لم ينجح العالم العربي في مجابهة تحدي ولادة دولة اسرائيل بتوليد عالم عربي جديد حقاً. قامت نظم جديدة، عسكرية في الأغلب، لمواجهة "الخطر الصهيوني" عسكرياً، مع الوعد ببناء دولة قطرية تبني واقعاً قومياً جديداً وجديراً بجبه التحدي الاسرائيلي، اي الصراع التنافسي "الحضاري". فشل النظام الجديد العربي العسكرتاري، وعلى الصعيدين المباشر العسكري والأبعد الاقتصادي/ الحضاري. والعالم العربي اليوم على وشك مجابهة تحديات ولادة مزدوجة، آن اوانها: ولادة فلسطين دولة، ومعها ولادة اسرائيل جديدة. جزئياً، وفي المدى المنظور، ستحرر دولة فلسطين العالم العربي من الشكل المألوف لديه لپ"قضية فلسطين"، لينصرف كمجموع قومي، وككيانات قطرية تحديداً، الى بناء نفسه للتنافس في الصراع الحضاري. وجزئياً أيضاً، وفي البداية، ستساعد دولة فلسطين على تحرير اسرائيل لنفسها من مشاعر اثم دفينة. لكن، الأهم من التحرر الاسرائيلي الاخلاقي، هو ان قيام دولة فلسطين، سيعجل في انهاء هذا الترنح بين "اليهودي" و"الصهيوني" و"الاسرائيلي". قلنا: "سيعجل، ولم نقل سيطرح، او سيحسم. هناك قتال في اسرائيل على هويتها... ونحن الفلسطينيين سبب من اسبابه. في تأجيل وتشويش اجابته سابقاً، ثم في زيادة حدته مع قيام دولة فلسطين. لأنه مع استكمال احتلال فلسطين، بدأ ما يشبه الاحتلال اليهودي لدولة اسرائيل، بعد ان أقامت الصهيونية دولة اسرائيل لتحرير اليهودية، بصراحة، فالصهاينة الليبراليون الجدد يريدون انهاء الاحتلال اليهودي لپ"الدولة الصهيونية" خاصتهم، فلا يجدون انسب من دولة فلسطينية تساعدهم على ذلك. هذا، مع احترام الاحتمال الاكثر واقعية، وهو ان على هؤلاء قبول الاحتلال اليهودي للصهيونية، وربما التعامل مع احتلال اليهودية الشرقية لليهودية الغربية، وخياراتهم الخاصة في سلام مع دولة فلسطينية مجاورة، لا تحرمهم من حقوق دينية محضة فيها. في المقابل، يخشى ان يبقى العالم العربي المتحرر من "قضية فلسطين" القديمة المعطيات، مترنحاً وقتاً اطول وأخطر في مزج ناجح، او فصل ناجح، لخياراته القطرية والقومية! الاسلامية والعروبية! الديموقراطية والاستبدادية. لا يمكن الاطمئنان الى القياس العربي على النجاح النسبي المصري، لأن مصر العربية اصيلة وثقيلة بما يكفي، وهي اشبه بپ"دولة - أمة" ذات هوية ثقافية عربية، بما مكنها من نقل مسار خياراتها "القومية" القديمة ازاء قضية تحرير فلسطين، الى خيارات "قطرية" جديدة وأنجح ازاء دولة فلسطين. ستعاني سورية - بالذات - ولبنان والأردن وبدرجة اقل العراق ولكن كل النخب العربية، ومعظم الجمهور العربي القومي/ الاسلامي اكثر من دول عربية اخرى في موازنة خيارات جديدة.. وليس فقط بصدد طريقة حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين لديها، أبعد من ذلك وأعمق ستكون التحديات. الرهان ارجح بأن تساعد دولة فلسطين على حل مشكلة هوية دولة اسرائيل، ما سيساعد العالم العربي على بلورة هوية حضارية - مؤسسية، قومياً، اسلامياً، قطرياً، بعد قيام دولة فلسطين، هناك الحقوق المدنية والثقافية للفلسطينيين في اسرائيل، ويصعب علاجها او تلبيتها ديموقراطياً من دون قلب اسرائيل من "دولة اليهود" الى "دولة جميع مواطنيها" اي دولة ديموقراطية في المضمون الغربي، وليس في الشكل وحده. وبينما لم تعد دولة فلسطينية خطراً مصيرياً على "وجود" اسرائيل، فإن حقوق الفلسطينيين المدنية كمواطنين اسرائيليين، غير يهود، ومتساوي الحقوق معهم. يعني ببساطة ان المسألة الفلسطينية ليست، فقط، حقوقاً قومية منقوصة جغرافياً، بل وحقوقاً مدنية متساوية لجزء آخر من الشعب الفلسطيني في اسرائيل... هم قوة ديموقراطية لاسرائيل، ديموقراطية بالمعيار الغربي الصحيح. سوف تنتصب الدولة الفلسطينية حلاً لفلسطين ولإسرائيل، ومشكلة من نوع جديد للدولة أو للنظام العربي، ولا يفيد معها التعامل السلبي، لأن إسرائيل المعترفة بدولة فلسطين والمنسحبة من الجولان، تحتم على سورية اعترافاً مزدوجاً بفلسطين وبإسرائيل. بعد سلام كامب ديفيد خاف البعض على قومية الصراع مع إسرائيل، بوجود الصراع الفلسطيني، كانت تلك المخاوف مع سلام بين دولتين فلسطينية وإسرائيلية لا تبقى هذه مجرد مخاوف، مع ذلك، فإن الصراع الفلسطيني لن يختفى... لأن الكونفيديرالية الثنائية أو الثلاثية سيفرضها منطق السلام والاعتراف المتبادل. تبدو الدولة الفلسطينية انجازاً هشاً وضئيلاً مقابل ثمن فادح للصراع الطويل. كل البدايات الواعدة العظيمة كانت هكذا في البدايات الملتبسة والمخيبة للامال الكبرى، غير أنها دولة لإعادة صياغة إسرائيل. ومن ثم إعادة صياغة العالم العربي من مهمات صراعه العسكري الفاشل إلى تحديات الصراع الحضاري. ويقولون في إسرائيل اليوم إنه من الممكن التعايش مع دولة عرفات، لكن مطالب عزمي بشارة بإسرائيل لكل مواطنيها خطر مثل وجود ناصر فلسطيني عربي يريد قلب إسرائيل عاليها سافلها. هذه ليست كماشة حقوق قومية ومدنية فلسطينية تطبق على إسرائيل. هذا افق جديد لصراع سلمي فلسطيني - إسرائيلي... وتحد جديد للعالم العربي. الحقيقة التي يحسها الفلسطينيون، خصوصاً العائدين. إنهم معنيون بالمسألة اليهودية وحلها أكثر من المسألة القومية العربية، كما هموم إسرائيل الفلسطينية، لدى المفكرين خاصة، مميزة عن هموم المثقفين العرب. الدولة الفلسيطينية ليست تسوية صغيرة وجائرة، انها بداية لتحول تاريخي. تنتهي مشكلة إسرائيل الملحة، ويبدأ العالم العربي في تقديم امتحانات تاريخية. * صحافي فلسطيني.