تكشف ندوات رسمية وغير رسمية في سورية ومناقشات النواب في البرلمان ومطالب رجال الاعمال السوريين، ان الغاء عدد من القوانين او على الاقل تعديلها "امر عاجل" لاعطاء دفعة مهمة لتحريك اقتصاد البلاد. والحجة الاساسية التي يقدمها مؤيدو ذلك ان عمر عدد من "القوانين المفتاحية" يتجاوز نصف قرن ويعود بعضها الى آخر ايام الانتداب الفرنسي وبداية عهد الاستقلال، مما يعني تخلفها عن مجاراة التطورات في قطاعات أخرى داخل البلاد او التغيرات الحاصلة على الصعيد الدولي، وبالتالي فان بقاءها سيترك آثاراً سلبية اجتماعياً واقتصادياً. ونتيجة الشعور بأهمية ذلك اعتبر كبار المسؤولين السوريين "تحديث القوانين ضرورة وطنية"، مطالبين البرلمان القيام بذلك في الدور التشريعي السادس الذي بدأ في بداية العام الجاري ويستمر اربع سنوات. ويُجمع المهتمون من تجار ونواب ومسؤولين على ان قوانين اساسية في حاجة الى معالجة هي : قانون العلاقات الزراعية الذي اقر العام 1958 وقانون الايجار للعام 1952 وقانون التنظيم والعمران والاستملاك للعام 1979 والقانون 24 للعام 1986. وتطال المطالب قانون الاستثمار الذي اقر العام 1991. وخصصت صحيفة "البعث" الاسبوع الماضي ملحقاً خاصاً لهذه القوانين وآراء مؤيدي التعديل او الالغاء ومعارضيه، علماً ان معظمها يعود الى العقود التي سيطر فيها التفكير الاشتراكي والاقتصاد المركزي التخطيط، وان الصحيفة ناطقة باسم "حزب البعث العربي الاشتراكي" الحاكم منذ العام 1963. وكتبت الصحيفة :"هذه القوانين محور عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولها آثار عميقة على التحولات الجارية والتطورات التي يشهدها الاقتصاد السوري والحياة الاجتماعية". وزادت: "من الخطأ الكبير ان تستمر القوانين والتشريعات على حالها من دون اي عمليات تحديث او تطوير جذرية"، رافضةً ان تسمي "التعديلات الثانوية التي تجري بين الفينة والاخرى على التشريعات والقوانين عملية تحديث وتطوير بقدر ما هي معالجات لحالات خاصة". وافرز جمود كل من هذه القوانين مشاكل كثيرة شكلت في مجملها عرقلة للعملية الاقتصادية في سورية. لذلك فان بعض الخبراء يعتقد ان البلاد لم تكن في العام 1991 في حاجة الى صدور قانون استثمار بقدر ما كانت في امس الحاجة الى الغاء القوانين النافدة، اذ ان وجودها أبقى على عقبات واقعية لم يستطع القانون رقم 10 تجاوزها. مثلاً: سمح هذا القانون التعامل بالقطع الاجنبي كما ان الحكومة اجازت في ايلول سبتمبر العام 1996 للمواطنين فتح حسابات جارية او ايداع قطع اجنبي في "المصرف التجاري السوري"، لكن ذلك لم يزل الشكوك لدى المودعين بسبب بقاء القانون رقم 24 نافذاً ويعاقب المتعاملين بالقطع الاجنبي بالسجن بين 15 و25 سنة. ووضع خبراء اقتصاديون هذا القانون "على رأس العثرات التي يشكو منها الصناعيون والتجار ذلك انه اداة تكبيل لحركة النشاط الصناعي والتجاري في البلاد وأدى الى قلة الاستثمارات الصناعية للمستثمرين السوريين وغير السوريين والى ارباكات وتعقيدات في عمليات الاستيراد والتصدير. وأوجد صعوبات بالغة في مسألة شراء الآلات من الخارج للانتاج الصناعي، اذ امتنعت المؤسسات الاجنبية عن بيع الآلات والمواد الاولية للصناعيين في سورية لعدم وجود اعتمادات مصرفية معززة من بنوك معروفة". واشار رئيس غرفة صناعة دمشق الدكتور يحيى الهندي الى انخفاض سعر الليرة السورية امام الدولار من اربع ليرات في النصف الاول من الثمانينات الى نحو خمسين ليرة حالياً، وان "القانون لم يخلق اي شيء من التوازن في سعر القطع، لأن التوازن يأتي من عوامل عدة"، وانه ادى الى "وقوعنا تحت سيطرة المصارف الاجنبية" وخسارة نحو مئة مليون دولار سنوياً في العمليات المصرفية التي تجري في لبنان والاردن في ضوء وجود القانون وعدم السماح بوجود مصارف خاصة او فروع لمصارف اجنبية سواء في البلاد او في المناطق الحرة. ويعتقد الخبراء ان الغاء هذا القانون سيزيد من رصيد المصرف المركزي كما حصل في مصر عندما ارتفعت قيمة رصيد المصرف المركزي من بليون دولار الى 21 بليوناً بعد الغاء قانون مشابه للقانون 24. والقانون الثاني الذي تتناوله الرغبة في التعديل هو قانون تنظيم العلاقات الزراعية للعام 1958 الذي استهدف وقتذاك "استثمار ارض الوطن بصورة صالحة، واقامة علاقات اجتماعية عادلة بين المواطنين"، ما لبث ان اتبع في العام 1963 بمرسوم ل "اضفاء حماية قانونية على المزارعين"، على خلفية التفكير الاشتراكي والتأميم الاقتصادي. ويعتقد خبراء ان القانون ادى الى "عزوف الناس عن العمل الزراعي الذي انعكس سلباً على الزراعة والانتاج الزراعي وتوجههم الى القطاعات الصناعية والخدمية في المدن". ولا يمكن تجاهل الانجازات التي حققتها الحكومة اخيراً في القطاع الزراعي اذ وصل مخزون البلاد من الحبوب الى اكثر من 5ر7 مليون طن. ووصلت قيمة الصادرات الزراعية لعام 9719 الى 953 مليون دولار، او نحو 24 في المئة من اجمالي ايرادات التصدير، وهي في المرتبة الثانية بعد الصادرات النفطية. لكن صحيفة "البعث" طالبت ب "حماية العمال الزراعيين" وتشميلهم باحكام قانون التأمينات الاجتماعية وتفعيل دور تفتيش العمل الزراعي بالنسبة الى العمال الزراعيين واصحاب العمل الزراعي، اضافة الى "قيام علاقة مزارعة بموجب عقد محدد بفترة زمنية" و"زيادة التعويضات التي يتقاضاها المزارع عند فسخ مزارعته لأحد الاسباب المحددة بالقانون". وكانت الحكومة سمحت في العام 1986 باقامة مشاريع زراعية كبيرة، الامر الذي أجازه قانون الاستثمار. لكن قانون العلاقات الزراعية حال دون تنفيذ مشاريع زراعية كبيرة من قبل شركات دولية. ويمكن الافادة من الرغبة في تعديل القانون رقم 10 في اعطاء تسهيلات اضافية للراغبين في الاستثمار في المجال الزراعي، على حساب القطاع الخدمي. وظهر جدل كبير في البرلمان ووسائل الاعلام حول قانون العمران والاستملاك للعام 1979 خصوصاً وان عدداً من المناطق أخلي اصحابها من قبل الدولة من دون الحصول على مقابل مادي معقول لأسعار السوق، مع ان قانوناً آخر يلزم ب "التعويض المناسب" للذين تخلى بيوتهم نتيجة "الاجراءات التنفيذية فهي تخالف نصوص القوانين مما يؤدي الى ضياع الحقوق العامة للمواطنين وللمؤسسات العامة". وقالت مصادر رسمية ان "حقوق المواطنين تهدر في مناطق التنظيم لصالح بناء الخدمات العامة" وان "التجاوزات التي تحدث تجعل من حقوق المواطنين هباء منثوراً لصالح شراة المقاسم". ويأخذ عدد من الخبراء عدم الالتزام بجميع مواد القانون وخصوصاً تلك التي تنص على ان: "كل استملاك مضى عليه اكثر من عشر سنوات ولم يحقق الغاية النفعية التي تم من اجلها، يعاد النظر فيه ويتم الغاؤه خصوصاً اذا ثبت ان الاستملاك تم وفق خطأ". في هذا المجال تعمل محافظة دمشق على استملاك منطقتين جنوبدمشق تنوي شركة سورية - سعودية اقامة 15 الف شقة فيهما بكلفة 250 مليون دولار اميركي. ويعطي قانون الاستملاك للمحافظة حق تملك هذه الاراضي والدخول فيها بثلث كلفة الشركة. وكان الأمر نفسه حصل في وسط دمشق عندما اخليت 75 عائلة لصالح اقامة الأمير الوليد بن طلال فندق "فور سيزنز" بكلفة تصل الى نحو تسعين مليون دولار اميركي. لكن اكثر قانون يلمس معظم المواطنين نتائجه السلبية هو قانون الايجار للعام 1952، ذلك ان الناس ينسبون اليه مشكلة طفرات ارتفاع اسعار العقارات في العقد الماضي بنسبة 200 في المئة الى حد ان وصل سعر الشقة الى مليوني دولار اميركي ووجود ازمة سكنية مع ان نحو 460 ألف شقة فارغة في دمشق حتى بعد انخفاض الأسعار في السنتين الاخيرتين بنسبة 50 في المئة. وقال معنيون: "اصبح هذا القانون يقترن دوماً بالاحساس باختلال موازين العدالة بين المؤجر والمستأجر" ذلك انه أجاز له تملك العقار عملياً بعد استئجاره بايجار رمزي. وكتبت صحيفة رسمية: "ان هذا القانون اصبح عائقاً امام التطور الاقتصادي والاجتماعي ويقف وراء ازمة السكن الخانقة فقد تحول مشكلة مزمنة لا يريد احد حلها، ليس لأنها عصية على الحل وانما لأن الرغبة لم تصل الى مرحلة اتخاذ القرار الجريء والحاسم على رغم الكم الهائل من الدعاوى التي تشغل القضاء". وزادت: "الحل في منتهى البساطة والوضوح وهو العودة الى القاعدة القانونية وهي العقد شريعة المتعاقدين". وينطلق محامون من الرغبة في تعديل عدد من القوانين او الغائها الى التشديد على "اعادة النظر في القوانين التي تؤكد مسألة تنفيذ الاحكام القضائىة وأهمية ذلك وصولاً الى اهمية هيبة القضاء وعدالة سلطته". وقال رئيس المحكمة الدستورية: "اسوأ اشكال التمرد على الاحكام القضائىة هو الامتناع عن تنفيذها، وهو طريقة فجة من المؤسسات التنفيذية تحمل في طياتها امتهاناً صارخاً للاحكام القضائىة واستهانة بما لها من احترام وقدسية"