لمواجهة الواقع بما فيه من انكسارات وهزائم، وضعف وعدم القدرة على مواجهة الغير يلجأ المسلمون الى طبع القرآن الكريم بشكل منمق وبأحجام مختلفة، وتوزيع شرائط دينية كثيراً ما تدعو الى التمسك بالفضائل والأخلاق والتخويف من اليوم الآخر، وذلك مطلوب احياناً، لكن ما نلحظة من محاولات لافراغ المشاكل الحقيقية من محتواها بغية تقديم اجابات يعاد التذكير بها من دون تطبيقها، تثير كثيراً من النقاش والتساؤلات، وتنطلق المسألة بعد ذلك نحو مجال اوسع يسمح بتناول قضايا اخرى يصبح النقاش فيها مسموحاً به على اعتبار ان هناك حالات سابقة تتكرر على طول التاريخ الاسلامي. وفي تكرارها يتضح ذلك الصراع الفكري القائم بين مدارس مختلفة. وما وقع المدة الاخيرة من نقاش حول السُنّة يعتبر احد النماذج المكررة مع اختلاف الظروف والمعطيات والأشخاص. لا شك في انه من الصعب ان نكون بمعزل عن السنّة النبوية الشريفة باعتبارها شارحة لكثير من الأمور الواردة في القرآن، لكن بالنسبة الى الأحاديث النبوية نفسها فان المحققين لها بينوا الضعيف والموضوع والمنكر والشاذ، طبقاً لأبحاث جادة ومتابعات استغرقت عقوداً من الزمن، ولا يمكن بأي حال من الاحوال تجاوز هذه الاعمال العلمية، لذلك كان ينتظر ان يكون النقاش حول السُنّة النبوية من منطلق نوعية الأحاديث نفسها، مع الاعتراف المسبق بأهل الخبرة والاختصاص في هذا المجال. اما وان نعترف بالتخصص في كل شيء، وحين يتعلق الأمر بالدين يصبح مباحاً، فذلك يعد مرفوضاً من الناحية العلمية، واعتقد ان هذا لن يحول دون متابعة المسلمين لأمور دينهم. يلاحظ ان الخوف قائم بين اطراف الأمة سواء الرافض للسنة او المدافع عنها، من كون الأول يرى ان توظيف الاحاديث في كثير من الوظائف والوقائع يعطي مجالاً اوسع لتبرير سلوكيات او اعمال بعينها، في حين يرى الثاني ان تلك محاولة للوصول الى استبعاد القرآن ومن ثم الدين بكل ما فيه عن حياة الناس. وكل جماعة تسوق مبرراتها وأدلتها من مشاهدات ومن وقائع تكررت على مر التاريخ، كما ذكرت سابقاً، وهذه النظرة تنتقل المسألة من محاولة النقاش داخل الدين الى النقاش حوله. بمعنى آخر انه كان من المنتظر ان يثري النقاش الساحة بدل ان يدفع الأمور نحو مزيد من التباعد، واحياناً الصراع والتباغض، والاتهامات، وبذلك تخرج المسألة كلها عن اهدافها الحقيقية. وبغض النظر عما يواجه الأمة من مشاكل داخلية واخرى خارجية، فان الدين الاسلامي يتحدد بدرجة اولى من خلال القرآن الكريم، وبدرجة ثانية وتابعة وغير منفصلة من السنة النبوية. والمحاولات التي تبذل من طرف بعض المتهمين، لجهة الاعتماد على القرآن فقط لا تجدي نفعاً، كما ان الاهتمام بالسنّة النبوية من خلال الأحاديث والرجوع اليها من دون مطابقتها بالقرآن، لا تزيد الا في تضليل الأمة وإبعادها عن الطريق الصحيح. الى ذلك ان التجارب السابقة والحالية من خلال النقاشات والجدل، لن تنطلق الى الواقع العملي لتأكيد مدى الالتزام بالقرآن او السُنّة. لقد تسبب ذلك في تساؤل البعض عن خلفية وأهداف الذين يطرحون هذه المواضيع بين الحين والآخر. البعض يجيب: ان الهدف هو التمييز على اساس الاستعمال العقلاني للدين في حياتنا، في حين يرى آخرون ان ذلك كله يهدف الى ادخال كل القضايا في مجال النقاش مهما كانت قدسيتها وأهميتها، وهذه الاجابة وتلك لا تشفي غليل العامة من الناس، خصوصاً حين يتعلق الأمر بأحاديث نبوية رغم ضعفها او موضوعيتها، تستعمل بشكل واسع للتدليل على وقائع تحصل اليوم، واستبقيت السنّة النبوية الناس والزمن في التعبير عنها وتأكيدها. ويتضح ذلك جلياً في الأحاديث التي تبثها مختلف الوسائل الاعلامية،او التي يلقيها الخطباء في المساجد، وتعود الناس على سماعها والتأثر بها سلباً وايجاباً، كثيراً ما اعتبرت حججاً وقرائن على ما يقوم به الناس. من ناحية اخرى فان اي نقاشات تتعلق بالقرآن والسنة ينتظر ان تظل حكراً على اهل العلم، لا ان تنزل الى مستويات دنيا ويفتح فيها النقاش على نطاق واسع، ويشارك العامة في ذلك، واذا كنا لا ننفي حق الناس في التفقه في الدين، فاننا مطالبون ايضاً بتحديد الجرعة التي تعطى للناس، اذ من غير الضروري ان ندخلهم في متاهات الاختلاف. لأن ذلك يؤدي الى سرعة التفكير، وتلك تهمة تؤدي الى حدوث فوضى وتوتر في شبكة العلاقات الاجتماعية، واستبعاد العلماء وعدم قدرتهم على التأثير في ما يتعلق بالحق لأن العامة تتبع الظن. "وان الظن لا يغني عن الحق شيئاً" كما جاء في القرآن الكريم. وقد يكون فيما تذهب اليه حجج مقنعة من رؤية بعض المفسرين في الماضي الى ان القرآن يخاطب ثلاثة مستويات من الناس هم: العامة والخاصة وخاصة الخاصة، وتبعاً لذلك فان السنة ينتظر ان يتم النقاش حولها من هذه المستويات الثلاثة، ليس كاحتكار لها من الناحية المعرفية، وانما كاحتكار لها من الناحية البحثية، على ان تعطى النتائج بعد ذلك لكل الناس بلا استثناء. اننا امام وضع صعب لجهة ان هناك ثورة على عالم القيم، سواء مستوى الممارسة او على مستوى النص نفسه، وتلك ان لم نهتد فيها الى السبل الكفيلة بتقديم صورة اكثر واقعية عن التعامل من دون تعصب او تشنج، مع عدم افقاد المواضيع قدسيتها وأهميتها، فاننا سنظل اسرى معطيات الواقع الجديد، التي تقدم قيم الحياة الدنيا على قيم الآخرة، ولا يمكن من الناحية الايمانية، على الأقل، ان نظل بعيدين عن النص حتى ذلك المتعلق بالأحاديث، خوفاً من مناقشتها في حدود المعقول والمنقول، والنقاش لا يعني رفضه، ولكن يعني تثبيته من ناحية صحته من عدمها، اما اولئك الذين يدعون جهاراً الى الغاء السنة فان خوف الآخرين منهم مبرر لتعذر الفصل بين القرآن والسنة. ينتظر منا جميعاً ليس التنظير وفي حلقات مغلقة او على صفحات الجرائد ووسائل الاعلام، وانما تحويل ما نصل اليه من نتائج الى عمل وممارسة، ذلك لأن الأمد طال بنا ونحن ما نزال نجتر قضايا تجاوزها الزمن ولا تفيد في تطوير الأمة في شيء، والسنة ها هنا احببنا ام كرهنا، تعقدت حياتنا ام سهلت، تشعبت بنا السبل او تجمعنا، تعددت رؤانا او التقت، كان بأسنا شديداً او كنا على قلب رجل واحد، تظل حماية لنا على مستوى مفردات اللغة، وقلبها على مستوى شرح القرآن، وبعدها لأهمية الرسول في حياتنا ووجوده بيننا رغم انتقاله الى الرفيق الأعلى منذ قرون عدة. * كاتبة جزائرية مقيمة في مصر.