حاولت شعوب العالم منذ مطلع القرن، ايجاد اطار عالمي يرعى حقوقها ويوقف الحروب والاعتداءات والغطرسة، وكان أول هذه الجهود انشاء رابطة الدول التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى، لكن هذه المؤسسة لم تعمر طويلاً حين فشلت في اخماد فتيل الحرب آنذاك. وبعد الحرب العالمية الثانية خلفتها جمعية الأممالمتحدة التي لعبت دوراً مهماً عندما كانت هناك موازين للقوة بين الشرق والغرب، الى ان انهارت هذه الموازين في مطلع التسعينات وبدأ التبشير بالنظام العالمي الأوحد والعولمة الاقتصادية. وترسيخاً لهذا التوجه، شهدت ولا تزال العشرية الاخيرة من القرن الجاري، تجاوزاً لهذه المؤسسة ولمجلسها الأمني ما اضعف موقعها. وقبل غروب القرن العشرين بقليل، تسعى واشنطن في سباق مرير مع الزمن على الساحة البلقانية الى ايجاد نوع من الانتصار للحلف الاطلسي الذي يمثل العمود الفقري لنظامها العالمي الجديد. ومهما يكن الجانب الانساني الموجب للتدخل لانهاء الاعتداءات الوحشية الصربية، الا ان هذه السابقة ستنعكس سلباً على شعوب العالم التي تريد ان يكون القرن المقبل قرن الحرية والاستقرار والاحترام، خصوصاً وان المنظور المستقبلي للناتو بالنسبة لاستراتيجيته لا يزال يصب في دائرة السيطرة والقوة. وفي خضم هذه المغامرات على الساحة البلقانية فإن الضحية في البوسنة او كوسوفو او فويفودينا او السنجق هي الخاسر الوحيد بين المطامع التوسعية الصربية ومصالح النفوذ الغربية، وماذا يمكن للحلف ان يحقق لشعب كوسوفو المهجَّر من ارضه اكثر مما حققه للبوسنة، التي لا يزال شعبها المشرد ينتظر نهاية لوضعية اللاحرب واللاسلم في حال من الخوف من المستقبل المبهم؟ لندن - محمد السائحي