صدر اخيراً كتاب بعنوان "سرطان الروح" للكاتبة أروى صالح التي رحلت عن عالمنا منذ اكثر من عام، بفجيعة مدوية، آثرت هي ان تكون الفاعل فيها والمفعول ما دام ذلك العالم رديئاً مع كل الاحباطات الشخصية الناتجة عن تفاعلها مع الواقع السياسي طوال سنوات السبعينات عبر العمل السري والعلني، وارتباطا ما بين الاحباطات الشخصية واحباطات الحركة اليسارية محلياً وعالمياً مما جعلها تأخذ امرها بيدها وتنهي حياتها تاركة اعمق الندوب في نفوس الجميع. ولعل الذي يتصفح كتابها "المبشرون" يتلمس سر المأساة لديها، حيث كانت مأساتها ذات شقين. الاول موضوعي ويرتبط بما انغمست فيه بكل كيانها منذ كانت واحدة من الفاعلات في الحركة الطلابية ابان الدراسة ما بين 1967 - 1973 وحتى بعد ذلك بسنوات. والثاني ذاتي ويمس شخصها بكل جوانبها التي لم تتحمل القسوة والجفاء. واخيراً استطاع اصدقاء أروى صالح تجميع بعض مما كتبته بعنوان "سرطان الروح" وهو اسم احدى القصائد التي كتبتها وتركتها، وما اظنها، لو عاشت لكي تشرف بنفسها على اصدار ذلك الكتاب، كانت ستمنح كتابها اسماً آخر. فالاسم، على رغم وحشيته، متشابك بالحالة ومعبر عنها ومرتبط بها ارتباطا عميقا. بل انه يمثل ذات الحالة التي كانت لا تقف عند مستوى التعبير عن الذات، بشكل شخصاني عبر الكلمات الشاعرة، وانما كانت تلتقي بالعبارات والكلمات التي تتطابق مع طبيعة روحها، ما يموج بنفسها من مشاعر، فتعيد كتابتها داخل نسقها الخاص، وتذكر اصحابها بأمانة شديدة امثال اليوت، مالرو، ديستويفسكي، البير كامي في وصفه للزمن بأنه لا مجرد زمن القتل، وانما هو زمن الضغينة، ويالها من كلمة بدائية متوحشة تشي بأشياء كثيرة. وتقول أروى في قصيدة "سرطان الروح" المنثورة: "والمحبون يموتون لا شهداء للعشق بل باسفكسيا الخنق فحتى فعل الحب اضحى فعل قتل مص دماء حتى الابرياء يقتلون حتى الطيبون ففي زمن ينكر الشعور يملأ الانسان الفراغ الناجم بالسطوة والقهر وحينئذ بحجم الرأس المقطوع تقاس قوة الجلاد لذلك انسد الافق بتلال الجماجم والفتاة الاكثر عمقا تشبثت برجل اكثر ضحالة لأنه يعرف كيف يطفو وهو اذ عرف موطن خوفها اخفى ضعفه كي لا تلتهمه هي * * * لم تتخذ أروى صالح سمة الشاعرة او الكاتبة المحترفة، التي يكون الشعر وسيلتها الوحيدة للتعامل مع الحياة، وارى ان الشعر او اشكال التعبير والكتابة لدىها كانت تصدر عن احساس طاغٍ بالذات والوجود وان كل ذلك يمثل ادوات او وسائل للمعرفة والاكتشاف. فالكتابة لديها لم تكن حرفة بقدر ما كانت وسيلة للتأمل الذاتي محاولة فهم العالم شديد الصخب والفوضى، الذي لا يتلزم بشيء. فلم تكن رغبتها في التعامل مع الكلمات من اجل الوصول للاخرين الذين خبرتهم جيداً - كما لاح في كتاب المبتسرون - وانما كانت اداة للتفاهم مع الذات عبر السطور المكتوبة. والدليل على ذلك انها لم تسع لنشر ما كتبت اثناء حياتها. كما انها لم تلتزم بشكل واحد من اشكال التعبير كما يفعل البعض. لكنها كانت تتعامل مع الاساليب المختلفة في الوقت نفسه. فلقد تعاملات مع القصة، والمقالة. المجموعة تحوي قصتين بعنوان بورتريهات، والبتلز. كذلك احتوى الكتاب على عدد من المقالات القصيرة تناولت فيها أروى بعض اعمال لصنع الله ابراهيم وقدمتها تحت عنوان "صنع الله ابراهيم شاهد لكل العصور" تناولت فيها "نجمة اغسطس" و"اللجنة" و"بيروت بيروت"، و"ذات" التي اعتبرتها ملحمة. وعلي وجه الجمال نلاحظ ان كتابات أروى صالح تشي بروح كاتبة من الدرجة الاولى، لكنها لم تعتن بتلك الموهبة التي حصرتها داخل العمل السياسي بأبعاده المتعددة. ولا ادري اذا ما كانت قد اخطأت طريقها الى العمل السياسي ام لا؟. وفي النهاية انني اعفي نفسي من مناقشة الفصل الخاص بالسيرة الذاتية بعنوان "تمشية" لانه يحمل الكثير من الألم الذاتي والشخصي. لكن الاقدار لم تشأ ان تكتمل السيرة الذاتية لأروى، حتى تكون موضع تحليل كامل لا لحياة أروى صالح وحدها، وانما لخصائص ما تواضعنا على تسميته جيل السبعينات.