لعله الإسم الذي شغل الصحافة، وصحافة المجتمع على وجه الخصوص، اكثر من أي اسم آخر، طوال الربع الثالث من القرن العشرين. فالرجل أمسك المجد من طرفيه... نسائياً على الأقل، حيث انه، الى ارتباطه بالعديد من النساء مصادقة أو زيجة، اشتهر بارتباطه بأمرأتين من اشهر نساء الأرض في زمنهما: مغنية الأوبرا ماريا كالاس، وأرملة الرئيس الاميركي جون كينيدي، السيدة جاكلين كينيدي. فإذا أضفنا الى هذا ما أحصي من ثروته عند رحيله عن عالمنا يوم الخامس عشر من آذار مارس 1975، لم يقل عن 500 مليون دولار، وكان الدولار في ذلك الحين يساوي شرائياً، غير ما يساويه اليوم، نفهم جزءاً من اسطورة الرجل واسمه ارسطوطاليس سوقراطس أوناسيس. أما الجزء الآخر فيرتبط بحكاية عصاميته وكونه تمكن في صباه وشبابه من ان يكون ثروته بنفسه، وتلك حكاية جديرة بأن تروى. إذاً، في أيامنا هذه، قد يكون اوناسيس أضحى نسيا منسياً، لكنه قبل عقود من السنين كان مالئ الدنيا وشاغل الناس. وكانت حكاية صعوده وتحقيقه لثروته تروى كمثال يحتذى. في الأصل يتحدر أوناسيس المولود في العام 1906، في مدينة أزمير التركية، من أسرة يونانية موسرة يتاجر ابناؤها بالتبغ والتنباك. غير ان هذه الأسرة فقدت ثروتها وتجارتها في العام 1922 حين انتفض الأتراك ضد اليونانيين وطردوهم من أزمير وصادروا أملاكهم وثرواتهم. وعلى هذا النحو وصل الفتى وأهله الى اليونان فاقدين ما يملكون. على الفور أرسل الأهل الفتى الى أميركا الجنوبية عله يجد طريقه الى الثروة من جديد. وبالفعل توجه الفتى الى بوينس ايرس في الارجنتين، حيث عمل مناوباً ليلياً في شركة الهاتف. اما في النهار فراح يمارس تجارة التبغ، على الخفيف، بمساعدة صديق لأسرته. وهو حقق في عمله نجاحاً كبيراً وسريعاً، حين تمكن من ان يقنع الارجنتينيين بتدخين التبغ الشرقي، ما رفع مستوردات هذا التبغ من 10 الى 35 في المئة. وهو احتفظ لنفسه بنسبة 5 في المئة من الارباح، ما أتاح له ان يجمع نحو 100 ألف دولار خلال عامين. كان الفتى، عند ذاك، قد بلغ الثانية والعشرين من عمره. ولقد لفت نجاحه أنظار وطنه اليونان، فطلبت منه الحكومة اليونانية ان يفاوض زميلتها الارجنتينية بصدد معاهدة تجارية بين البلدين ففاوض ونجح، ما جعله يعين قنصلاً عاماً لليونان في بيونس ايرس. ومنذ تلك اللحظة، اصبحت حكاية نجاحه وصعوده حكاية عادية ومتسارعة، فهو اذ بلغ الخامسة والعشرين من عمره كان قد جمع أول مليون دولار، وأسس مصنعاً للتبغ ومؤسسات تجارية عديدة. وفي العام 1932، اشترى من شركة ملاحة كندية ست سفن شحن صغيرة دفع فيها 120 ألف دولار وهكذا أصبح صاحب شركة ملاحة صغيرة. وفي العام 1938 بنيت لحسابه سفينة لشحن النفط، وهو خلال الحرب العالمية الثانية تمكن من شراء ناقلتي نفط اضافيتين. وهكذا راح يتكون اسطوله من ناقلات النفط، ذلك الاسطول الذي لم يتوقف عن التضخم والإزدهار خلال سنوات الأربعين والخمسين. ولقد بلغ به الإزدهار ان اشترى في أواسط سنوات الخمسين 17 ناقلة نفط في عام واحد. وهو منذ الحين راح ينوع اهتماماته وتوظيفاته فاشترى معظم اسهم شركة عالمية كانت تملك كازينو مونت كارلو والعديد من الفنادق وصالات المسارح. ولقد زاد من ثرائه ثراء زواجه، الأول، في العام 1946 من اثينا ليفانوس، ابنة عملاق الملاحة اليوناني ستافروس ليفانوس. وهو لئن كان قد طلقها في العام 1960، فإن ذلك الزواج بسنواته الطويلة ساعد اوناسيس على تدعيم مكانته العالمية. ومما يذكر انه كان في الوقت نفسه، صديقاً لماريا كالاس، حيث ظل اسماهما مرتبطين، وصداقتهما عميقة. غير ان اوناسيس فاجأ العالم كله في العام 1968 بإعلان زواجه من السيدة جاكلين - بوفييه كينيدي، أرملة الرئيس جون كينيدي، ولم تمض بعد خمس سنوات على اغتيال زوجها، مما طرح الكثير من علامات الاستفهام في الصورة اوناسيس وجاكلين. رحل اوناسيس عن عالمنا، وهو يقارب السبعين من عمره، لكنه حتى سنواته الأخيرة كان من الحيوية والنشاط والحضور بحيث كان يثير إعجاب متابعي صفحات المجتمع في الصحف والمجلات.