اخترق موكب جنازة الملك حسين بصعوبة الامواج البشرية التي تدافعت حوله في شوارع عمّان ليستقر في قصر رغدان الذي شهد تجمعاً دولياً غير مسبوق ضم أكثر من 40 زعيماً دولياً من بينهم 4 رؤساء أميركيين والرئيسين الفرنسي والروسي ورؤساء مصر وسورية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، وولي العهد السعودي وأمين عام الأممالمتحدة. وكانت مراسم الجنازة بدأت في "باب السلام"، القصر الذي كان يقيم فيه العاهل الأردني حيث ودعته العائلة المالكة ليحمل بعدها النعش المغطى بالعلم الأردني على سيارة عسكرية مكشوفة تتقدمها سيارات عسكرية حمراء الموكب الأحمر، فيما تلثم الجنود والضباط بالكوفيات الحمراء أسوة بالعائلة المالكة. وبدت العاصمة الأردنية، باستثناء الشوارع التي سلكها الموكب، وكأنها مدينة أشباح اذ تابع المواطنون محطات التلفزة، وهي تبث مباشرة مراسم الموكب الجنائزي الملكي، فيما آثر عشرات الآلاف تحدي الطقس البارد لوداع مليكهم الى مثواه الأخير. ورفعت الاعلام السوداء على البيوت والسيارات وأغلقت الدوائر الرسمية والخاصة والمحلات التجارية والمطاعم، وظلت الجوامع تبث القرآن الكريم فيما قرعت أجراس الكنائس. وامتلأت فنادق عمان بمئات الصحافيين والفنيين من مختلف شبكات التلفزة والاذاعة والصحف ووكالات الانباء عربية ودولية. وشهدت شوارع عمان التي اجتازها الموكب اصابات جراء التدافع وحالات إغماء. وبوصول النعش الى القصور الملكية نقله 8 ضباط الى قاعة العرش في قصر رغدان ووضع على طاولة مغطاة بالقماش الأبيض ووضع على العلم الأردني العلم الخاص بصاحب العرش. وأحاط به 4 ضباط من الحرس الملكي الخاص الذين يرتدون الزي الشركسي التقليدي. وبعد ان ألقى أفراد العائلة المالكة يتقدمهم الملك عبدالله بن الحسين النظرة الأخيرة على الجثمان تبعهم كبار موظفي الدولة الأردنية والسفراء وممثلو القطاعات الشعبية والرسمية. ولوحظ ان رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس خالد مشعل والذي يحمل الجنسية الأردنية كان من بين الأردنيين الذين ألقوا نظرة الوداع قبل الضيوف من الخارج. ولم يكن ثمة ترتيب لدخول زعماء دول العالم الذين تدفعوا أمام القصر لإلقاء النظرة الأخيرة. فالرئيس الأميركي بيل كلينتون والرؤساء الاميركيون جيمي كارتر وجورج بوش وجيرالد فورد. جاء دورهم بعد الرئيس السوري حافظ الأسد وممثل الرئيس الايراني والرئيس اليمني علي عبدالله صالح. وبدا الرئيس كلينتون متأثراً في وقوفه أمام النعش صامتاً لمدة دقيقة ومعه الرؤساء الأميركيون الأربعة، فيما قرأ الرؤساء العرب الفاتحة باستثناء الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي أدى التحية العسكرية. وكان الرئيس السوداني عمر البشير أكثر الزعماء وقوفاً أمام النعش حيث قرأ الفاتحة وعدداً من الأدعية. ووحد الحزب زعيم ليكود بنيامين نتانياهو وزعيم المعارضة العمالية ايهود باراك اللذين وقفا مع شارون أمام النعش. وكانت الحملة الانتخابية الإسرائيلية الشرسة فرقت الوفد الاسرائيلي على طائرتين في طريقهما الى عمان. طائرة لليكود وأخرى للعمل. كما حضر الرئيس الاسرائيلي عزرا وايزمن ورئيسا الحكومة السابقان شمعون بيريز واسحق شامير. ولأول مرة منذ الاجتياح العراقي للكويت حضر ولي العهد الكويتي سعد العبدالله الصباح الى عمان على رأس وفد كبير وتلا الفاتحة على الجثمان. وبعد انتهاء الضيوف من إلقاء النظرة الأخيرة رفع الحرس الشركسي علم صاحب العرش عن النعش وبقي العلم الأردني يغطيه، ونقل بعدها على أكتاف 8 ضباط الى عربة مدفع تغطيها أكاليل الزهور البيضاء. واتجه المشيعون يتقدمهم الملك عبدالله وولي العهد الأمير حمزة وولي العهد السابق الأمير الحسن الى مسجد لواء حمزة بن عبدالمطلب الحرس الملكي حيث صلي على الجثمان بعد صلاة العصر. وضاق المسجد بالمدعويين الذين ظل أغلبهم في الساحة الخارجية. وبعدها اتجه المشيعون الى المقابر الملكية. وتقدم الجثمان مباشرة إمام الحضرة الهاشمية الشيخ أحمد هليل فيما أحاط به حرس الشرف وسار خلفه حملة الأوسمة التي تقلدها الملك حسين وفرس بيضاء. وفي غضون ذلك كانت موسيقى القوات المسلحة تعزف اللحن الجنائزي. وقبل دفن الجثمان تحت مظلة خضراء طوى ضابطان العلم الأردني وسلماه الى رئيس هيئة الأركان عبدالحافظ مرعي الكعابنة الذي سلمه بدوره الى الملك عبدالله بن الحسين. وفيما حلقت 4 طائرات اف 16 و4 طائرات ميراج فوق الضريح عزفت الموسيقى لحن الرجوع الأخير واطلقت 15 طلقة. ونزل الى القبر مع إمام الحضرة الهاشمية الأمير حمزة ولي العهد، وأخرج الجثمان من التابوت وتلي عليه القرآن والأدعية. وبعد الدفن اصطف أفراد العائلة لتقبل العزاء يتقدمهم الملك عبدالله ثم الأمراء محمد بن طلال وحسن بن طلال وعلي بن نايف وابناء الحسين فيصل وعلي وولي العهد حمزة وهاشم وزيد بن شاكر. وظل أفراد العائلة المالكة الى المساء يتقبلون العزاء من زعماء العالم والمسؤولين الأردنيين. واعتبرت أوساط سياسية في عمان ان الحشد الدولي الذي شهدته عمان "غير مسبوق في التاريخ". فلأول مرة يتجمع هذا العدد من زعماء العالم على "اختلاف أوزانهم وتوجهاتهم" من نتانياهو الى خالد مشعل. ودعت تلك الأوساط الى ترجمة "المشاعر الى دعم حقيقي للعهد الأردني الجديد". ومن المؤكد ان الملك الأردني الجديد حصد في أول ظهور سياسي له الرصيد الهائل الذي ورّثه له والده الملك حسين الذي أعلنت وفاته رسمياً أول من أمس.