مكة المكرمة حاضرة الحجاز ولها الكثير من الأسماء تشريفاً وتعظيماً لمقامها أم القرى، بكة، دار المقامة، بيت الله الحرام، قبلة المسلمين وغيرها يؤمها الناس سنوياً من مختلف بقاع الأرض لأداء مناسكهم. وجاء في المنجد "مسقط رأس النبي العربي ومحجة الإسلام، فيها البيت الحرام والكعبة الشريفة، مركز ديني عالمي". وتختلف جغرافية المدينة عن سواها من المدن المحيطة بها، فالمسجد الحرام يقع وسط واد كبير تحيط به الجبال من كل جانب وان تفاوتت في أحجامها وارتفاعاتها وانحداراتها، وجميعها تطل على المسجد الحرام تقريباً، وبنيت مساكنها بصورة دائرية حول المسجد الحرام الذي يعد مركزها. وتمكنت الحكومة السعودية من تنظيم المساكن المحيطة بالحرم تنظيماً دقيقاً من خلال مراحل التوسيع التي أدخلت على الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام بعدما كان العمران حول المسجد عشوائياً الى حد كبير وان حافظ على شكله العام من الدائرة الأصغر حول المسجد الى الدوائر الأكثر إتساعاً في المناطق التي تتبعها. ومكة اليوم مدينة عصرية بكل المعاني، تتطور بنيتها عاماً بعد آخر لمواكبة الأعداد المتزايدة التي تفد اليها في مواسم الحج والعمرة. وينتظر في الفترة المقبلة أن يكتمل برنامج اعادة رسم مخططها العام هيكلياً للأعوام الپ50 المقبلة بعدما شرع في درس المعطيات الخاصة بذلك. واشتملت تقسيمات المخطط على درس المنطقة ذات العلاقة بالعاصمة المقدسة والممتدة من مدينة الطائف شمالاً الى مدينة جدة غرباً مروراً بمكة، اذ حددت العلاقة بين المدن الثلاث في مجالات النقل والنشاط الإقتصادي والنواحي السكانية، الهيكل العمراني لمكةالمكرمة بعدما أشارت الدراسات الى إحتمال أن يصل عدد سكانها في المواسم بعد 50 عاماً الى أكثر من 9.4 مليون نسمة على أساس ان عدد سكان المدينة 4.6 مليون والحجاج والزوار 4.8 مليون. وكان تطوير مكةالمكرمة يتم مرحليا كل عشرة أعوام باستثناء المشاريع التي تنفذ وفق دراسات خاصة. ويبلغ عدد زوارها اكثر من خمسة ملايين زائر سنوياً، وارتفع العدد في الأعوام الأخيرة بعد تيسر سبل النقل والمواصلات. واستحوذ العمل في مجال الطوافة على حيز كبير من الأهمية في حياة المجتمع المكي قديماًً، لما له من تشريف لمن يقوم بخدمة ضيوف الرحمن والسهر على راحتهم وارشادهم الى مناسكهم. وتفرغ جماعة من أهالي مكة وسكانها للأعمال والمهن والحرف البسيطة التي لها علاقة بالحج والحجاج، وتعتبر المصدر الرئيسي لدخلهم على مدار العام. واليوم لم تتغير أعمال المكيين عن السابق وان تطورت بحكم التطور الذي وصل اليه العالم، فبعضهم لا يزال يعمل في مهنة الطوافة التي ورثها من الآباء والأجداد، فيما تطورت المهن الصغيرة الى صناعات حديثة لتأمين حاجات الزوار والحجاج وتنوعت فيها التجارة بحسب أنماطها العالمية. ولمكة موسم دائم في استقبال الزوار والمعتمرين والحجاج على مدار العام خصوصاً في الأعوام الأخيرة، بعدما توافرت لها الإمكانات الأساسية، وازدادت مساحتها نحو خمسين ضعفاً عما كانت عليه قبل نحو عشرين عاماً. وهي مقسمة الى خمس دوائر يصل متوسط سعر المتر المربع من أرضها في الدائرة الأولى بين 300 و 350 ألف ريال 80 - 93.3 ألف دولار، وفي الدائرة الخامسة بين 15 و20 ألف ريال سعودي، وفيها نحو عشرين مخططاً سكنياً في المناطق غير البعيدة كثيراً عن المسجد الحرام بحكم جغرافيتها ، ويراوح عدد سكانها بين 650 و700 ألف نسمة حالياً، ويتوقع أن يصل عددهم الى مليون ونصف مليون نسمة قريباً. ويقدر رجل الأعمال عبدالرحمن فقيه مجموع من ستضمهم المدينة بعد نحو ست سنوات بپ5.2 مليون نسمة بمن فيهم الحجاج من داخل السعودية وخارجها. وقدرت دراسة صدرت عن المركز السعودي للإستثمار الخاص مطلع عام 1997 استثمارات القطاع الخاص السعودي في المجال السياحي والعقاري بأكثر من 30 بليون ريال ثمانية بلايين دولار. وتوقعت الدراسة نفسها استثمارات تزيد عن عشرة بلايين ريال2.33 بليون دولار في خمسة أعوام في المجال نفسه. وقال الدكتور عمر باقعر استاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز لپ"الحياة" أن تقديرات عوائد الإستثمارات العقارية في مكةالمكرمة تراوح بين 12 و 14 في المئة على رغم أن العوائد تنقسم الى جزئين الأول في الأصل والثاني في العائد النقدي. ويتوقع خبراء الاقتصاد والعقار في السعودية زيادة الإستثمارات العقارية في المدينة خلال السنوات المقبلة لمواجهة الزيادة العددية المتوقعة في المواسم سواء للعمرة أو للحج. وكانت توسعة خادم الحرمين الشريفين للحرم المكي الشريف أبرز الانجازات فيها خلال الأعوام العشرة الأخيرة بعدما بلغت مساحة المسجد بإكتمالها 356 ألف متر مربع فيما كانت لا تتجاوز 160 ألف متر مربع ليتسع المسجد لأكثر من مليون مصل بعدما كانت طاقته الاستيعابية لاتتجاوز 340 ألف مصل. وبلغت كلفة توسعة المسجد 12 بليون ريال سعودي، وربما زادت اذا دخلت الجهة الشرقية للمسجد في مراحل التنفيذ بعدما تردد أخيراً ان الحكومة السعودية في صدد اجراء عملية توسيع جديدة للساحات الرئيسية التابعة للمسجد من جهة الشرق، ورصدت لها مايقارب ألف مليون ريال سعودي. وفي مكة اليوم شبكة من الطرق الرئيسية تربطها بالمدن المحيطة بها ومناطق المشاعر المقدسة، من ضمنها 54 نفقاً تخترق الجبال المحيطة بالحرم يبلغ طولها 30 كيلومتراً خصصت عشرة منها للمشاة لاستخدامها أيام الحج و44 أخرى للسيارات. "شركة مكة للانشاء والتعمير" وتفعيلاً لآمال خادم الحرمين الشريفين نحو المدينة المقدسة ووجود جهود شعبية لتطوير المدينة مواكبة لجهود الدولة، تم تأسيس "شركة مكة للإنشاء والتعمير" ايذاناً بانطلاق مشروعها الأول لملاحقة متطلبات العصر، وتزايد أعداد الزوار والوافدين عاماً بعد آخر. وانطلقت الفكرة من ان كثيراً من المواقع في مكة يمكن أن يستوعب أضعاف ما يستوعبه حالياً اذا توافر التخطيط والاستثمار المثمر وتم إستغلال المساحات والمناطق العشوائية فيها الإستغلال الأمثل. وبالفعل تم بناء الجزء الأول من مشروع الشركة بتطوير 14 ألف متر مربع الأمر الذي أحدث نقلة مختلفة في تاريخ عمارة البلد الحرام. وتنوي الشركة قريباً البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من مشروعها الذي يشمل منطقة جبلية بنيت عليها مساكن شعبية وأخرى حديثة طاقتها الإستيعابية جد قليلة بالقياس مع مشروع المرحلة الثانية للشركة الذي تصل كلفته الى ستة ملايين ريال. وقال مسؤولون في الشركة لپ"الحياة" ان الجزء الثاني من المشروع يتضمن عشرة أضعاف الأبراج السكنية التي بنيت في المرحلة الأولى. وأضافوا ان "منطقة المشروع في الجزء الثاني هي عبارة عن منطقة جبلية ذات إرتفاعات حادة، وتنتشر فيها المساكن في صورة عشوائية، وتحتوي أكثر من ألف عقار من النوع الصغير، لا تتجاوز الاستفادة منها في مواسم الحج الپ25 في المئة". وستحافظ الشركة على الطراز المعماري الإسلامي من حيث الشكل على أن تستخدم التقنيات الحديثة والمتطورة في مراحل المشروع كافة. وتتواصل الدراسات التطويرية التي تقوم بها جهات رسمية وخاصة، في ظل اهتمام القيادة السعودية بكل ما من شأنه تعظيم مكانة المدينة، ولعل في مقدمها شبكة السكة الحديد التي تربطها بمناطق المشاعر والمطار الإقليمي وغيرهما.