في ضوء الخيبة التي خلفتها دورة الالعاب الآسيوية الأخيرة في بانكوك، يعكف الكثيرون من المهتمين بالرياضة السورية على البحث في اسباب الخلل وامكانيات تجاوزها لان مستوى هذه الرياضة تراجع بالتأكيد. ويشدد بعض هؤلاء على ان القاعدة الاساسية في البنية الرياضية هو النادي لانه الخلية الاولى ونقطة الانطلاق نحو التطور. غير ان هذه الحقيقة تكاد تكون في طي النسيان لدى المسؤولين الرياضيين المحليين ولا تحظى بالاهمية المطلوبة. ويعتقد مراقبون ان المسألة مادية بالدرجة الاولى لان معظم الأندية يعاني من عجز، وصل في بعضها الى حد الافلاس، وهي بحاجة ماسة الى المساعدات من الدولة. ويجمع هؤلاء على "ان الازمة التي تعاني منها الاندية تعود الى قلة وارداتها والى اقتطاع الاتحاد الرياضي العام جزءاً من عائداتها وهذا ما يوضح سبب تراجع مستوى الرياضة السورية". رغم معرفة المسؤولين الرياضيين السوريين بواقع الأزمة المالية التي تعيشها انديتهم، فانهم لا يزالون يتمسكون بآرائهم القديمة التي لا تسمح بتعديل النظم والقوانين الرياضية او فتح الباب امام الاندية للبحث عن مصادر دخل اضافية لان ذلك يعني التأثير على رواتب موظفي الاتحاد الرياضي. وأقر رئيس الاتحاد الرياضي العام سميح مدلل ب"العجز" الذي تعاني منه الاندية، وأسف مدلل لان "معظم الاندية الحديثة تفكر اول الامر بكرة القدم على حساب العاب اخرى وتنفق كل ميزانياتها عليها، الأمر الذي يضطرها الى الوقوع في عجز مالي". ويبلغ عدد الاندية السورية 375 نادياً. واوضح مدلل ان هذا العدد "ادى الى تنامي الانفاق على الانشطة الرياضية والمنتخبات الوطنية وصيانة المنشآت بحيث لم تعد معه امكانات الاتحاد وموارده كافية لتغطية كل هذا الانفاق، الامر الذي يدعونا دوماً الى البحث عن مصادر اخرى للتمويل". واهم دخل ل "الاتحاد الرياضي العام" مخصصاته من الموازنة العامة للدولة التي تصل الى مئة مليون ليرة سورية اي نحو مليوني دولار امريكي تقريباً اضافة الى اقتطاع 30 في المئة من عائدات الاندية. وتؤكد الارقام السابقة عدم قدرة الاتحاد على النهوض بالرياضة السورية خصوصاً ان مداخيله لا توازي اكثر من 2 في المئة من ارباح اشهر الاندية الاوربية. ولا تعتبر الاندية افضل حالاً من الاتحاد الرياضي، فكلها يعاني من عجز مالي سنوي دفع برؤساء الاندية الى مناشدة الاتحاد الرياضي صراحة بالتوقف عن مطالبتهم بتقديم الدعم له. ويحمل هؤلاء الاتحاد مسؤولية معاناة انديتهم. اذ قال رئيس نادي "المجد" الدمشقي احمد جبان ان ما تعاني منه الاندية يعود بشكل اساسي لاقتطاع الاتحاد الرياضي من عائداتها السنوية. ويعتبر واقع ناديه مثالاً، حيث بلغ عجزه العام الماضي نحو مليون ونصف المليون ليرة 30 الف دولار، رغم ان عائدات النادي تصل الى خمسة ملايين ليرة مئة الف دولار. لكن الاتحاد يقتطع من هذا المبلغ مليوناً ونصف المليون ما يشكل عبئاً كبيراً على نشاطات النادي، حسب قول جبان. واضاف مسؤول اضعف فرق الدرجة الاولى: "ان عائداتنا من مباريات كرة القدم قليلة وهي بحدود 400 الف ليرة للموسم الواحد يقتطع الاتحاد منها 120 الف ليرة بينما نحتاج الى 700 الف ليرة لتنقلات فرقنا بين المحافظات للمشاركة في مباريات الدوري، اي يصل العجز لدينا الى 400 الف ليرة في لعبة كرة القدم وحدها عدا التجهيزات والاصابات والنفقات ورواتب المدربين". ولا تشمل الارقام السابقة رواتب اللاعبين لانها لا تدفع اصلاً لهم في ظل اوضاع النادي. واوضح جبان ان النادي "يمنح هؤلاء الفي ليرة سورية شهرياً أجور مواصلات من التبرعات التي يقدمها اثنان او ثلاثة من ميسوري جمهور النادي وهي تصل الى حدود 70 الف ليرة شهرياً". ورغم فقر نادي المجد فهو مصنف لدى الاتحاد الرياضي من الاندية التي لا تحتاج الى مساعدات مالية، وعلى اساس ذلك يقوم باقتطاع نسبة ال 30 في المئة. وقال مسؤول في النادي :"لو ترك هذا المبلغ لنا لكان وضع رياضتنا افضل حالاً مما هي عليه الآن. اذ ان لاعبينا يأتون الى النادي محبة بالرياضة وعلى حساب اعمالهم وهم اما موظفون في دوائر الدولة او في القطاع الخاص حيث نجد منهم السائق والبلاط وبائع الخضار". ويتفق رئيس نادي "الوحدة" الدمشقي ممتاز ملص مع رأى جبان، ويحمل الاتحاد الرياضي العام مسؤولية الازمة المالية التي يعانيها ناديه. ورغم ان "الوحدة" هو من أغنى الاندية السورية لجمهوره الكبير في لعبتي كرة القدم والسلة فان عائداته لا تزيد على ثلاثة عشر مليون ونصف المليون ليرة ويعاني ايضاً من الديون التي وصلت الى حوالي مليوني ليرة بسبب عدم وجود منشآت رياضية له واستثمارات اقتصادية. ويعتمد بالدرجة الاولى على عائدات مباريات كرة القدم والسلة التي تدر عليه ثلاثة ملايين ليرة في الموسم الواحد اضافة الى تأمينه نحو 8،2 مليون ليرة نتيجة حصوله على اعلانات من شركتي "شل" و"الفا"النفطيتين، وقد تم تأمينها عبر بعض المسؤولين من مشجعي النادي. وتبقى اشتراكات اعضائه قليلة لعدم قدرة النادي على تحصيلها بالشكل المطلوب وتبلغ حجمها 400 الف ليرة. ويؤكد رئىس النادي ان دخل "الوحدة" من مباريات كرة القدم جيد ويصل في المباراة الواحدة الى 500 الف ليرة في احسن الاحوال، اما في مباراة كرة السلة فيصل الى 125 الفاً، لكن هذه المبالغ غير كافية برأيه للنهوض باعباء كرة القدم والسلة. ويختلف "الوحدة" عن "المجد" في انه يخصص رواتب شهرية للاعبين في كرة القدم والسلة وتصل احياناً الى اكثر من 15 الفاً 300 دولار، علماً ان راتب العامل في الدولة يبلغ وسطياً حوالي 100 دولار شهرياً، كما ان النادي يقدم الهدايا في المناسبات الخاصة ويساعد لاعبيه في معالجتهم من الاصابات. وفي الواقع لا تختلف بقية الاندية السورية الاخرى عن وضع هذين الناديين. ويصر معظم الاندية على انه في عجز مالي مستمر، وهو وضع يشكك فيه بعض المراقبين الذين يعتقدون ان اداريي الاندية لا يقدمون حسابات دقيقة عن مداخيل انديتهم الى الاتحاد الرياضي خوفاً من زيادة قيمة نسبة الحسومات. كما ان الاندية السورية لا تستفيد من عائدات الاعلانات داخل الملاعب التي تذهب الى الاتحاد الرياضي الذي يمتلك أغلب هذه المنشآت ولا من البث التلفزيوني االمجاني حالياً ولم تتم حتى الآن مناقشة امكانية بيع حقوق البث كي يستفيد منها الاتحاد الرياضي او الاندية. وطالما ان الاحتراف ممنوع داخل سورية الآن فان الاندية لا تجني اي ارباح من جراء انتقال اللاعبين بين الاندية السورية. ورغم السماح للاعبين بالاحتراف الخارجي فان هذا الأمر لا يعتبر ايضاً من مصادر الدخل الجيدة للاندية لان اكبر عقد حصل عليه لاعب سوري لم يتجاوز 15 الف دولار اميركي ونادراً ما نرى اكثر من لاعب في ناد واحد حصل على عقود احتراف خارجية . في ظل هذا العجز المالي الذي تعاني منه الاندية السورية تطرح اسئلة حول مدى امكانية تطور كرة القدم والرياضة عموماً من دون تقديم مساعدات مالية. لقاء مع مدلل تقدم الدولة الدعم المادي. ما هو حجمه؟ وهل هو كاف؟ - في ضوء تنامي الانفاق على الانشطة والمنتخبات وصيانة المنشآت لم تعد الامكانيات والموارد كافية لتغطية هذا الانفاق المتعاظم، وهذا ما يدعونا دوماً الى البحث الدؤوب لايجاد مصادر دخل اخرى قادرة على تلبية احتياجات الاتحاد الرياضي. كيف تقدمون الدعم للاندية؟ - شهدت الحركة الرياضية خلال السنوات القليلة المنصرمة نمواً مضطرداً في مجال حركة العضوية واحداث الاندية الرياضية لا سيما في المناطق الريفية، وتجاوز عدد المنتسبين الى الاندية الرياضية اكثر من نصف مليون شخص. ولا بد من الاشارة الى ان حجم النهوض ونسب النمو في مجال هذه الاندية تحكمها الانجازات المحققة لاعضائها ومدى قوة مجالس اداراتها وانسجامهم وجماهيرية هذا النادي او ذاك والالعاب التي تمارس فيه. والاتحاد الرياضي بشكل عام واستناداً الى نظامه الداخلي يقوم بمنح الاندية الرياضية الاهلية المرخصة اعانات مالية وانشائىة في ضوء الزيارات الميدانية لمقراتها وفي ضوء اللوائح التفتيشية المعدة لهذا الغرض وتقارير اللجان التنفيذية بالفروع والاتحادات الرياضية المعنية، وتحدد هذه الاعانة حسب حجم نشاط هذا النادي وحسب حاجاته لاكمال منشآته وملاعبه. وتتألف ايرادات النادي من: رسوم الانتساب والاشتراكات وريع المباريات والنشاطات المختلفة التي ينظمها النادي، وريع المباريات والنشاطات الاخرى من قبل اللجان التنفيذية او الاتحادات الرياضية او اللجان الفنية التي يشترك فيها النادي، اضافة الى اعانة الاتحاد الرياضي العام السنوية في مجال استكمال منشآت وملاعب النادي وريع الاموال المستثمرة وفوائد الاموال المودعة. وهناك الهبات والتبرعات الموافق عليها. هل هذا كاف لتطوير الرياضة؟ - يتمتع النادي بالشخصية الاعتبارية ويحق له ان يمتلك من الاموال المنقولة وغير المنقولة ما يحتاجه لتحقيق اغراضه واهدافه وقد اوضح الفصل الرابع من النظام الداخلي للاندية الرياضية السورية كل ما يتعلق بمالية النادي من حيث ميزانيته وصرفها وضبط الامور المالية فيه، وهو نظام مدروس يحقق الاستقرار والازدهار المالي لانديتنا اذا عرفت كيف تستفيد منه. هل تلعبون دور المراقب؟ -نحن في المكتب التنفيذي نتابع ونراقب وندقق في كل هذه الخطوات وفق الانظمة النافذة . لكن معظم الاندية يعاني عجزاً مالياً؟ - نعترف بان بعض الاندية يعاني عجزاً مالياً ونحاول قدر الامكان التخفيف عنها، لكن الامر يبقى في دائرة مسؤولية مجلس ادارة النادي من حيث متابعته لكل الامور الفنية والادارية ومن حيث زيادة الموارد المالية للنادي وتحصيل الرسوم والاشتراكات والاستفادة المثلى من الاعانة المادية المركزية له واستثمار منشآته وملاعبه بافضل السبل وحسب الامكانات المتاحة واقامة الانشطة الرياضية المفيدة التي تعود عليه بالريوع المناسبة. للاسف فان معظم الاندية الحديثة يفكر اول الامر بكرة القدم على حساب العاب اخرى وينفق كل ميزانيته عليها، الامر الذي يضطره الى الوقوع في عجز مالي مع اهمال سائر الالعاب الاخرى من اجل كرة القدم.