عندما شوهد الزعيمان التاريخيان لحزب الحركة الشعبية الامازيغي النزعة في المغرب عبدالكريم الخطيب والمحجوبي احرضان يخطبان معاً في مهرجان جماهيري للتضامن مع شعب كوسوفو في الرباط في نهاية الاسبوع الماضي، بدا واضحاً ان تباعد المواقف ازاء الاوضاع الداخلية - الذي كان سبباً في انفصال الزعيمين عن بعضهما - ممكن ان يتحول وفاقاً في سياساتهما الخارجية. فقد سافر الرجلان، ضمن وفد شعبي، الى ليبيا لاعلان التضامن معها في مواجهة الحصار. وبدا ان حزبيهما "الحركة الوطنية الشعبية" و"العدالة والتنمية" تقاربا اكثر في مواجهة استحقاقات عدة، اقربها انهما يساندان معاً حكومة رئيس الوزراء المغربي عبدالرحمن اليوسفي. احرضان من خلال مشاركة منتسبين اليه في الحكومة، والخطيب عبر دعمها في البرلمان من دون مشاركة. والارجح، امتداداً لهذا التقارب، ان ظاهرة الانشقاقات التي لازمت العمل السياسي في المغرب منذ اربعين عاماً، بدت الآن في طريقها الى التصحيح. ففي العام 1959، حدث اول انشقاق عن حزب الاستقلال، قاد وقتذاك الى تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. لكن في العام 1999 دخلت تجربة مشاركة الحزبين معاً في الحكومة سنتها الاولى، مع فارق ان الاتحاد الاشتراكي برز اثر انشقاقه عن الاتحاد الوطني في بداية السبعينات، وبقي الزعيم التاريخي للاتحاد الوطني عبدالله ابراهيم وحيداً، خارج الكتلة الديموقراطية والحكومة، يتأمل في مسار الاحداث السياسية، بخاصة انه كان اول رئيس وزراء في احزاب المعارضة، يتحمل هذه المسؤولية في السنوات الاولى للاستقلال. لكن ما يصطلح عليه بتجربة "التناوب" لم يكن وقتذاك بالزخم والاغراء الديموقراطي. واللافت، في غضون هذا التطور، ان تجربة تحالف الاستقلال والاتحاد الاشتراكي اللذين تصارعا طويلاً، نتج عنها تطورات سياسية على قدر كبير من الاهمية، كانت في مقدم الاسباب التي ارست قواعد التناوب السياسي في البلاد. لكن هذا التحالف الذي بدأ في البرلمان، وتبلور على صعيد التنسيق بين المركزيتين النقابيتين القريبتين من الحزبين، لم يحل دون تعرض احزاب اخرى الى الانشقاق. فقد انفصل التهامي الخياري، وزير الصيد البحري الحالي، عن التقدم والاشتراكية التي يتزعمها وزير التربية اسماعيل العلوي، وأسس جبهة القوى الديموقراطية. كذلك انشق غاضبون عن منظمة العمل الديموقراطي وأسسوا الحزب الاشتراكي الديموقراطي. ولم تسلم احزاب الموالاة السابقة من الظاهرة. فالانشقاق الذي تزعمه محند العنصر ضد المحجوبي احرضان قاد الاخير الى تأسيس الحركة الوطنية الشعبية، في حين ان الحزب الوطني الديموقراطي كان انشق عن التجمع الوطني للاحرار، كذلك انشق محمود عرشان عن الحركة الشعبية الوطنية وأسس الحركة الاجتماعية الديموقراطية المحسوبة على تيار الوسط. لكن هذه الفسيفساء السياسية باتت الآن اكثر مدعاة للتأمل في الامكانات المتاحة امام قيام خريطة سياسية، اقل عدداً واكثر تأثيراً. فقبل ان تنضج فكرة التناوب السياسي، طُرحت بحدة قضية القطبية السياسية، اي وجود كتلة في الحكومة واخرى في المعارضة، وبينهما تيار وسط يعزز هذا التحالف او ذاك. والارجح ان هذه القطبية في طريقها الى التبلور الآن. فتشكيل حكومة رئيس الوزراء عبدالرحمن اليوسفي تطلب تحالف سبعة احزاب ومساندة حزبين آخرين في البرلمان لحيازة غالبية نيابية. وزادت في الفترة الاخيرة الانتقادات حيال تأثير هذا العدد الكبير في تسريع وتيرة العمل الحكومي، واذ يقول زعماء المعارضة السابقة المشاركون الآن في الحكومة ان الصراعات السياسية التي كانت قائمة بينهم اهدرت الوقت والجهد، وانهم وضعوا - بتحالفهم - قاطرة الانجذاب الديموقراطي على سكة الانطلاق، يبدو الرهان على استمرار هذه التحالفات اكثر اهمية من اي اعتبار آخر، اذ قال زعيم حزب الاستقلال عباس الفاسي اخيراً ان التزامات حزبه في اطار الكتلة الديموقراطية كانت في مقدم اسباب المشاركة في الحكومة. والواضح ان الجدل في المنتديات السياسية يتجه نحو تحالف بعض الاحزاب واندماجها مع بعضها. وكان التقدم والاشتراكية والاشتراكي الديموقراطي سباقين الى هذه الصيغة، في حين ابدت احزاب المعارضة الجديدة نوعاً من الرغبة في اقامة تحالف بين مكوناتها، وانضم الاسبوع الحالي نواب من حزب العمل الى الوطني الديموقراطي، ما يعني ان ظاهرة الانشقاقات في الطريق لان تستبدل بالاندماج. ولا يتوقع مراقبون ان تخوض الاحزاب الراهنة الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2002 بالمواصفات الراهنة ذاتها. فالافادة من الخلل الذي احدثه عدم تقديم مرشحين مشتركين في الانتخابات النيابية السابقة سيحتم معاودة التنسيق من الآن استعداداً لمواجهات، يقول الشركاء السياسيون انها ستكون "طبعة منقحة للتناوب الآتي من صناديق الاقتراع".