مظلومة هي الصفحات الثقافية في الصحافة المصرية، كانت مقولة أحد المثقفين المصريين الذين إلتقيناهم بغية رصد أحوال الصفحات الثقافية في الصحافة المصرية ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين. وقام في الاستطلاع على ظاهرة طغيان المواد الفنية والرياضية والإعلانات التجارية على الصفحات التي من المفترض ان تحتلها الثقافة. يقول إدوار الخراط أنه يقرأ كل ما يستطيع قراءته من الصفحات الثقافية والأدبية في الصحف المصرية ويركز على الصفحات الثقافية الخاصة في كل من "الجمهورية" و"الوفد" و"العربي" و"الاسبوع"، ويقول إن "لكل صفحة أدبية وثقافية مذاقها، فلماذا نفضل صفحة على أخرى؟" ثم يتساءل: "أين هي الصفحات الأدبية في صحافتنا أصلاً؟ هل الصفحات الحالية تعتبر بحق صفحات أدبية أو ثقافية في المعنى المحترم للكلمة؟ أين هي في الجرائد الكبرى أمام طغيان الصفحات الرياضية والإعلانات التجارية وفي غض النظر عن المقالات الأدبية الثابتة؟ الصفحات الموجودة حالياً تفتقد مواضيع النقد الأدبي في كل صوره، وذلك باستثناء الصحف "أخبار الأدب" وهو ليس كافياً على أية حال. إن جرائد كثيرة غير مصرية تتيح مساحة واسعة للكتابات الجادة فلا يقتصر الموضوع على بضعة أسطر بعد ابتسار أو إختصار وأتمنى أن يحدث ذلك عندنا في مصر. ورداً على بسؤال عن السبب قال: "إسألهم هم؟!" وعندما استفسرنا عمن يعنيهم ب"هم" قال: "المسؤولون عن كل صحيفة في مصر على حدة". الناقد وليد منير يعرض عن قراءة الصفحات الثقافية في "الاهرام" و"الاهالي" و"الأخبار" و"الوفد" ومجلة "نصف الدنيا"، ويرى أن هناك تراوحاً في المستوى بين جريدة وجريدة أو مجلة ومجلة، بل حتى بين الصفحة ومثيلتها في الإصدار نفسه على مدى الأيام. فمثلاً الصفحة الأدبية في الاهرام ضبط مستواها كثيراً عن أيام لويس عوض، والصفحة الثقافية في "الأهالي" ليست على فعاليتها المعهودة نفسها، والصفحات الثقافية في مصر عموماً لم يعد مستواها عالياً كما كان في الستينات ولم تعد تعكس الحياة الثقافية عكساً أميناً في الجوهر الحقيقي لمعنى الثقافة بل أصبحت تعكس السطح فقط. ويبدو ذلك جلياً في مستوى ما ينشر من إبداع ومستوى المتابعات في مختلف في الحقول والأحداث التي تدور في الساحتين الأدبية والثقافية في مصر. فهناك انتقائية واضحة في متابعة فعاليات دون أخرى. أو في عروض وتحليلات كتب وأعمال أدبية دون أخرى، وأصبح توخي المستوى الحالي في الأداء في تلك الصفحات فضلاً عن الموضوعية والحياد، أشياء من الماضي حلّ محلها الاعتماد على المجاملات والعلاقات الشخصية وتبادل المصالح والمنافع. وعن السبب في زيادة مساحات الصفحات الفنية والرياضية على حساب الثقافية قال: "هذا يعكس تنامي استجابة القائمين على الصحف لإقبال الجمهور على التعاطي مع الظواهر الفنية والأحداث الرياضية بدلاً من نظيرتها الثقافية التي لا يعمل أحد على تحبيب القارئ العادي فيها، فضلاً عن التواصل معه لمعرفة اتجاهاته وتفضيلاته، لأن دفع الثقافة إلى الأمام لم يعد هدف كل من يصدر صحيفة أو مجلة اليوم. يحرص فاروق شوشة على قراءة صفحة "دنيا الثقافة" في الأهرام، والصفحة الثقافية في "أخبار الأدب"، فضلاً عن ملحق "أخبار الأدب" المتخصصة، ويقول إنه غير متتبع للصفحات الثقافية في بقية الجرائد القومية والحزبية. ويحبذ لو تصدر كل المؤسسات الصحافية القومية في مصر مجلات ثقافية وأدبية متخصصة على غرار "أخبار الأدب" مع توخي عدم التقليد لأن لكل فكره ورؤيته الخاصة به. وأشار الى ضرورة أن نقوم كصحافيين ومحررين يكتبون في الثقافة بالتنبيه والتحذير من الخطر الداهم المتمثل في تضاؤل مساحات الصفحات الثقافية في مصر بصورة لا تتلاءم مع أهمية الثقافة في حياة الفرد لأن المعركة المقبلة في العالم ستكون بمقارعة الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة، والصحافة اليومية بالذات أهم من الكتاب ومن الدراسة الأكاديمية لأنها متاحة للملايين وتدخل كل بيت كما الإذاعة تماماً". - صافيناز كاظم، ما فتئت تطلق حكمها على الصفحات الثقافية في مصر حالياً فقالت عنها إنها "فقدت مصداقيتها". إلا أن صفحة دنيا الثقافة في الأهرام جديرة بالقراءة "أحياناً". وأشارت إلى أنها غير ملزمة قراءة صفحة ثقافية مملوءة بالأخطاء الإملائية "الفظيعة"، - كما وصفتها - أو صفحة أدبية مكتوبة مواضيعها بطريقة رديئة. هي مجلة الهلال فقط تشتريها صافيناز، وهي "فخورة بصفحتها الأدبية لأنها استطاعت أن تصنع لنفسها مصداقية بما تتبناه من قضايا وما تعرضه من آراء ومواضيع حتى وإن كانت تُعبر عن الفكر الآخر المخالف للسائد. أما الفكر المغرض فلا مكان له، وأرى أن الصفحات الأدبية والثقافية في مصر غدت مصنوعة على صورة "أصحابها" الذين يبيعون الترماي لأجيال الشباب ويوهمونهم بأن ما يقدمونه لهم يسمى أدباً أو ثقافة، فاسقطوا محمد فريد أبو حديد من ذاكرتهم ونسبوا الرواية الى توفيق الحكيم ونهشوا لحم مي زيادة ميتة فلم تسلم من خناجر نقدهم المسمومة التي أرادت محوها من الوجود الأدبي تماماً، واختزالها في صورة امرأة تعشق هذا وتهيم في غرام ذاك. وترى صافيناز أن من يختزل تاريخ مصر وأدبها وثقافتها في 3 أو 4 كتب ثم يسمي نفسه بعد ذلك رئيس صفحة ثقافية أدبية ما هو إلا لص أو قرصان فكر!. أما سكينة فؤاد فتصر على القول بأنها تقرأ كل الصفحات الثقافية التي تصل إليها وحريصة على متابعتها كلها بحكم انتمائها للثقافة والأدب. وتكره التفضيل بين صفحة أدبية وأخرى لكنها لا يتاح لها قراءة كل الصحف. وأشارت إلى بُعد جديد يتمثل في اختزال الشباب للثقافة في مفهومهم في صورة الفن الذي هو فرع من فروع الثقافة. والسبب في ذلك صفحات الثقافة في بعض المجلات والصحف - كما تقول - وهي عليها واجب يتمثل في تقديم أبواب ثقافية أقرب إلى تناول الشباب في جرعات مخففة كبديل للكتب والدراسات الاكاديمية أو الأبحاث المتخصصة. وعن سطوة المال وتأثيره في فرض الإعلانات التجارية على الصفحات الثقافية قالت: "لا أحد يختلف على أهمية الإعلان لأي مجلة أو صحيفة إلا أن الثقافة بدورها ورسالتها الحيويين يجب ألا تقل أهمية لذلك تعتبر الموازنة بين ضرورة الإعلان التجاري وأهمية الرسالة الثقافية عملية لا غنى عنها ولكل منهما دور يكمل دور الآخر، طالما أن العمق الثقافي هو الأصل. ويباشر رستم الكيلاني، كل رؤساء الصفحات الثقافية تطعيم صفحاتهم بالأقلام الشابة أخذاً بأيديهم من منطلق أن الصفحات و"للأسف الشديد" - كما قال - قد أصبحت لسان محرريها وبعضها مملوء بالهمز واللمز، خصوصاً في الجرائد الكبرى التي يستحوذ رؤساؤها على معظم مساحاتها فيكتبون مواضيعها بأنفسهم، ولا بد إذن من إتاحة الفرصة أمام أكبر عدد من الكُتاب لتكون متنفساً جديداً للأقلام من مختلف التيارات. ويقول إن حافظ محمود في "المساء" و"الجمهورية" وأنيس منصور في بداية توليه مسؤولية الملحق الأدبي في "الأخبار" وفتحي الإبياري في صفحة الأدب في مجلة "اكتوبر" كانوا يتركون أماكنهم وأعمدتهم للأقلام الشابة في كثير من الأحيان. ويرى رستم ضرورة أن تأخذ الصفحات الثقافية فرصتها قليلاً أسوة بالصفحات الأخرى لأنها صفحات مجني عليها في الصحافة المصرية دائماً. وقد أصبح رفع قصة أو قصائد من الصفحة الثقافية أو الغاؤها لنشر إعلان أو تغطية مباراة رياضية شيئاً اعتيادياً للغاية، مع أن تلك الصفحات مهمتها النقد المتبصّر لا النقد الهدام في حين أن مواضيع عدة تحذف منها فقرات كاملة ولو احترم اولئك القائمون على تلك الصفحات كل كلمة يكتبها الكاتب طالما أنها جديرة بالاحترام، لما رأينا صفحات لا تحصى عن رواية "الخبز الحافي" بالجرائد الكبرى وهي رواية مليئة بإسفاف ما بعده إسفاف ولا إحظي بالشهرة التي حظي بها.