رحل الفارس ابو محمد احمد فارس بهدوء شديد، دون اي صخب، ودون وداع.. رحل على هذا النحو مع انه كان كتلة انسانية قوامها: رصانة وحصافة الشيوخ، وايضا هياج وغضب الشباب. أأقول "كان"؟ ما اصعبها من كلمة تقال عن احياء يقيمون بيننا حتى ولو هم رحلوا... هل يكون مذاق لبنان هو المذاق ذاته بعد رحيل احمد فارس؟ دون احباء في لبنان وفي الطليعة منهم أبا محمد، لن يكون المذاق بالتأكيد هو المذاق. غير ان لغياب السنديانة المتجسدة في احمد فارس اثره الكبير والخاص. فهو ليس سنديانة عتيقة فحسب، بل معتقة ايضا، ومنعتقة كذلك. وما اجمل انعتاقه الذي جعل منه رمزا لشباب متجدد في إهاب شيخ جليل. عرفت وصادقت رموزا فكرية واكاديمية ونضالية عديدة تجسد للقومية العربية، لكنك يا أبا محمد كنت لي رمزا للقومي العربي... التلقائي العفوي. وبذلك، كنت عندي في واقع حالك الذاتي واحدا من ممثلي جماهير هذه الامة العربية التي نطقت بالقومية العربية على نحو عفوي تلقائي جميل، وسارت في مواكبها وبخاصة في الخمسينات والستينات على نحو نضالي هادر. واليوم، أتساءل: ماذا جرى معنا؟ ولنا؟ وماذا جرى لذلك الرباط القومي الذي جمعنا نحن "أهل الشارع السياسي" ولم يجمع بالضرورة "اهل الحل والربط" من مسؤولين رسميين وغير رسميين؟ والآن، قد كنت لي دوماً والداً ثانياً، "ورب أب لك لم تلده جدّتك"! ولأنك كذلك، لطالما عدت اليك بأفكاري كي احصّن نفسي من وباء الجهوية المريضة والاقليمية البغيضة التي حملتها ولا تزال تحملها، هبّات من الرياح السموم التي تعصف بين فينة واخرى بنوافذ بيتنا العربي الكبير. ويا أيها اللبناني الأصيل، الفلسطيني الأصيل، وبالتالي العربي الأصيل، لا نقول اليوم "وداعا"، بل نقول: "أنت معنا حتى نلتقي"... أحمد فارس : من مواليد 1910 في بلدة القرعون في البقاع تعليمه الجامعي في كندا حيث تخرج مهندساً في العام 1934 عمل بعدها مباشرة في فلسطين وله أياد بيضاء في اعمال الاعمار والانشاء فيها خاصة في منطقة الحمة وبسبب مواقفه القومية العربية وأصالته النضالية الفلسطينية تم انتخابه نقيبا للمهندسين في فلسطين. ثم نزح في العام 1948 عائداً الى بلدته الأصلية حيث استمر في نشاطاته البنائية وفي مواقفه القومية الأصيلة الى ان وافاه الأجل. د. أسعد عبدالرحمن غزة