سخرت انكلترا من أحد أبنائها وهو جوناس هانواي عندما سار في أحد شوارع لندن، رافعاً فوق رأسه مظلة، لأنه كان أول من استعملها وأدخلها الى جزيرة المطر هذه. وانتظرت انكلترا 42 سنة بعد وفاته لتشهد أول مشغل فردي متواضع للمظلات أسسه "مستر سمث" عام 1830، فكان الصانع للمظلات والبائع لها في آن واحد في دكان صغير في أحد شوارع لندن المتواضعة. وتحول هذا المشغل خلال أكثر من قرن ونصف القرن الى "غابة مظلات" تستقر في مبنى كبير من عدة طبقات يعرف ب"هزلوود هاوس" في شارع من أبرز شوارع العاصمة البريطانية وهو "نيو أوكسفورد ستريت" وسط لندن تقريباً. عائلة سمث توارثت هذه الصنعة أباً عن جد، وحوّلت المشغل الى معمل للمظلات من جهة والى متجر كبير لبيعها في جهة أخرى. وأصبح المعمل ينتج المظلات بكل أشكالها وأنواعها الى جانب العصي للمسنين أو للذين يتفاخرون بها من الشباب النبلاء، وكذلك جميع أنواع السياط التي تستعمل للخيول. وقصة غابة المظلات هذه طويلة، وحالياً تعتبر الأولى في الإنتاج والأهمية في أوروبا كلها وهي مقصد هواة جمع مظلات وعصي من أقاصي العالم وخصوصاً من الولاياتالمتحدة الأميركية. وتقوم بالإنتاج والبيع ليس فقط لاتقاء المطر وإنما أحياناً لاحتفالات أو لأفلام ومسلسلات تلفزيونية أو لهواة جمع المظلات والعصي. ويتولى ادارة شركة "جيمس سمث وأولاده للمظلات" حالياً "مستر مسجر" ابن احدى بنات عائلة سمث، الى جانب "مستر هارفي" وهو المدير التنفيذي في الشركة. وجاء في معلومات تعريف بالشركة أن هذه المؤسسة مرّ بها الكثير من الويلات، وكان أبرزها تدمير مقرها في الحرب العالمية الثانية في إحدى غارات الطيران الألماني. اضافة الى صعوبة الإنتاج في فترة من الفترات. أما إنتاج الشركة حالياً فجيد إذ أنها تبيع نحو 500 مظلة شهرياً تقريباً بأسعار تتراوح بين عشرين ومائة جنيه استرليني، رغم وجود مظلة ثمنها 700 جنيه وربما ألف جنيه. والذي يزيد في سعر المظلة ليس غطاؤها المستدير الذي هو من النايلون والبلاستيك الملون بألوان الأزهار أحياناً فحسب، وإنما الأهم من ذلك كله هو "البنية التحتية" للمظلة إذا صح التعبير أي جسمها: العصا الرئيسية، وقبضتها، والأضلاع، وقبّتها التي هي بروز قصير فوق الغطاء المستدير. فالعصا الرئيسية عادة للمظلة، التي هي بمثابة العمود الفقري لها، غالباً ما تكون من الحديد بكل أنواعه المتقنة أو من "الستنلس ستيل"، أو الخشب أو القصب، أما القبضة فهي الأهم في المظلة كلها، وتكون معقوفة أو مستقيمة، وهي من الخشب أو من نوع من القصب النادر أو العظم أو البلاستيك المقوّى تضاف اليها أحياناً حلقة من الفضة، وهناك قبضات صنعت كلها من الفضة وحملت اسم صاحبها في نوع من الترف. ثم هناك الأضلاع الداخلية التي تتولى فتح المظلة وكانت تصنع من الخشب ثم من القصب أو من أسلاك حديدية، وهي التي يعوّل عليها في متانة المظلة وصلابتها ومقاومتها للريح والعواصف. تبقى قبة المظلة وهي النتوء الذي لا يتعدى ارتفاعه عشرة سنتيمترات قد يكون امتداداً للعصا الداخلية للمظلة مصنوعاً من المواد نفسها أو تكون تلك القبة مزينة أو مزخرفة ترتفع فوقها نجمة أو رمز من الرموز. ويمكن أيضاً أن تصنع القبضة من الحديد أو الخشب أو حتى البلاستيك ثم تغطى بنوع من الجلد الطبيعي أسود اللون أو البني، وكذلك القبة. ويقول مستر مايكل الموظف في مؤسسة سمث أن السلطات النيجيرية أوصت على مائتي مظلة عندما زارت ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية نيجيريا العام الماضي، وكانت قبب تلك المظلات تنتهي بمجسمات فيل صغير مطلي بالفضة أو غيره، وكانت هذه المظلات لاتقاء الشمس وليس المطر وكذلك لاكتمال المظاهر الاحتفالية التي استقبلت بها الملكة. وأحياناً صنعت مظلات تعلوها نجمة أو وردة أو ديك صغير. هذه الإضافات كلها، الى جانب وضع "ماركة" معينة على قبضة المظلة، تجعل المظلة باهظة الثمن أحياناً. ويقول بعض العاملين في المتجر أن زبائن بارزين مروا بغابة المظلات هذه واشتروا بشكل دوري، منهم زبون دائم هو اللورد كورزن، ومن رؤساء الحكومات البريطانية البارزين السابقين وليم غلادستون وبونار لوو أما ونستون تشرشل وهو من هؤلاء الرؤساء فمعروف عنه كرهه للمظلة اضافة الى أنه كان يتنقل في السيارة وبالتالي يقوم آخرون بوقايته بمظلاتهم عند الضرورة ومثله بقية الرؤساء. لكن الزبائن الأبرز هم العاملون في محطة الإذاعة البريطانية وقنوات ال"بي بي سي" كلها، فهم زبائن دائمون لدى غابة المظلات تلك. وفي هذا المجال غالباً ما صنعت الشركة مظلات لاستعمالها في مسلسلات تلفزيونية أو في أفلام سينمائية في بريطانيا أو الولاياتالمتحدة الأميركية بحيث تناسب الأزمنة القديمة أو الحديثة حسب المسلسل، وكذلك الحال للمسارح. لكن يعتبر عدد من قادة دول أفريقيا ومسؤولين فيها زبائن دائمين لدى غابة المظلات تلك بحيث يوصون على مظلات واقية للشمس أو على عصي فاخرة ومصنوعة أحياناً من عظم فيل أو ملفوفة بجلد حيوان نادر. ويروي أحد العاملين في تلك الشركة أن عصا مصنوعة من عظم حيوان "وحيد القرن" بيعت مرتين وكانت تعود للشركة مجدداً ثم تباع من جديد. ولا يؤكد هذا الشخص ما إذا كانت الشركة صنعت مظلات تمكن من رد أي اعتداء على حاملها كأن تكون تخفي داخل "عمودها الفقري" نصلة أو سنكة أو سيفاً حاداً أو أنها تتحول بكبسة زر الى آلة حربية كما في أفلام "جيمس بوند". وهنا يتدخل أحد قدامى العاملين في هذه الشركة ليقول أن المظلة لها فلسفة قائمة بذاتها فهي لم تعد مجرد أداة لاتقاء المطر في بريطانيا، فلكثرة هطول الأمطار في هذه البلاد تتحول الى أن تصبح جزءاً من يد الإنسان أو جسده أو كتفه إذا كانت لها حمالة تعلق بها في الكتف. وعندما رويت له حكاية "آخذها أو لا آخذها" الموجودة في التراث الأدبي العربي، رد عليّ بالقول أنه في بريطانيا لا مجال للتردد فلا بد له من أن يأخذها فالمطر يداهم رغم نشرات الطقس اليومية، فالأكثرية في بريطانيا تحتاط فتحمل المظلة أشهر الشتاء بكاملها وهي طويلة في بريطانيا لذا تعتبر تجارة المظلات عندنا وعند غيرنا في مقدمة التجارات الدائمة فتكاد تكون كالطعام وهي أهم من اللباس. والمظلة هي كالحضارات وقع خلاف كبير حول بداية صناعتها أو اكتشافها وتطويرها الى الشكل الذي هي فيه حالياً، فقيل أنها بدأت من الصين ثم الى الهند، لكن المرجح أنها ذات هوية آسيوية. ورغم أن أوروبا قارة المطر لكنها كانت تتقيه بألبسة الفرو وجلود الحيوانات خصوصاً مع وجود عواصف لا ترحم المظلة ولا حاملها. وتوضح القراءة في تاريخ المظلة أنها ذات منطلقات دينية عند بعض الشعوب وهي جزء مهم من مراسم احتفالية دينية لدى بعض القبائل، وشكلها الدائري يقرّبها لأن تكون مماثلة للقمر أو الشمس رغم أنها لاتقاء الشمس أو أنها مماثلة لمصدر المطر أي السماء التي تبدو مستديرة أيضاً.