أحدث القوانين الأوروبية المشتركة يتعلق بالإرهاب، تعريفاً وتحديداً وعقوبات، وفيه نص صريح بأن التحريض على الإرهاب جزء لا يتجزأ من ممارسة الإرهاب نفسه، ويعرض المحرض للمساءلة القانونية. وبالرغم من ان القانون عام لا يخصص جهة أو عقيدة أو جماعة معينة إلا ان القناعة السائدة لدى السياسيين والعامة بأن القانون مفصل على مقاس الأفراد والهيئات اللاجئة في الغرب على خلفية انتمائها السياسي "الإسلامي". وحتى هذه النقطة تبقى الأمور مبررة عند البعض، ذلك لأن أمن الأفراد والمجتمع جزء لا يتجزأ من واجبات "السلطة"، وأن بعض المتطرفين من جنسيات متعددة مارسوا العنف في أجزاء من أوروبا "فرنسا، الباسك، ايرلندا، الخ" للتعبير عن آرائهم السياسية، وبذلك استدعى الأمر تقنيناً يواجه العنف ويحد من أثره بقدر الاستطاعة، بغض النظر عن ديانة وقومية وانتماء منفذيه السياسي. ولكن الذي لا يرى أحد تبريره هو استضافة أجهزة الإعلام "لا سيما التلفزة" لرموز من هؤلاء "المتهمين باستخدام العنف والتشجيع عليه"، الذين لا يتورعون عن اطلاق أسهم التهديد السامة، ونشر آرائهم الداعية الى استخدام القوة لتحقيق برامجهم السياسية. هكذا يفسح لهم المجال مراراً وتكراراً، ويحولون الى نجوم الصفحات الأولى في الصحافة الغربية والعربية المهاجرة، بينما لا ينال أصحاب المسار المعتدل من اللاجئين السياسيين ورؤوس المنظمات الاسلامية الأوروبية الداعية للحوار والتعايش والتواصل، جزءاً يسيراً من الوقت لعرض آرائهم والإجابة على أسئلة المشاهدين والمتابعين! وهنا يدخل الحوار بين أبناء الجالية المسلمة الغربية متاهة "نظرية المؤامرة" في كل حلقة تجتمع في مسجد أو منتدى أو مجلس، يشغلها التساؤل عن الأهداف التي يرمي اليها الإعلام المتربص، لا سيما والصحافة التي حاورت هذه الرموز صحافة جادة وليست من صحف الإثارة الشعبية التي تقتات عادة على الغرائب والطرائف، وتقتل الوقت بقصص "مفبركة"، فپ"التايمز" و"الاندبندنت" على رأس الصحف التي تناولت بمقالات ومقابلات وتحليلات وقائع اغتيال بعض البريطانيين في اليمن، وما صدر عقب ذلك من تصريحات لمجموعات "اسلامية" تحظى بتقديمات الجهات المختصة المعنية باللاجئين السياسيين. ويرفع من حرارة الحوار تسريبات بعض المطلعين عن كثب على حرص الأجهزة الاعلامية "تلفزة وصحافة" على إفراد صاحب الرأي "المتطرف" المتهم بالتحريض العلني على النيل من رعايا الدول الغربية "المستكبرة" في العالم العربي، فقد استضافته منفرداً دون أي اعتبار للرأي الآخر، وينقل أحدهم - في مجلس خاص - عن مقدم عربي معروف مقيم في لندن لحساب احدى المحطات الفضائية الخليجية، قوله، "إن فلاناً هو المطلوب، المجانين هم الذين يلفتون الأنظار ويشدون المشاهد". تعليقاً على وصف ضيفه بأنه في غاية التطرف الى درجة "الجنون". ولكن مضيفي ينكر بإصرار ان تكون الإثارة وحدها وراء الاختيار السيئ هذا، ويعدد قائمة من أسماء اسودت وجوهها من "فلاشات" كاميرات التصوير الصحافية في المدة الأخيرة بسبب آرائها التي لا تمثل أحداً على الساحة البريطانية فضلاً عن الساحة الاسلامية في الوطن الأم، يجمعهم أسلوب في الطرح الفكري أبعد ما يكون - شكلاً ومضموناً - عن الأطروحات الاسلامية السائدة في أوساط الحركة الاسلامية المعاصرة، وأقرب ما تكون الى فكر "الخوارج" الفرقة التي ظهرت في عهد الفتنة الكبرى عقب مقتل الإمام عثمان بن عفان، وقد انتهجوا الغلو والمبالغة في كل شيء، في العبادات، واستخدام القوة في فرض فكرهم السياسي، وكانوا لا يرون غيرهم - من العامة فضلاً عن العلماء والخاصة - مسلماً صحيح الإسلام معصوم الدم محترم الذمة عادل الحكم سليم الفتوى، ولو صلى وصام وحج البيت الحرام. والسؤال الذي تردده الجاليات القيمة في الغرب بشكل عام، وفي بريطانيا حيث أثيرت الضجة الإعلامية الأخيرة حول هؤلاء بشكل خاص، "من المستفيد من مثل هذا الطرح الذي يدعو الى الانغلاق في عصر الانفتاح، ويصور الاسلام مطحنة للأفكار والأنفس والأجساد، في عصر يعيش فيه المسلمون حالة الدفاع عن أنفسهم، كما في كوسوفو"! يتساءل العاقلون عن الجهة المستفيدة من وراء ذلك، وعن الغرض الحقيقي الذي ترمي اليه أجهزة الاعلام، وهل هو مفصول عن مجمل الأداء الغربي الحكومي والشعبي، أم هو جزء من برنامج يهدف الى اشغال الجالية ببعضها، واستمرار تشويه الاسلام والمسلمين من خلال صور نافرة تنتهج المبالغة في الطرح والتمظهر! ويكتسب التساؤل مبرراته من حماية المؤسسات البريطانية المعنية لهؤلاء وعدم وضع نصوص قانون التحريض على الإرهاب موضع التنفيذ، ويكبر السؤال عندما يناقش الموقف البريطاني السلبي تجاه مطالبة بعض الدول الاسلامية بتسليمها مطلوبين يقيمون في لندن ويتخذونها - بحسب ادعاء هذه الدول - قاعدة للتخطيط والإيواء والتمويل، ومنطلقاً للتنفيذ في بلدانهم الأم وغيرها. لا يطرح أحد من فعاليات الجالية الاسلامية هنا على الحكومة البريطانية التعسف في مواجهة هؤلاء وغيرهم، ولكنهم يبحثون عن جواب شاف عن سبب اللين الملفت للأنظار في التعامل مع أفراد لا يمثلون على المستوى الفكري ولا العددي شيئاً يذكر في الساحة الاسلامية في الوقت الذي تواجه الاسلاميين الرساليين المقيمين هنا أبواب موصدة باحكام تحول بينهم وبين مخاطبتهم لأبناء جالياتهم وللرأي العام البريطاني، من خلال التلفزة أو الاذاعات المحلية، وبعضهم فشل في الحصول على تصريح بث اذاعي مأجور في المحطات المحلية المخصصة لغير السياسة، ولم يعرف حتى الآن سبب رفض التصريح. الإرهاب كأي كائن حي يحتاج الى أسباب للنمو والاستمرار، ويشير كثير من قادة الجاليات في الغرب الى دور الحكومات في رعايته! ألا يدعو ذلك الى الحيرة؟ * كاتب لبناني.