شركة الغربية تحتفل بتخريج المشاركين في برنامج القيادة التنفيذية بالتعاون مع أمانة جدة    عام على تفعيل مسار بدر التاريخي    برانكو: ستكون مباراة مثيرة.. ورينارد يمتلك الخبرة    ممتاز الطائرة : مواجهة حاسمة تجمع الاتحاد والنصر .. والخليج يلاقي الهلال    الأخضر للعودة بعبور محطة التنين    نائب أمير تبوك يهنئ القحطاني    رمضان في جازان.. تراث وتنافس وألعاب شعبية    منشدون يستقبلون زوار بسطة خير    مطالبات تحت المجهر.. توسع المجاردة ونطاق عمراني لبارق    مكافآت طلاب عسير 28 من كل شهر ميلادي    2611 بلاغا وحالة إسعافية بجازان    250 ألف ريال غرامات على الشاحنات الأجنبية المخالفة    نائب وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية جنوب السودان    7800 مستفيد من المناشط الدعوية بمسجد قباء    جامعة الملك سعود تُطلق مبادرة لاستقطاب طلبة الدراسات العليا المتميزين    رئيس وزراء إثيوبيا يستقبل نائب وزير الخارجية    باول: من السابق لأوانه قياس تأثير رسوم ترامب الجمركية على التضخم    ضبط 5 أشخاص في الباحة لترويجهم الحشيش والإمفيتامين    مدرب الصين: أعرف منتخب السعودية جيدًا.. وقادرون على الخروج من الرياض بنتيجة إيجابية    الاحتلال الإسرائيلي يعيد فصل شمال قطاع غزة عن جنوبه    التأكيد على ضوابط الاعتكاف وتهيئة المساجد للعشر الأواخر    لبنان يغلق أربعة معابر غير شرعية مع سورية    دمت خفاقاً.. يا علمنا السعودي    خالد بن سعود يستقبل قائد حرس الحدود بتبوك.. ويطلع على تقرير "هدف"    مسجد بني حرام في المدينة.. تطوير وتجديد    نائب أمير جازان يكرّم الفائزين بجائزة "منافس"    مباحثات أمريكية - روسية فنية في الرياض بشأن الحرب بأوكرانيا    نائب أمير مكة يرأس اجتماع «مركزية الحج».. ويدشن الدائري الثاني    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وصول التوءم الطفيلي المصري إلى الرياض    رئيس الوزراء الباكستاني يصل إلى جدة    المسار الرياضي.. وجهة رياضية وترفيهية تعزز جودة الحياة في رمضان    "الأرصاد": أمطار رعدية غزيرة وسيول متوقعة على عدة مناطق بالمملكة    "التعليم" تعلن القواعد التنظيمية لبرنامج فرص    الاتحاد يعبر القادسية الكويتي في نصف نهائي غرب آسيا لكرة السلة    الأخضر يرفع استعداداته لمواجهة الصين في تصفيات كأس العالم    فيتش: تحسن محدود لمؤشرات البنوك    "الحياة الفطرية": لا صحة لإطلاق ذئاب عربية في شقراء    رأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق.. وزير الداخلية: التوجيهات الكريمة تقضي بحفظ الأمن وتيسير أمور المواطنين والمقيمين والزائرين    وزير الداخلية يرأس الاجتماع السنوي ال32 لأمراء المناطق    استقطاب كبرى الشركات اليابانية في الترفيه    الخوف من الكتب    السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (1-3)    «سنتكوم» تحذر من نهب مستودعات برنامج الأغذية العالمي في صعدة.. استيلاء الحوثيين على المساعدات الإغاثية يفاقم أزمات اليمنيين    الغياب الجماعي للطلاب.. رؤية تربوية ونفسية    المملكة تدين وتستنكر الهجوم الذي استهدف موكب رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية    نائب أمير منطقة جازان يكرّم الفائزين في مسابقة الملك سلمان المحلية لحفظ القرآن الكريم    قطاع ومستشفى بلّسمر يُنفّذ حملة "صم بصحة"    ديوانية غرفة تبوك الرمضانية بوابة لتعزيز الشراكات وترسيخ المسؤولية الاجتماعية    16 مصلى لكبار السن وذوي الإعاقة بالمسجد النبوي    الفطر سلاح فعال ضد الإنفلونزا    3 جهات للإشراف على وجبات الإفطار بالمدينة المنورة    الكشخة النفسية    النقد الأدبي الثقافي بين الثوابت المنهجية والأمانة الفكرية    دعوات ومقاعد خاصة لمصابي الحد الجنوبي في أجاويد 3    إقبال على دورات الإنعاش القلبي    تبقى الصحة أولى من الصيام    محافظ الطوال يشارك في الإفطار الرمضاني الجماعي للمحافظة    العلم الذي لا يُنَكّس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منطقة البحيرات العظمى في قلب افريقيا . عقيدة حرب العصابات والوضع الملتهب في اوغندا
نشر في الحياة يوم 22 - 04 - 1999

في منتصف ايلول سبتمبر 1997، كتبت في صفحة "الرأي" ثلاث حلقات عن السياسة الاميركية في القارة الافريقية في ما اصطلح على تسميته في مطابخ القرار الاميركي ب"النظام الأفريقي الجديد" اوضحت فيها ان القارة القديمة ستكون معرضة لهجمة اميركية جديدة، ليس بالبعد الاستراتيجي النابع من اهمية القارة، كما فعلت ذلك الامبراطورية البريطانية والدولة الفرنسية في السابق ولكن بأسلوب "ادارة الأزمة" على الطريقة الاميركية الذي يعمد الى صقل السطح المتماسك ظاهرياً من دون النظر في التشققات او الكسور احياناً الموجودة تحته.
وجاءت زيارة الرئيس بيل كلينتون لغرب القارة ووسطها، خلال العام الماضي، والتركيز الاميركي على اوغندا كدولة محورية في منطقة البحيرات العظمى، وشهادات حسن الأداء الاقتصادي من البنك الدولي والمؤسسات المالية الاميركية والتركيز على اثيوبيا واريتريا لقيادة "منطقة تجارة تفضيلية" في منطقة القرن الافريقي والعمل على اعادة الديموقراطية ومحاربة الفساد في نيجيريا لمساعدتها لما لها من ثقل لتلعب دوراً مفتاحياً في غرب القارة، لتؤكد ما ذهبت اليه المقالات. إذ انه لا يتوقع ان تتوقف المعارك الطاحنة في القرن الافريقي وما يدور فيه في وقت قريب، كذلك لا يتوقع ازالة ما علق في نفوس الطرفين من ترسبات، وهو امر يفرض تناول اوغندا كبؤرة استقرار او توتر في منطقة البحيرات الكبرى لتأثيرها السالب والموجب في مناطق تماس ملتهبة في غربها مع الكونغو الديموقراطية وفي شمالها مع السودان وفي جنوبها مع رواندا وفي شرقها مع كينيا وتنزانيا.
وقبل الدخول في تناول اوضاع اوغندا اليوم وتأثيرات ذلك على الأمن الوطني في الدول المجاورة، لا بد من إلقاء الضوء على قاسم مشترك للاختيار الاميركي لشركائه الجدد في القارة عدا السنغال في اقصى القارة غرباً، ونيجيريا في الجنوب الغربي للقارة، وهي ان هذه الدول وصل حكامها الى سدة الرئاسة فيها عن طريق حرب العصابات.
فرؤساء اوغندا واريتريا وأثيوبيا لديهم، غير حرب العصابات الطويلة، قواسم مشتركة اخرى منها:
أ ثلاثتهم كانوا من التيار الماركسي المتطرف الصيني.
ب ثلاثتهم يمثلون في بلدانهم أقلية أثنية.
ج ثلاثتهم تلاميذ للمعلم نيريري سابقاً في الرؤية الافريقية للاشتراكية.
د ثلاثتهم بدلوا ولاءاتهم القديمة بتحالف جديد مع القطب الأوحد.
و ثلاثتهم تبنوا نهجاً جديداً من "الديموقراطية الهلامية" التي لا تتسق مع القيم الديموقراطية السائدة التي يبشر بها القطب الأوحد كسيدٍ للعالم الحر.

وللدخول في تناول اوضاع اوغندا كنموذج، وكدولة ذات تأثير بارز في السلام والاستقرار في السودان، للروابط والتداخل العرقي مع الجنوب، وللعلاقة المتميزة والصداقة التي تربط بين قائد حركة التمرد في السودان العقيد جون قرنق والرئيس يوري موسفيني، لا بد من تناول عقيدة حرب العصابات الافريقية، والمأزق المنهجي الذي تؤدي اليه افرازاتها حتى ولو نجحت ميليشياتها في الوصول الى سدة الرئاسة.
فحرب العصابات التي يرمز اليها المصلح الغربي ب: "GUERILLA WARFARE" اخذت هذا الاسم من اللغة الاسبانية وهي تعني "الحروب الصغيرة غير النظامية" وتعني بالضرورة قيام مجموعة صغيرة بمحاربة قوة نظامية كبيرة لهدف جدير بالتضحية. وعقيدتها تعتمد المقدرة الاستخبارية العالية، وعدم مواجهة الخصم في معارك مفتوحة، والعمل على انهاك الخصم وتشتيت جهوده بحرب استنزاف طويلة والاعتماد على مبدأ المباغتة بتكتيكات عرفت ب"أزآر في الشرق، واضرب في الغرب، ثم اهرب".
نمت هذه العقيدة القتالية في افريقيا في ظروف سياسية اختلفت باختلاف الدول والأسباب وكمثال لذلك:
أ في اقطار مستعمرة، حين رفضت قوى الاحتلال انتقال السلطة الى الوطنيين.
ب في اقطار يغلب عليها التنوع العرقي، ويظهر شعور بعض الجماعات العرقية بالتهميش.
ج في اقطار نمت فيها مذهبية عقائدية او صبغ اقتسام السلطة فيها صراع مذهبي او طبقي.
اذا نظرنا تاريخياً الى مثل هذه الحرب في منطقة البحيرات الكبرى زائير سابقاً، رواندا وبوروندي، اوغندا، وجنوب السودان نجد انها تكونت من خلايا صغيرة مؤمنة بأهدافها، لديها قيادات ملهمة، اجتذبت متحمسين آخرين، ثم تطورت وكبرت حتى صارت جيوشاً اشبه بالنظامية مثال لذلك جوزيف لاقو، مويس تشومبي، أجوكو، بول كاقامي، يوري موسفيني، وجون قرنق بعضهم مكنه انتماؤه العرقي لحرية الحركة بين مواطنيه، لامداده وحمايته، وهو تكتيك في حرب العصابات وصفه ماوتسي تونغ ب"لا بد ان يكون قائد حرب العصابات بين عصبيته اولاً، متمكناً من حرية الحركة بينهم كالأسماك في بيئتها المائية".
ولما كانت معظم قوات حرب العصابات في هذه المنطقة الملتهبة من افريقيا للعقود الأربعة الماضية تواجه جيوشاً اكبر منها حجماً، واكثر منها تدريباً وتتمتع وحداتها بزخم ناري لا يقارن بما تملك من اسلحة، ونسبة لأنها كلها تستقي استراتيجياتها وتكتيكاتها من نبع واحد، لجأت الى عقيدة او تشتيت خصومهم او دحرهم.
واعتمد كل قادة حرب العصابات الأفارقة في منطقة البحيرات الكبرى على:
1 أضرب ثم أهرب.
2 ضرب الأهداف الرخوة السهلة، للاثارة الاعلامية فقط، ثم ضرب المفاصل الضعيفة تكتيكات الكواسر الافريقية في الغابة.
3 التركيز على ضرب الأهداف الاقتصادية، بما في ذلك البنى التحتية للاقتصاد، وما لذلك من آثار سالبة حين وصول هذه الميليشيات للحكم في دولة شاركوا في تحطيم بناها التحتية والاقتصادية. مع تجنب ضرب الأهداف العسكرية لتكلفة الانتصار عليها "المعدات والأفراد".
4 التحول التدريجي من ضرب الأهداف الاقتصادية والعسكرية الرخوة، الى إحداث اكبر قدر من المعاقين "لا الموتى" مع القوات النظامية "باستخدام ا لالغام المضادة للأفراد"، لاعتقادهم بأن ذلك يشكل مشكلة لقادة الميدان في عمليات الاخلاء، ثم الضغط على الحكومات من ذوي المعاقين والرأي العام بعدم جدوى القتال. لكن الجيوش النظامية، لجأت للأسلوب نفسه الألغام ما حول هذا السلاح الى عقيدة الأرض المحروقة وجعل افريقيا ومنطقة البحيرات صاحبة اعلى رقم للألغام في الكيلومتر المربع الواحد ما ادى الى تعطيل الأرض وعرقلة عمليات التنمية وتأخير الاعمال لعقود طويلة.
5 لما كانت عقيدة حرب العصابات تقوم على مبدأ عدم تسجيل انتصار ساحق ضد القوات النظامية، وتميل الى سياسة الانهاك والاستنزاف لجر الدولة الى طاولة المفاوضات نجد نتيجة لهشاشة الجيوش النظامية وغياب استراتيجية الدولة تحت حكم النخب نشوء ما تعارف عليه بدائرية الحرب. اي بعبارة اخرى، وصول رجال حرب العصابات الى الحكم، وتحول بقايا الجيوش النظامية الى مجموعات تقاتل الدولة الجديدة بعقلية خصومهم السابقين. اي تحول الجيوش النظامية السابقة الى رجال حرب عصابات في الأدغال.
والمثال على ذلك الكونغو الديموقراطية، واوغندا. فحين لاحت بوادر النصر لقوات كابيلا في الكونغو، وموافقة الديكتاتور السابق، موبوتو على التفاوض لايجاد حل سياسي، ضغط كابيلا في اتجاه النصر العسكري الحاسم من دون ان يرى خلف جدار السلطة، امكان تحول المهزوم الى متمرد على السلطة الجديدة في منطقة لديها إرث طويل من التمرد والتمرد المضاد.
وفي اوغندا وهي الدولة المصطنعة والمركبة تركيباً متنافراً، لم ير يوري موسفيني، ان القوى التي ركبت هذه الممالك المتنافرة تاريخياً، والقوى التي ساندته وأوصلته الى الحكم، ستفرز بصورة حتمية قوى اخرى تنازعها السلطان والنفوذ في دولة مفصلية تقع في منطقة القلب لاعصار المصالح والاستقطاب للقوى الكبرى وبعض مراكز النفوذ الاقليمي في القارة الفتية.
النموذج الاوغندي
حدود الدولة الاوغندية الحالية مثل غيرها من الدول الافريقية، رسمتها السياسة البريطانية خلال حقبة استعمار القارة. وتشكلت من ممالك متناحرة متحاربة هي: مملكة البوغاندا في الوسط، والبوسوغا في الشرق، والبونيورو في الغرب ومملكتا التورو والأنكومي في الجنوب الغربي. وكانت توجد قبائل في الشمال واقصى الشرق تخضع لزعماء قبليين، لكنها لم تعرف النظم الادارية المتطورة، ولم يخضع منتسبوها لأي سلطة مركزية ولم تدفع في حياتها خراجاً أو ضرائب لأي سلطة، كقبائل الأشولي، التي يوجد نصفها الآخر داخل حدود السودان الجغرافية، وقبائل الكراواج التي يوجد نصفها الآخر داخل حدود كينيا الحالية. كل هذا الخليط المتنافر غير المتسق تم دمجه داخل الدولة الجديدة التي سميت اوغندا بعد ان تم حذف حرف B من اكبر الممالك في الدولة الجديدة وأعرقها اي مملكة البوغاندا BUGANDA التي كان يحكمها "الكباكا".
سميت هذه الدولة بعد الاستقلال "دولة اوغندا المستقلة" حين احتفظت كل واحدة من الممالك المكونة لها بنوع من انواع الحكم الذاتي. ففي 1962 اصبح ملتون أبوتي رئيساً للوزراء واصبح الكبابا ملك البوغاندا رأساً رمزياً للدولة، علماً بأن الدكتور ميلتون أبوتي ينتمي الى قبائل اللانجي في اقصى الشمال الغربي، وهم يمتون بصلة قرابة ودم مع ابناء عمومتهم من قبائل الزاندي والأمادي في الجزء الغربي من الاقليم الاستوائي في السودان.
سارت الأمور بصورة لا بأس بها حتى عام 1966، حين عزل الدكتور أبوتي الكباكا ملك البوغاندا من منصب رأس الدولة، وألغى النظام الإداري لمملكة الكباكا وأعلن نفسه رئيساً لاوغندا التي تحولت حينها الى جمهورية اوغندا. ولم يكن أبوتي يعلم بأن هذه الخطوة غير المحسوبة ستجر عليه وعلى بلاده عقوداً من الحروب الطاحنة وعدم الاستقرار.
ففي 1971 أطاح انقلاب عسكري قاده القائد العام للجيش الاوغندي الجنرال عيدي أمين دادا بحكومة الرئيس أبوتي. حكومة أمين شهدت عامين فقط من الهدوء والتسامح بين مكونات الدولة الاوغندية، قبل ان يتحول نظام الجنرال أمين الى واحد من أكثر النظم دموية وقهراً في اقليم البحيرات.
افرازات القهر والدم والنزوح في نظام أمين امتدت آثارها الى الدول المجاورة بحكم التداخل العرقي وعدم وجود حدود طبيعية، الأمر الذي دفع تنزانيا الى وضع يدها وقواتها في تحالف مكشوف مع جيش التحرير الاوغندي إذ دخلت قواتها العاصمة كمبالا وأطاحت بحكومة الجنرال أمين في 1978.
أعقبت ذلك حكومة انتقالية بقيادة البروفسور يوسف لولى، ممهدة لعودة الدكتور ملتون ابوتي للحكم بعد الانتخابات العامة في 1980. ملتون ابوتي لم يتعلم من دروس الماضي ولا فهم التركيبة الاوغندية الهشة والمعقدة. اتسمت فترته الثانية بالدموية والقهر والانتقام من كل من كان له ضلع أو دور في اخراجه من الحكم عام 1971.
للعداوات التاريخية المستحكمة بينه وبين مملكة البوغاندا القوية الراسخة، أخرج كل ضباط البوغاندا من الجيش، وركز التجنيد وسط قبائل الشمال فقط "الأشولي" و"اللانجيز" في الشمال الغربي حتى أصبح الجيش مؤسسة خاصة لقبائل الشمال. يوري موسفيني ابن الجنوب الغربي - وكان وقتها عضواً في مجلس الدفاع الأعلى - خرج الى الغابة في مناطق جبال القمر حدود زائير ورواندا وأسس مجموعة صغيرة من قبيلته وأبناء عمومتهم التوتسي، بدأت في النمو والسيطرة على جنوب غرب اوغندا في منطقة الغابات المطيرة بين بحيرتي ألبرت وفكتوريا.
جنرالات الأشولي، والجنرال توتي أكيلو، والعميد بازيليو أكيلو، الذين دان لهم الجيش شعروا بأن سياسة أبوتي وعقدة الانتقام المتأصلة في نفسه ستقود القطر الى التمزق وعدم الاستقرار، فقرروا الاطاحة بالديكتاتور أبوتي. لكن الخلاف سرعان ما دبّ بينهم وانقسم الأشولي على انفسهم الأمر الذي مكن ميليشيات موسفيني من دخول العاصمة كمبالا، وتبدلت الأدوار. مليشيات الغابة دخلت المدن، وجيش المدن تحول الى ميليشيات ذهبت هي الأخرى للغابات في الشمال هذه المرة، مكونة جيش المقاومة الوطني وذهب الجنرال اكيلو الى تنزانيا وعاد بعد فترة الى اوغندا ليموت في بلدته قولو. ودخل العميد أكيلو الى أراضي أبناء عمومته الأشولي داخل الحدود السودانية وأنشأ نواة الجيش المذكور أعلاه قبل ان يموت في العاصمة السودانية الخرطوم.
انقسم جيش المقاومة الاوغندية NRA، الى جيشين: جيش الرب LRA في الضفة الشرقية للنهر في الشمال الاوغندي وغالبيته من قوات الأشولي، الا انه تبنى مسيحية اصولية في مقاصده. وقوات جبهة غرب النيل WNF الذي انشأه جمعة أوريس أحد وزراء حكومة الجنرال أمين السابقة. وعلى رغم ان الجيشين يعملان بصورة مستقلة، الا انهما حظيا بدعم من الحكومات السودانية المتعاقبة، رداً على الدعم المستمر لقائد التمرد السوداني العقيد جون قرنق من صديقه الرئيس موسفيني منذ وصول الأخير الى السلطة في 1986.
الصراع الدولي
دفع الصراع الفرنسي الأميركي على النفوذ في منطقة البحيرات على أعتاب القرن الجديد، بمخططي السياسة الأميركية الى اعتماد اوغندا دولة مفتاحية في المنطقة. وموسفيني حليفاً أول لهم، بعد ان تأكد لهم ان حليفهم السابق الجنرال موبوتو في طريقه الى الذهاب "بالموت او الشيخوخة" او بانهيار حكمه الذي عجزوا عن اصلاحه. وتدفقت على موسفيني الأموال والمساعدات العسكرية وشهادات حسن الأداء الاقتصادي، لكن جذوة الثورة والتمرد ظلت متقدة خلف دخان الجلبة الاعلامية الاميركية. وكابيلا الذي وصل الى الحكم في الكونغو على انقاض نظام كان حليفاً استراتيجياً لأميركا لعشرين سنة خلت، كان لا بد لمصالح نظامه الوليد والقوى التي أوصلته للحكم ان تتناقض مع السياسة الاميركية في المنطقة وحلفائها. ففتح جبهة في غرب اوغندا مع قبائل الهوتو وميلشياتها في مناطق العصبية القبلية لموسفيني "منطقة جبال القمر" هي أكبر من مقدرة اوغندا على الصمود أو تصفيتها.
الحلم الاوغندي والنجم الاوغندي الساطع في طريقه الى الأفول. فبانشغال اوغندا في جبهتها الغربية تمكن "جيش الرب" من التغلغل في العمق الاوغندي حتى الحدود الكينية شرقاً، وليس بمستبعد ان يتمكن هذا الجيش من قطع الشرايين الرئيسية التي تربط العاصمة كمبالا بميناء الصادر والوارد في ممباسا في كينيا.
وتمكنت جبهة النيل الغربية من توسيع مدى عملياتها العسكرية الى العمق الاوغندي في الجزء الغربي، حتى الجنوب الغربي، لترتبط بميلشيات الهوتو التي اختطفت السياح الأميركيين والبريطانيين في منطقة نفوذ موسفيني ومسقط رأسه والمثابة التي كون فيها ميليشياته الأولى من 1980.
يؤكد القادمون من اوغندا وجنوب السودان الآن ان الحركة من "قولو" شمال النهر وحتى حدود السودان لم تعد آمنة، بل مستحيلة من دون مصاحبة الأطراف العسكرية. وان الرحلة من قولو حتى حدود السودان التي كانت لا تتجاوز 5 ساعات أصبحت تحتاج الى اسبوعين على الأقل لتجميع القوافل، والأطواف العسكرية المصاحبة.
البوغاندا أصحاب الملك العريق في أواسط اوغندا، الذين ظلوا في حالة من الهدوء النسبي والاستقرار كونوا أخيراً "جبهة الحرية الاوغندية" و"جيش الحرية الاوغندي" UFF/A بقيادة هيرمان سموجو، أحد مرشحي الرئاسة السابقين وأعلنوا مسؤوليتهم عن الانفجارات التي هزت العاصمة كمبالا ومدينة عنتيبي خلال زيارة الرئيس الاميركي بيل كلنتون لاوغندا العام الماضي.
من هنا يبدو ان المنطقة الآمنة في اوغندا اليوم هي كمبالا وعنتيبي وما حولهما حتى بحيرة فكتوريا أي خمس مساحة اوغندا فقط، وان العد التنازلي بدأ لنهاية عقد التنمية والاستقرار.
اوغندا بموقعها المتميز في قلب القارة، وبتركيبتها المعقدة من أكثر الأقطار تأثيراً على ما حولها. ومشاكل الحكم فيها مثل غيرها من جيرانها هي مشاكل سياسية لا يمكن حلها عن طريق حرب العصابات والميليشيات القبلية وانشطاراتها الاقليمية، بل بالجلوس الى طاولة المفاوضات وايجاد صيغة بالتراضي للحكم في اطار الدولة الواحدة، والنأي عن التدخل في شؤون الغير، إذ يكفي أقل جهد من أي دولة مجاورة لإشعال حريق في اوغندا لن ينطفئ لأعوام عديدة، تكون نتائجه عقد جديد من عرقلة التنمية فيها وفي ما حولها.
* مساعد الأمين العام للحزب الاتحادي الديموقراطي في السودان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.