تجار مقديشو هم اليوم حكامها، وأي مشروع سياسي لحل ازمة الصومال المستمرة منذ نحو تسع سنوات، يجب ان يمر عبرهم. صارت لديهم ميليشياتهم الخاصة وجماعات موالية لهم، وأصبحوا يسمون "قبيلة التجار". وإلى إدارتهم ما تبقى من اقتصاد الحرب في هذا البلد، أشرفوا مطلع الشهر الجاري على طباعة 35 بليون شلن صومالي أربعة ملايين دولار لتحل مكان الاوراق النقدية التالفة من العملة نفسها. بقي زعيما شطري مقديشو، حسين عيديد في جنوبها وعلي مهدي محمد في شمالها، من دون أموال كافية لدفع رواتب حراسهم الذين انتفضوا ضدهما. فكان نصيب الاول أن منعه حراسه من التصرف بما لديه من أموال، في حين نهب حراس الثاني منزله أول من امس، وأخذوا أموالاً اعتبروها رواتب مستحقة لهم الى جانب أسلحة وذخائر. ومنذ سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري في كانون الثاني يناير 1991، يعيش الصوماليون من دون حكومة مركزية، في حين دمرت الحرب كل المؤسسات العامة والخاصة، بما في ذلك البنك المركزي الذي يصدر العملة الوطنية ويغطيها حتى لا يتعرض اقتصاد البلد الى التضخم. لكن بعد مرور نحو سنتين على اندلاع الحرب، عمد زعيم "التحالف لانقاذ الصومال" علي مهدي، الذي يسيطر على شمال مقديشو، الى طبع شكل جديد من العملة الصومالية، إلا ان استخدامها ظل محدوداً في إطار منطقته. وفي الشطر الجنوبي من العاصمة، اشرف زعيم "التحالف الوطني الصومالي" حسين عيديد العام الماضي على طبع كمية جديدة من العملة الصومالية التي كانت تستخدم قبل الحرب. وقال أحد التجار الصوماليين ل"الحياة" ان احتكار زعيمي الحرب علي مهدي وحسين عيديد طبع العملة أضر بعمل رجال الاعمال والتجار، لأن الزعيمين كانا يستخدمان كميات كبيرة من هذه الاموال لدفع رواتب ميليشياتهما ولتمويل آلالة العسكرية لكل منهما. وأكد التاجر نفسه، الذي طلب عدم نشر اسمه، ان تجار شطري العاصمة اتحدوا اخيراً وقرروا طبع 35 بليون شلن صومالي في كندا، وحصلوا على تعهد من عيديد بعدم التدخل في تصريف أوراق النقد التي سيطبعونها، خصوصاً ان عيديد لا يملك نفقات طبع الاوراق النقدية التي تولت ترتيبها شركة "ادورنا" الماليزية التي تمول بضعة مشاريع استثمارية في الصومال. وأضاف: ان التجار منحوا عيديد 10 في المئة من الاموال المطبوعة لدى وصولها الى مقديشو في الثامن من الشهر الجاري. واعطى عيديد حليفه علي مهدي جزءاً من الاموال التي حصل عليها من التجار، وعندما حاول توزيع جزء آخر على بعض أعيان قبيلته لضمان استمرار تأييدهم انتفض حراسه ضده ومنعوه من ذلك وطالبوه بتوزيع الاموال على عناصر الميليشيات التي تقاتل الى جانبه. وفي الشطر الشمالي حصلت عملية مشابهة أول من أمس، لكنها كانت أكثر جرأة. إذ اقتحم حراس علي مهدي منزله واستولوا على أموال اعتبروها رواتبهم. ويؤكد التاجر نفسه، انه و"قبيلة التجار" لا يسعون الى السلطة، وانما يريدون الحفاظ على ما تبقى من اقتصاد البلد الذي يديرونه بأسلوب تقليدي يتناسب مع ظروف الحرب. لكن مراقبين لتطور نفوذ "قبيلة التجار" يرون ان كبار التجار، يستطيعون اليوم فرض زعماء جدد للبلاد بعدما أقصوا التقليديين من السيطرة على مصدر تمويل ميليشياتهم، خصوصاً ان لدى التجار ميليشياتهم القوية ايضاً والتي يحصل أفرادها على رواتبهم بانتظام.