يرى الدكتور محمد فياض، احد اشهر الاختصاصيين في امراض النساء، في كتابه "البتر التناسلي للإناث" الذي صدر حديثاً عن دار الشروق في القاهرة، ان ختان الانثى عملية همجية مدمرة بدنياً ونفسياً، ويعتبره "لعنة" تمثل احدى وسائل العنف المستخدم ضد المرأة لا تزال سائدة في مجتمعات عدة. بدأت علاقة الدكتور محمد فياض بالختان منذ اليوم الاول لعمله طبيباً، اذ يقول: "كنت في قسم الاستقبال في مستشفى قصر العيني، وكان يفترض ان يكون هذا اليوم اسعد ايام حياتي، لكن ما جرى خلاله بدل مشاعري. فقد فوجئت برجل وزوجته يحملان ابنتهما البالغة من العمر سبع سنوات وهي تنزف بغزارة بعد عملية ختان فاشلة. حاولت تقديم الاسعافات العاجلة لها، لكن الاوان كان قد فات، فقد توفيت بعد ربع ساعة… ومن يومها ناصبت الختان العداء". ويضيف فياض: "بعد ذلك باسبوعين تكرر المشهد مرة ثانية مع طفلة في الثامنة من عمرها، كانت تنزف لكن كان في الامكان انقاذها لو تم نقل دم اليها، ولأن فصيلتها من فصيلتي، لم أتردد لحظة واحدة في تزويدها بكمية الدم المطلوبة حتى نجت، وبقيت هذه الفتاة على صلة بي الى اليوم، وولدتها مرتين، وهي ترسل لي هدية في عيد ميلادي كل عام". واذا كانت التجربة المباشرة حددت موقف الدكتور فياض في الختان منذ البداية، فان الفيلم القصير الذي اذاعته شبكة "سي.ان.ان" لعملية ختان الطفلة نجلاء، وعرض على مدى عشر دقائق، هو الذي حوّل الختان من عملية مقبولة لدى الرأي العام في مصر، الى قضية سياسية ساخنة، خصوصاً وان الفيلم عرض اثناء انعقاد المؤتمر الدولي للسكان في القاهرة، وسلّط الاضواء على عمليات الختان التي ما زالت تجرى في مصر، ويقدر عددها يومياً ب 3600 عملية. ولا يقتصر الامر على مصر، فالختان يتم في مناطق عدة من العالم، وتشير التقديرات الى ان عدداً يتراوح بين 100 و114 مليون انثى في العالم خضعت لعملية الختان، غالبيتهن في قارة افريقيا وحدها، حيث يمارس الختان في 25 دولة منها. ولا يقتصر الختان على شعوب افريقيا والعالم الثالث، فرغم اعتباره امراً غير قانوني في بريطانيا منذ العام 1985، فإن عشرات الفتيات يخضعن هناك لهذه العملية. وفي فرنسا، توفيت فتاتان في العام 1982 من جراء هذه العملية، وجرت اخيراً محاكمة "داية" ختنت نحو مئة فتاة من مالي في العاصمة الفرنسية. وفي السويد خضعت نحو 16 الف فتاة للختان، ويرتفع الرقم في الولاياتالمتحدة الى 168 الفاً. والنسبة الغالبة من الفتيات اللائي يخضعن لهذه العملية في هذه الدول مهاجرات من اصول افريقية او آسيوية. وفي مصر أيّدت المحكمة الادارية العليا قرار وزير الصحة بمنع ختان الاناث في جميع وحدات وزارة الصحة، وحظر اجراء هذه العملية على يد كل العاملين في القطاع الطبي من اطباء وهيئات تمريض. واستندت المحكمة في قرارها الى ان الختان لم يرد به نص شرعي. وينفي الدكتور فياض ان يكون اصل الختان فرعونياً كما يشاع، "لم يكن ختان الانثى معروفاً لدى المصريين القدماء، وحضارتهم احترمت المرأة وصانت كرامتها". فيما اكدت الدراسات ان لا علاقة له بالدين، وانما هو "موروث ثقافي ليس اكثر"، وعادة تمارسها مجتعات خصوصاً في البيئات الاكثر فقراً وأمية، إن في مصر ام في اي بلد آخر.