الانسحاب، الأمر الذي زاد من فارق النقاط بين الناديين. الفارق الكبير في النقاط، والتفوق الساحق لمصلحة الأهلي، وانعدام المنافسة، فتح الباب امام انصار الزمالك من ناحية وامام عدد من المحايدين من ناحية أخرى، للمطالبة بتعديل نظام المسابقة في المواسم التالية لضمان قدر أكبر من المنافسة بين الأندية في المقدمة، وطالب البعض بتقسيم فرق الدوري الى مجموعتين مع إقامة مباراتين فاصلتين بين بطلي المجموعتين كما حدث أعوام 58 و64 و1976... وطالب آخرون بتقليد الاتحاد السعودي وإنهاء المسابقة بنظام المربع الذهبي بين أحسن 4 فرق في الدوري حتى لا يتحدد بطل المسابقة إلا في المرحلة الأخيرة من البطولة. لكن عدداً كبيراً من خبراء الكرة عارضوا التعديل، مؤكدين أن التفوق الساحق لأحد الاندية في الدوري المحلي أمر وارد في العالم كله... وفي الموسم 98-1999 سيطر فينيورد روتردام على الدوري الهولندي وأحرز لقبه قبل خمس مراحل من نهاية المسابقة، وهو ما تكرر بشكل مشابه في ألمانيا واسكتلندا وهنغاريا في الموسم الجاري، ويبدو تكراره وشيكاً أيضاً في اسبانيا والبرتغال واليونان وتشيخيا. والمتابع بدقة للدوري المصري في موسمه الأخير 98-1999 يمكنه اكتشاف عناصر تفوق الأهلي الكثيرة، وأبرزها الاستقرار والكفاءة والخبرة... لكن العنصر الأكثر تأثيراً هو انهيار كل الفرق المنافسة تباعاً. أنظمة الدوري المصري هو أقدم مسابقات الدوري في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي وافريقيا، وانطلق للمرة الأولى في تشرين الأول اكتوبر 1948 بمشاركة 11 نادياً، هي الأهلي والترسانة والاسماعيلي وفاروق - الزمالك حالياً - والاتحاد السكندري والاولمبي والترام السكندري والمصري البورسعيدي، وبورفؤاد والسكة الحديد ويونان الاسكندرية، واقيمت المسابقة بنظام الدوري من دورين بالذهاب والإياب، وأحرز الأهلي لقبه بجدارة كبيرة وتبعه الترسانة والاسماعيلي وفاروق. وظل النظام راسخاً حتى عام 1955 عندما طالب البعض بتغييره - للسبب ذاته - وهو سيطرة الأهلي على اللقب وحصوله على البطولة منذ إنشائها. وتغير النظام ليزيد عدد الاندية الى 16 فريقاً في الدوري في موسم 55-1956 ولم يتغير الوضع واحتفظ الأهلي باللقب لموسمين متتاليين، وجاء التعديل الثالث بتقسيم الفرق الى مجموعتين وضمت كل منها 8 أندية، والتقى بطلا المجموعتين الاهلي والزمالك في النهائي ولكن النتيجة لم تتغير وفاز الأهلي للمرة التاسعة على التوالي. وعاد الدوري مجدداً الى نظام المجموعة الواحدة من 12 فريقاً في موسم 58-1959 وجاء اكتساح الأهلي هذه المرة كبيراً وضمن اللقب قبل 3 مراحل من النهاية. وفجأة، انقلبت الأمور رأساً على عقب في موسم 59-1960 وخرج الأهلي تماماً من المنافسة وانحصر اللقب بين الزمالك والترسانة، وأحرزه الزمالك بجدارة للمرة الأولى في تاريخه، ولكن الوضع لم يدم طويلاً واستعاده الأهلي في الموسمين التاليين مجدداً. ولجأ اتحاد الكرة الى نظام جديد لوقف سيطرة الأهلي، ورفع عدد أندية الدوري الى 24 فريقاً وقسمها على مجموعتين، ونظم دورة رباعية بين أول وثاني كل مجموعة وذهبت البطولة الى الترسانة لأول وآخر مرة في تاريخه. وتغير النظام قليلاً وبقي 24 فريقاً في مجموعتين مع اقامة مباراة واحدة فاصلة بين البطلين، وفاز بها الزمالك بجدارة وخسر الأهلي اللقب للمرة الثانية على التوالي، وسرعان ما نجح انصار الأهلي في قلب نظام الدوري وإعادته الى المجموعة الواحدة من 12 فريقاً، ولكن التعديل لم يفد الأهلي وفازت أندية الزمالك والاولمبي والاسماعيلي على التوالي بالبطولة. وبعد توقف اضطراري بسبب حرب حزيران يونيو 1967 عاد الدوري وفاز به غزل المحلة، وسعى الأهلي لتغييرات جديدة مع دعم من الزمالك، ونجحوا فعلاً في زيادة عدد الاندية الى 18 نادياً من مجموعة واحدة وفاز بها الاهلي، ولم يستقر الأمر سوى عام واحد وتحول الدوري الى مجموعتين مع مباراتين فاصلتين فاز بهما الأهلي على غزل المحلة 1/صفر و4/صفر. وعاد الدوري الى نظام المجموعة الواحدة من 1977 وحتى 1999مع تغييرات طفيفة في عدد الفرق بين 12 و14 و15 و16 فريقاً، وبقيت السيطرة الكبرى للأهلي باستثناء الفترة الأولى في عقد التسعينات حيث ألغيت المسابقة عام 1990، وفاز بها الاسماعيلي عام 1991 بعد مباراة فاصلة مع الأهلي في المحلة، واحتكره الزمالك عامي 92 و1993، واستعاده الأهلي عام 1994 بعد مباراة فاصلة مع الاسماعيلي في الاسكندرية، ولم يخسر الأهلي اللقب بعدها. وستقام المسابقة في موسم 1999-2000 من 14 فريقاً، ولا يعتد فيها بفارق الأهداف عند تحديد البطل أو الهابطين. الاهتزاز وعلى العكس تماماً، عانت أندية المقدمة الاربعة الأخرى، الزمالك والاسماعيلي والمصري البورسعيدي والمنصورة التي احتلت المراكز من الثاني الى الخامس في الدوري من اهتزاز متكرر أثر سلباً عليها جميعاً. الزمالك بدأ موسمه مع المدرب الهولندي رود كرول، ولكن الهزيمة أمام الاهلي في الدور الأول 1-2 عصفت بالمدرب بعد اسابيع قليلة، وجاء فاروق جعفر ولكن الأوضاع لم تتحسن مطلقاً وساء موقف الزمالك أكثر، وانتهى الأمر بمدرب ثالث هو محمود أبو رجيلة. وعصفت الاستقالات بأعضاء مجلس ادارة النادي حتى وصل عددها الى سبعة بالإضافة لمدير النادي الذي كال الاتهامات للمجلس بالمخالفات المالية والإدارية. وزاد الأمور سوءاً في الزمالك عدم استقرار التشكيل عبر المباريات المختلفة، وتم اشراك 35 لاعباً في البطولة وهو عدد قياسي لأي ناد. ولم يتغير الأمر في الاسماعيلي والمصري والمنصورة، في المنصورة استقال حسن مجاهد المدير الفني وجاء محمد علي واستقال هو الآخر، وبقي وجدي غزي... وفي الاسماعيلي أقالوا الألماني فرانك لانجل واستقدموا طه اسماعيل مديراً فنياً، وأوقفوا سبعة لاعبين من الكبار دفعة واحدة واشركوا مجموعة من الناشئين معاً، وفي المصري تم تغيير الجهاز الفني ثلاث مرات وانتهى بهم الأمر باسناد المهمة الى محسن صالح.