شهدت فترة الخمسينات من هذا القرن بواكير الحركة الاسلامية الحديثة في العراق، ومع تغير النظام وسيطرة الحزب الشيوعي على الشارع السياسي في عهد عبدالكريم قاسم 1958 - 1963 ضاعفت التيارات الاسلامية المختلفة نشاطها لاستعادة الجماهير، خصوصاً الشباب والمثقفين. وتقدمت مجموعة من الاسلاميين المنتمين الى تيار الاخوان المسلمين سنة 1960 بقيادة السيد نعمان عبدالرزاق، الى السلطات بطلب لتأسيس حزب اسلامي، لكن طلبها رفض، ثم جاء البعثيون عام 1963 ليقتلوا رئيس الحزب السيد عبدالغني الملاح ويخمدوا صوت الحزب الذي مر بمرحلة من العمل السري امتدت اكثر من عقدين، ليعلن عن استعادة نشاطاته الاعلامية والسياسية خارج العراق، في بداية التسعينات. ويقوده حالياً السيد اياد السامرائي الذي يصدر مجلة "دار السلام" الشهرية من ليدز في المملكة المتحدة. والحزب الاسلامي هذا لا تربطه بإيران اية علاقة، وهو يعمل من اجل تغيير النظام العراقي بصورة سلمية، ويدعو الى التعددية والانتخابات كوسيلة للحكم وتطبيق الشريعة الاسلامية. الى جانب الحزب الاسلامي تكونت في سنة 1963 مجموعة اخرى سرية عرفت بالكتلة الاسلامية، تضم اعضاء سابقين في حزب التحرير والاخوان المسلمين ورجالاً من الشيعة، بقيادة الشيخ عبدالعزيز البدري الذي قتله النظام الحاكم عام 1969، ويقود الكتلة الآن الشيخ محمد الآلوسي الذي يتخذ من الرياض في المملكة العربية السعودية مقراً له، ويحتفظ بعلاقات جيدة مع ايران، ويعمل من اجل اعادة الخلافة او الدولة الاسلامية الواحدة لجميع مسلمي العالم وإقامة شرع الله بالكفاح السياسي والفكري. وفي الجانب الشيعي من الحركات الاسلامية، حدث اختلاف حول اسلوب العمل الحزبي ومدى شرعيته باعتباره اسلوباً وافداً من الغرب، ففضل السيد محمد الشيرازي الذي كان ينشط في مدينة كربلاء التركيز على الاسلوب المرجعي كطريق للعمل الجماهيري، ورفع شعار ولاية الفقيه، لكنه لم يمانع من تأسيس تنظيم عرف باسم الحركة المرجعية، راح يعمل بصورة سرية حتى قيام الثورة في ايران وانتصارها عام 1979، حيث اعلن عن نفسه باسم "منظمة العمل الاسلامي" وأقام علاقات وثيقة مع القيادات الايرانية واعتمد العمل العسكري وسيلة لاسقاط النظام العراقي، وقام بعمليات عسكرية استهدفت رموز النظام اشهرها محاولة اغتيال طارق عزيز سنة 1980 في الجامعة المستنصرية، وانخرط في الحرب العراقية - الايرانية الى جانب ايران. وعلى الرغم من ان "منظمة العمل الاسلامي" كانت تؤمن بنظرية ولاية الفقيه من قبل وتعمل على استنساخ التجربة الايرانية في العراق، الا ان علاقاتها توترت مع القيادة الايرانية بسبب توتر العلاقة بين زعيمها المرجع الديني السيد محمد الشيرازي والامام الخميني ومن بعده خامنئي، على رغم محاولات قائدها السيد محمد تقي المدرسي الجمع بين الخطين. وتفرعت من "منظمة العمل الاسلامي" حركة اجتماعية بقيادة الشيخ جمال الوكيل اهتمت بشؤون اللاجئين سنة 1980 تحت اسم "حركة المهجرين"، ثم تطورت في اواسط التسعينات الى حركة سياسية باسم "حركة الوفاق الاسلامي" وهي اقرب الى فكر السيد الشيرازي وأطروحته في "شورى الفقهاء"، وتتخذ من دمشق مقراً لها لأنها في خلاف مع المسؤولين الايرانيين. وفي مقابل الحركة المرجعية انطلق "حزب الدعوة الاسلامية" يعمل بصورة سرية ويركز على الجانب الثقافي والتنظيمي ضمن خطة مرحلية امتدت من الخمسينات حتى نهاية السبعينات عند قيام الثورة في ايران، حيث اعلن عن وجوده خلال مؤتمر عقده في طهران عام 1980. في ذلك الوقت كان قادة الحزب الأوائل كالسيد مهدي الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والسيد محمد باقر الصدر والشيخ عارف البصري انسحبوا من الحزب نحو العمل المرجعي او استشهدوا تحت التعذيب في أقبية السجون في العراق. وتعرض الحزب في مؤتمره الأول الى خلاف حول الموقف من نظرية ولاية الفقيه، ادى الى انسحاب الشيخ علي الكوراني وأعلن في نهايته عن تعيين السيد كاظم الحائري فقيهاً للحزب، لكنه سرعان ما استقال ليطالب الحزب باعلان البيعة للامام الخميني. وفيما كان الحزب يقاتل الى جانب ايران ضد القوات العراقية ويعمل من خلال "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية" على اسقاط النظام العراقي وإقامة الجمهورية الاسلامية في العراق، كان يحاول ان يحافظ على قدر من الاستقلالية عن القيادة الايرانية. وعندما توقفت الحرب وتوفي الامام الخميني انقسم الحزب الى مجموعات فضل بعضها الهجرة من ايران والعمل من أوروبا وتحديداً المملكة المتحدة حيث راح يصدر جريدة "صوت العراق"، وفضل بعضها الآخر التعاون الوثيق مع ايران. وفي العام الماضي طالب الناطق السابق باسم الحزب الشيخ محمد مهدي الآصفي في كتاب له بحل الحزب وإعادة تشكيله على اساس الايمان بولاية الفقيه وإعلان البيعة للمرشد الايراني السيد علي خامنئي، لكن الآصفي فشل في اقناع غالبية كوادر الحزب التي فضلت حل المسألة بصورة أهدأ. وجاءت الاحداث الاخيرة في قم لتفجر العلاقة بين ايران والخطوط التي لم تعلن البيعة للمرشد خامنئي، وتدفع بجماعة لندن الى التظاهر والاعتصام امام السفارة الايرانية للمطالبة بالافراج عن اخوتهم المعتقلين في السجون الايرانية. اضافة الى ما ذكرنا، هناك احزاب اسلامية في كردستان العراق بعضها يشكل امتداداً للاخوان المسلمين كالحركة الاسلامية بقيادة علي عبدالعزيز، وبعضها يشكل امتداداً لايران كحزب الله الكردستاني. * كاتب عراقي مقيم في لندن