أيام قليلة... وتشهد مصر مع العالم اليوم الأخير في الألفية الثانية، وهو الحدث الذي يشغل بال البعض، إما لمشاركتهم بشكل أو بآخر في الاستعداد لاستقبال الألفية الثالثة، أو لمعارضتهم طريقة الاستقبال، أو كمراقبين عن بعد لا حول لهم ولا قوة. ونبدأ بالاحتفال الذي أثار ضجة كبيرة في الأوساط الاثرية والصحافية، وهو الاحتفال الذي تنظمه وزارة الثقافة المصرية عند سفح أهرامات الجيزة يوم 31 كانون الأول ديسمبر الجاري. الاحتفال - الذي يرعاه الرئيس المصري حسني مبارك - ويتبناه وزير الثقافة المصري السيد فاروق حسني يحمل اسم "12 حلماً للشمس" وتبلغ كلفته نحو 9 مليون دولار اميركي ونصف. هذه المعلومات الأولى كانت كافية لإشعال حرب ضارية على صفحات الجرائد. وأول أسباب هذه الحرب هو المبلغ المرصود للاحتفالية، فالبعض يرى أنه شكل من أشكال الاسراف والتبذير، وأن مصر والمصريين أولى بهذه الأموال. وهو الاتهام الذي رد عليه وزير الثقافة مراراً وتكراراً بقوله: إن "المبلغ تافه ولن يحل مشاكل مصر"، كما أن هذا المبلغ درب من الاستثمار، ولا سيما أن عدداً من القنوات التلفزيونية العالمية تعاقدت على نقل جانب من الاحتفالية، وهو ما سيعود بالربح على خزانة الدولة. وتبدأ الاحتفالية مع غروب شمس اليوم الأخير من العام وتستمر إلى شروق الشمس في اليوم التالي. ويمتد العرض الأساسي من الساعة العاشرة والنصف مساء إلى الساعة الواحدة. يعتمد العرض الذي يخرجه الفنان الفرنسي جان ميشال جار على الإبهار الضوئي والموسيقي والتقني. ويقول جار إن فكرة الاحتفال هي تتبع رحلة الشمس من الغروب إلى الشروق، حيث يبزغ 12 شعاعاً من هذه الشمس. وقد اختيرت موسيقى مصرية عبارة عن مزيج من العود والربابة، ويضم العرض صوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وهي تغني اضافة الى الألعاب النارية الباهرة. وأكد جار أكثر من مرة أن موقع الاحتفال مثالي، إذ تظهر فيه الأهرامات الثلاثة، وثلاثة أهرامات أخرى صغيرة في المنطقة نفسها. وذروة الاحتفال هي وضع "هُريم" تصغير هرم مذهب يبلغ ارتفاعه تسعة أمتار على قمة الهرم الأكبر، على أن يرسل "الهُريم" إشعاعاً قوياً باهراً. وبعيداً عن الجانب المادي، علت أصوات تعارض تفاصيل الاحتفالية، ووصل الأمر الى اتهامها بالماسونية. وأحد أولئك المعارضين رئيس قسم الآثار المصرية في كلية الآثار جامعة القاهرة، والامين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار عبدالحليم نورالدين يقول: إن "فكرة وضع "هُريم" أعلى الهرم الأكبر، فكرة ماسونية، لأن "الهُريم" رمز للماسونية، وهو كذلك الشعار الموضوع على ورقة البنكنوت فئة دولار واحد". ويمضي نورالدين في اتهامه قائلاً: "ربما أن ال12 شعاعاً التي تخرج من الشمس ضمن الاحتفالية أيضاً ما هي إلا الأسباط ال12 لدى اليهود". من جهة أخرى، انقسم الاثريون حول وضع "الهُريم" الذي يبلغ وزنه نحو طنين على قمة هرم خوفو، فمنهم من يحذر من الآثار المدمرة التي قد يحدثها للهرم، ومنهم من يؤكد أن لا ضرر من ذلك، وخصوصاً أنه من المقرر رفع الهريم في اليوم التالي. وإذ لم يبق على الاحتفالية سوى أيام، وعلى رغم أن "الهُريم" بدأ تصنيعه فعلاً، إن لم يكن قد أصبح جاهزاً، أعلن وزير الثقافة للصحافة المصرية قبل أيام أن "الهُريم" لن يعلو قمة الهرم إلا إذا ثبت أنه لن يؤثر على أحجاره. موجة أخرى من المعارضة لم تُخفِ قلقها من أن الاحتفالية قد تتضمن ما يخالف روح شهر رمضان، وهو أيضاً ما حرص وزير الثقافة على نفيه، والتأكيد على أن الاحتفالية ليس فيها أي خروج على تعاليم الدين الاسلامي. وبعيداً عن الاحتفالية - التي يتوقع أن يشاهدها نحو 60 ألف مصري وسائح بالاضافة الى مشاهدي القنوات التلفزيونية العالمية التي ستنقل جانباً من الاحتفالية - فإن المحال التجارية والمطاعم قررت هي الأخرى الاستفادة من فكرة الألفية هذه، فبعضها طرح الملابس المتكدسة لديه منذ سنوات للبيع بنصف الثمن تحت عنوان "أوكازيون الألفية". أما محال الوجبات السريعة فخصصت وجبة مخفضة لتكون "وجبة الألفية". على صعيد آخر، يتعجب آخرون من الإعلان عن الاحتفالات في مناسبة بدء الألفية الثالثة، علماًِ أن العام 2000 هو المتمم للألفية الثانية، فيما العام 2001 هو بداية الألفية الثالثة، لذا فلا داع لكل هذا الطبل والزمر لمناسبة لم تحن بعد. وسواء كانت الاحتفالية المزمع عقدها بهُريم أو من دون هُريم، أو قبل موعدها بعام، فإن المواطن المصري لا تعنيه كثيراً هذه التفاصيل، بل لا تعنيه الألفية برمتها. والخوف كل الخوف من "صدمة الألفية" التي قد تصيب كثيرين. ففي خضم "هوجة الألفية" والأحاديث التي لا تنقطع عن هذه النقلة التاريخية الضخمة، سيصحو هؤلاء يوم 1 كانون الثاني يناير عام 2000، وقد وجدوا أن راتبهم ما زال لا يكفيهم الى نهاية الشهر، وأن الشوارع ما برحت مكتظة بالبشر، وأن المواطن العادي لا يضمن قوت غده، سواء كان غده هذا في الألفية الثانية أو الثالثة.