تحدث السيد غورباتشوف، السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفياتي سابقاً، في مقابلة مثيرة مع محطة "الجزيرة" الفضائية عن أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي، وأكد أنه ليس مسؤولا عن ذلك الانهيار، ولم يُخطط له. ونفهم من حديث غورباتشوف أن انهيار الاتحاد السوفياتي كان مفاجئاً حقاً، لكنه إذا كان لنا أن نتعجب فيجب أن نفعل ذلك لقدرة النظام على الاستمرار هذه المدة الطويلة. ويتحدث غورباتشوف عن ليونيد بريجينيف الذي حكم الاتحاد السوفياتي لمدة سبعة عشر عاماً، فيوضح لنا أن اختياره كان حلاً وسطاً بين التيارات القوية المتصارعة داخل الحزب، وبين الشخصيات القوية المتنافسة على المركز القوي للسكرتير العام. كان بريجينيف أضعف الأقوياء، وكان المقصود أن يكون اختياراً مؤقتاً. وبالطبع ككل الاختيارات المؤقتة، أصبح اختياراً دائماً. ضيّع على الاتحاد السوفياتي فرصة تاريخية ذهبية لمعالجة مشاكله، وإعادة النظر في طريقة إدارته لشؤونه. يتحسَّر غورباتشوف على هذه الفرصة الضائعة، ويتأسف على كيان كبير غني بالموارد والطاقات فشِل، في السِّياق الحضاري والسياسي، وانهار كثوب خلا فجأة من صاحبه. من الواضح أن الاتحاد السوفياتي، على رغم إمكاناته الهائلة، كان مهدداً بالانهيار من الداخل، ومنذ وقت طويل. وإذا كان غورباتشوف يتهم يلتسن وجماعته بالتفكير القاصر المحدود، وانعدام الفهم الاستراتيجي، والسعي وراء المصالح السياسية الخاصة، مما تسبب في تفكيك الاتحاد السوفياتي وانتهاء صلاحيته، فإن المشكلات الأساسية كانت في نظام شمولي بوليسي صادر الحريات، وعطّل المبادرات، وغلّب الايديولوجية، ومكّن للامتيازات الحزبية وأجهض الابداعات. كان بريجينيف يعشق الفُودكا، ويُحب جمع السيارات الفارهة. وكانت خطواته الوئيدة، وبدلته الأنيقة، ونظراته البطيئة، وحواجبه الكثيفة المتقوسة، تعطيك انطباعاً بأنه رجل خرج على التَّو من تابوت، بعد أن كان مهيأً للدفن. وهكذا كان الاتحاد السوفياتي يرتدي الحُلة القشيبة، والماكياج الصارخ، لكنه يغلي بالميكروب الذي ينهش أعماقه. إن الدول التي تموت، فجأة، تكون قد ماتت منذ عهد بعيد. والذي يحدُث في الواقع أنها تخرج من التابوت، مثل بريجينيف، بكل الأناقة والماكياج التي يتفنن فيها الحانوتي، ربما لتناول قدح من الفُودكا، ثم تعود الى التابوت لتُمارس موتها القديم... من جديد.