الكتاب: لغات العالم الحية والميتة ترجمة وإعداد: زياد الملاّ الناشر: دارالأهالي، دمشق، 1999 لا يخوض واضع الكتاب في مسائل تطوّر اللغات، أو في الصلات والروابط بينها، وكذلك لا تعنيه إشكالات العلاقة بين الفكر واللغة، وغير ذلك من قضايا يمكن أن تتبادر الى ذهن القارئ. وإنما يركّز جهده على تصنيف اللغات المعروفة اليوم، والتي يتجاوز عددها اكثر من ألفين وخمسمئة لغة. حيث يؤكد ان المحاولات الأولى لتصنيف اللغات قد ظهرت في القرن السادس عشر، ثم ظهرت طريقة علوم اللغة المقارنة تاريخياً وغيرها، مكتفياً بالتصنيف القائم على اساس النسب. يدرس الكتاب مئة وإحدى وعشرين لغة حيّة، وإحدى وعشرين لغة ميتة أو مندثرة، وذلك عبر دراسة إحدى عشرة مجموعة لغوية تشمل لغات العالم المعروفة لعلماء اللغات والآثار والأنتروبولوجيا الإناسة. إن عائلة اللغات الهندو - أوروبية تضم اثنتي عشرة مجموعة لغوية هي: 1- الهندية وتضم أكثر من تسعين لغة حيّة منها: الهندية والأوردو، وهما نوعان من انواع اللغة الأدبية الهندية الحديثة، والبنغالية، البنجابية، السنديّة، الكوجارية، الماراتخية، النيبالية، البيهارية، الآسامية، الكشميرية، الغجرية. ومن لغات هذه المجموعة الميتة: السنسكريتية وبالي والبزاكريتية. ولدى عودتنا الى ما أورده الكتاب من معطيات عن "الغجرية" مثلاً، اتضح ان اللغة الغجرية هي لغة المجموعات الغجرية الاثنية القاطنة في بلدان مختلفة من العالم. وكان أجداد الغجر قد غادروا الهند وتوزّعوا في أرجاء المعمورة، وبالدرجة الأولى في آسيا وأوروبا خلال الفترة ما بين القرنين الخامس والعاشر. وليست لهذه اللغة معايير محددة محكيّة أو أدبية، بل هي مجموع لهجات عدة بينها قرابة، نشأت بعد نزوح الغجر من الهند. وتعرّضت هذه اللهجات لتأثيرات مهمة من جانب لغات السكان الذين عاشوا في وسطهم او بالقرب منهم، في أوروبا وفي آسيا، وفي الأميركتين. وإلى بداية القرن العشرين ظلّت اكثرية الغجر لا تعرف القراءة والكتابة. بدأ علماء عدد من الدول الأوروبية يهتمون في القرن التاسع عشر بدراسة هذه اللغة والفولكلور الغجري، لا سيما في إنكلترا والإتحاد السوفياتي السابق، الذي صدرت فيه صحف ومجلات باللغة الغجرية، كما تطور المسرح الغجري وتأسس "المسرح الغجري" في عام 1931 بموسكو، وظهر عدد من الكتّاب الغجر في جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق وبولونيا والسويد وفنلندا وبلغاريا وغيرها. كما نشطت ترجمة الآداب الأوروبية إلى الغجرية. ونالت الأغاني الغجرية الشهرة والمجد في معظم بلدان أوروبا. 2- الإيرانية، وهي من اقرب المجموعات الى المجموعة الهندية وتضم: الفارسية، البوشتيّة، البلوجية، الطاجيكية، الكردية، الأسيتينية، التاتية وغيرها. ومن لغاتها الميتة: الفارسية القديمة والأفيستية، وكذلك: البهلويّة القرن الثالث - التاسع وهي محفوظة في ترجمة "الأفيستا" وتسمى هذه الترجمة "زند"، والميديّة من اللغات الشمالية الغربية من هذه المجموعة القرن الثامن قبل الميلاد، والبارثية القرن الثالث قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي في الجنوب الشرقي من بحر قزوين. فالفارسية لغة الدولة في إيران. وهي واحدة من اقدم لغات العالم الحيّة، إذ أنها كانت معروفة من القرن السادس قبل الميلاد. ويميّزون في تاريخها ثلاث فترات، قديمة ووسطى وحديثة. وقد مضى على اللغة الفارسية الحديثة بحروفها الكتابية العربية وتقاليدها الأدبية الغنية أكثر من 1100 سنة. 3- السلافية، وتضم: الفرع الشرقي الروسية والبيلوروسية والأوكرانية. الفرع الجنوبي البلغارية والمكدونية والصربية - الكرواتية والسلوفينية. الفرع الغربي التشيكية والسلوفاكية والصربية. ومن لغاتها الميتة: السلافية القديمة أو الكنسيّة القديمة، البولابية. 4- البلطيقية، وتضم: الليتوانية، اللاتفيّة، اللاتغاليّة. ومن لغاتها الميتة: البروسية التي اندثرت في القرن السابع عشر وكانت منتشرة في أراضي بروسيا الشرقية السابقة. 5- الجرمانية، وتضم: الفرع الاسكندنافي الدانماركية والسويدية والنرويجية والإيسلندية. الفرع الجرماني الغربي الإنكليزي والهولندية - الفلمنكية والفريزية والألمانية والإيديشية. الفرع الجرماني الشرقي. ومن لغات هذه المجموعة، الميتة: الغوطية الشرقية والغوطية الغربية. 6- الرومانسية، التي تضم: الفرنسية، البروفانسية، الإيطالية، السردينية، الإسبانية، الكاتالانية، الرومانية، المولدوفية، المكدونيّة - الرومانية. ومن لغاتها الميتة: اللاتينية واللاتينية السوقية المحكية في القرون الوسطى. 7- السلتيّة، التي تضم الإيرلندية والاسكتلنديّة. 8- اليونانية، وتضم: اليونانية الحديثة، بدءاً من القرن الثاني عشر. اليونانية القديمة ما بين العاشر قبل الميلاد والقرن الخامس الميلادي. 9- الألبانية. 10- الأرمينية. 11- الأناضولية. ومن لغاتها الميتة: الحثيّة وهي معروفة من الآثار المسمارية والهيروغليفية. 12- اللغات الفنلندية - الأوغورية، ومنها لغة فنلندا والمجر. 13- اللغات التركية، وتضم: التركية، الأذربيجانية، التركمانية، البشكيرية، الألطاي، الياقوتية، الكازاخية، القرغيزية، الأوزبكية. وكانت أغلبها تتعامل بالأحرف العربية الى العقد الثاني والثالث من هذا القرن، ثم تحولت الى الأحرف اللاتينية او الروسية، او وضع لها العلماء أبجديات مستحدثة خاصة بها. 14- اللغات المنغولية. 15- اللغات الصينية التيبيتية، وتضم: التايلاندية، الصينية والدونجانية والتاوية واللاوسية والفيتنامية، التيبتية، البورمية. 16- اللغات الأسترالية - الآسيوية. 17- اللغات المالاوية - البولينيزية أندونيسيا ومدغشقر. 18- لغات سكان أفريقيا الأصليين عشرات اللغات المحلية. 19- لغات الأسكيمو. 20- لغات أميركا الشمالية والوسطى والجنوبية. 21- اللغات الباليو - آسيوية الصغيرة، مثل التشوكوتية والسيبيرية. وهناك لغات مستقلة، في طليعتها اللغة العربية وتفرّعاتها، واليابانية والكورية وغيرها. وقد أشار الكاتب الى لغات مندثرة خارج نطاق المجموعات والعائلات اللغوية، ومنها السومرية وهي احدى اللغات المسمارية العريقة في منطقة ما بين النهرين، وكانت لغة حية في نهاية الألف الرابع وفي الألف الثالث قبل الميلاد، ثم آلت الى الزوال في فترة إزدهار بابل وآشور. ولم يتفق اللغويون، الى الآن، على طبيعة الصلة بينها وبين غيرها من لغات المنطقة، علماً انها عُرفت من النصوص المسمارية العائدة الى الفترة ما بين القرن التاسع والعشرين قبل الميلاد والقرن الأول قبل الميلاد. وفي معرض حديثه عن العبرية، يرجع المؤلف هذه اللغة الى المجموعة الكنعانية من اللغات الشمالية الغربية الموسومة اصطلاحاً بالساميّة. وتكوّنت العبرية من خليط من اللهجات واللغات، التي تشكّل الآرامية قوامها الأساسي، ولا سيما في مجالي المفردات والنحو. وقد تطورت المصطلحات الفلسفية والنحوية للعبرية في العصر الوسيط، تحت تأثير اللغة العربية. وفي القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وضعت قواعد نحويّة ولغوية جديدة على يد بعض العلماء والباحثين اليهود، اعتماداً على اليديش والألمانية وجملة من المفردات العالمية واقتباسات واسعة من اللغات القريبة. ويؤكد علماء اللغات ان العبرية ظهرت على اساس الكتابات الفينيقية، التي كانت منتشرة في الساحل السوري، كما اخذت بصورة كبيرة من الآرامية القرن الخامس - الرابع قبل الميلاد، والتي على اساسها تطور ما يسمى بالكتابة العبرية مربّعة الشكل. اما اللغة العربية فيبلغ عدد الناطقين بها اكثر من مئتي مليون نسمة من العرب، اضافة الى عدد من شعوب اخرى ناطقة بالعربية. وإلى جانب اللغة العربية الفصحى توجد لهجات اقليمية، قريبة في ما بينها من حيث منظومتها النحوية - الصرفية، وإن كان ثمة تمايزات بينها في مجالي المفردات والصوتيات. وتندرج اللغة العربية ضمن الفرع الجنوبي من "المجموعة السامية" للغات الأسرة الساميّة - الحاميّة. وأما الكتابة العربية فقد ظهرت على اساس الآرامية. ويرتبط انتشارها بالفتوحات الإسلامية، التي أدّت الى تعرّض لغات اخرى التركية، الفارسية، الأوردو لتأثيراتها الواسعة، حيث تلقّت من العربية كمّاً كبيراً من المفردات يصل الى 60 في المئة. كما أن اللغة العربية، أغنت بدورها معجمها اللغوي من لغات الشعوب الإسلامية المجاورة. وهذه سمة ملازمة للغات والحضارات الكبرى.