أمير القصيم يكرم المصور بندر الجلعود    أمير القصيم يكرم بندر الحمر    نائب أمير الرياض يعزي رئيس مركز الحزم بمحافظة وادي الدواسر في وفاة والدته    نجل بولسونارو: والدي دعم ترشحي لرئاسة البرازيل في 2026    البيت الأبيض: أوروبا معرضة لخطر «المحو الحضاري»    اكتشاف استثنائي لمئات التماثيل الجنائزية بمقبرة تانيس في مصر    سالم الدوسري عن قرعة المونديال : لكل حادث حديث... حالياً تركيزنا على كأس العرب    أمير الرياض يتوج الفائزين بأول السباقات الكبرى على كأسَي سمو ولي العهد للخيل المنتَجة محليًّا ولخيل الإنتاج والمستورد    مساعد رينارد يتفوق عليه في فوز الأخضر الكبير بكأس العرب    الأخضر يتغلب على جزر القمر بثلاثية ويتأهل لربع نهائي كأس العرب    جمعية ريف تُكرَّم في المنتدى الدولي للقطاع غير الربحي لحصولها على شهادة الاستثمار ذي الأثر الاجتماعي عن مشروع "مطبخ طويق"    منتخب السعودية يتأهل لربع نهائي كأس العرب بالفوز على جزر القمر    المكسيك تواجه جنوب إفريقيا في افتتاح كأس العالم 2026    الأخضر الأولمبي يتغلب على البحرين بخماسية في كأس الخليج    تقارير.. حقيقة خروج نونيز من الهلال في الشتاء    نادي وسم الثقافي بالرياض يعقد لقاءه الشهري ويخرج بتوصيات داعمة للحراك الأدبي    سيبراني تختتم مشاركتها في بلاك هات 2025 وتُعزّز ريادتها في حماية الفضاء السيبراني    جامعة القصيم تحصد الجائزة الوطنية للعمل التطوعي لعام 2025    Gulf 4P, CTW & Mach & Tools 2025 المنصّة الإقليمية الرائدة للابتكار والتقدّم الصناعي    بمشاركة 3000 مستفيدًا من منسوبي المساجد بالمنطقة … "الشؤون الإسلامية" تختتم برنامج "دور المسجد في المجتمع" لمنسوبي مساجد الشريط الحدودي بجازان    خطيب المسجد النبوي يبيّن مكانة آية الكرسي وفضلها العظيم    الدكتور المعيقلي يزور مقر الاتحاد الإسلامي في جمهورية مقدونيا الشمالية    مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون يفوز جائزة أفضل مشروع حكومي عربي لتطوير القطاع الصحي    الذهب يستقر مع ضعف الدولار وسط رهانات خفض أسعار الفائدة وتراجع عوائد السندات    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يشارك في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025    وزير التعليم يلتقي القيادات بجامعة تبوك    اللواء العنزي يشهد حفل تكريم متقاعدي الأفواج الأمنية    هيئة الهلال الاحمر بالباحة تشارك جمعية الاطفال ذوي الاعاقة الاحتفاء باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة    جمعية التطوع تفوز بالمركز الأول في الجائزة الوطنية للعمل التطوعي    اعلان مواعيد زيارة الروضة الشريفة في المسجد النبوي    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله    التوصل لإنتاج دواء جديد لعلاج مرض باركنسون "الشلل الرعاش"    أمين جازان يتفقد مشاريع الدرب والشقيق    تهامة قحطان تحافظ على موروثها الشعبي    الدفاع المدني يحتفي بيوم التطوع السعودي والعالمي 2025م    أمير تبوك يستقبل معالي وزير التعليم ويدشن ويضع حجر الأساس لمشروعات تعليمية بالمنطقة    جمعية سفراء التراث تحصد درجة "ممتازة " في تقييم الحوكمة لعام 2024    معركة الرواية: إسرائيل تخوض حربا لمحو التاريخ    سفير المملكة في الأردن يرعى حفل ذوي الإعاقة في الملحقية    قمة البحرين تؤكد تنفيذ رؤية خادم الحرمين لتعزيز العمل الخليجي وتثمن جهود ولي العهد للسلام في السودان    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    مفردات من قلب الجنوب ٣١    أمير تبوك يواسي في وفاة محافظ الوجه سابقاً عبدالعزيز الطرباق    فرع الموارد البشرية بالمدينة المنورة يُقيم ملتقى صُنّاع الإرادة    سمر متولي تشارك في «كلهم بيحبوا مودي»    معرض يكشف تاريخ «دادان» أمام العالم    الناتو يشعل الجدل ويهدد مسار السلام الأوكراني.. واشنطن وموسكو على حافة تسوية معقدة    أكد معالجة تداعيات محاولة فرض الأحكام العرفية.. رئيس كوريا الجنوبية يعتذر عن الأخطاء تجاه «الشمالية»    برعاية خادم الحرمين..التخصصات الصحية تحتفي ب 12,591 خريجا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    تعاون سعودي – كيني لمواجهة الأفكار المتطرفة    مقتل آلاف الأطفال يشعل الغضب الدولي.. العفو الدولية تتهم الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب    آل حمدان يحتفل بزواج أحمد    صيني يعيش بولاعة في معدته 35 عاماً    ابتكار علاج صيني للقضاء على فيروس HIV    الكلية البريطانية تكرم الأغا    إقحام أنفسنا معهم انتقاص لذواتنا    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرات في "تاريخ الأدب العربي" للدكتور شوقي ضيف . مغالطات أدبية وتاريخية تكشفها أمهات المصادر التراثية 2 من 2
نشر في الحياة يوم 10 - 12 - 1999

وجاء الدكتور شوقي ضيف يتحدث عن محمد بن صالح العلوي فقال عنه: "ولم يتورط فيما كان يتورط فيه شعراء بغداد من التعلق بالجواري والإماء، فقد كان يكلف بزوجته وحدها"1.
وقرأت ما قال فقلت في نفسي: وأخيراً وجدنا نظيراً للويس اراغون في كلفه بزوجته: إلزا. ولكن فرحتي بالقول لم تطل كثيراً، فقد قال الدكتور على الصفحة نفسها: "وله مقطوعة يصور فيها جواري يندبن ويلطمن عند قبر لبعض ولد المتوكل، وهو فيها يتحدث عن فتور عيونهن وجمالها، ويخال كأنما سينفخ هذا الجمال الفاتن في العظام الهامدات، فتعود مرة ثانية إلى الحياة..."2.
أقول: أفيرى الدكتور شوقي ضيف أن من "يكلف بزوجته وحدها "يكون من همه ان يتغزل بالجواري الباكيات، ويشغله سحر عيونهن عن رؤية الدمع فيها؟ أهذا كلام من يكلف بزوجته وحدها "ولم يتورط فيما كان يتورط فيه شعراء بغداد من التعلق بالجواري"؟ أم ان للتعلق معنى آخر عند الدكتور؟
وجاء الدكتور ضيف مرة أخرى إلى الحِمّاني يريد ان يترجم له فقال: "هو علي بن محمد بن جعفر العلوي، خرج أبوه محمد الملقب بالديباجة في المدينة لأوائل عصر المأمون...".
وخلط الدكتور ضيف عجيب هنا حقاً، وعلمه بأنساب العلويين اعجب. وتفصيل أمر هذا العجب ان محمد بن جعفر المعروف بالديباجة هو محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو الثائر بالمدينة المنورة سنة 200ه. أما جعفر جد شاعرنا الحماني فهو حفيد الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وليست هناك من أبوة للديباجة على علي بن محمد بن جعفر الحِماني، وجعفر هذا كان شاعراً حتى انه لقب ب"الشاعر"، ولم يُعرف عن الديباجة انه كان شاعراً. هذه واحدة. أما الثانية، فإن شاعرنا علي بن محمد كان قد توفي سنة 301ه على ما يرجح الشيخ الاميني3، وهو ترجيح له ما يسوغه، وليس سنة 260 كما يقول الدكتور شوقي ضيف. وأقول: إذا كانت وفاته سنة 301ه وكان هو القائل:
أعد سبعين ولو أُجملت
نعماؤها عادتْ إلى عام4
فمعنى ذلك أنه ولد على فرض أنه عاش سبعين سنة سنة 231ه. أما إذا افترضنا أنه مات عن ثمانين عاماً فمعنى ذلك انه ولد في سنة 221ه. وأريد ان أتساهل مع الدكتور شوقي ضيف لوجه الله وحده فافترض أنه مات عن تسعين عاماً، وسيكون معنى ذلك أنه ولد بعد وفاة ابيه بأكثر من عشرة أعوام، فأي عاقل يقبل هذا؟ وإذاً، فمحمد الديباجة بن جعفر شخص، ومحمد بن جعفر الشاعر شخص آخر، فأما محمد بن جعفر الذي هو ابو شاعرنا فقد ترجم له الصفدي فقال: "كان في أيام المتوكل وبقي بعده دهراً طويلاً"5. أي: بقي إلى ما بعد سنة 247ه. فإذا صح هذا - وهو في ما أظن - صحيح فلم يبق لي إلا ان اعترف للدكتور شوقي ضيف بخياله الواسع حين قال: "وعُنيت الأم والأسرة بتثقيفه"6، على اعتبار ان أبا علي محمد الديباجة قد مات قبل أن يبلغ ولده سن التثقيف. هكذا يقول الدكتور شوقي ضيف. فإذا تذكرت انني قلت لك قبل صفحات: إن الرجل لم يكن يُحسن العربية باعترافه هو، وانه كان يشكو رداءة خطه علمت سعة خيال الدكتور حين قرر ان الأم والأسرة عُنيتا بتثقيفه.
ويقول لك الدكتور ضيف عن الحِماني نفسه: "وله فخر يتحدث فيه عن ابائه... يقول:
"قلبي نظير الجبل الصعب
وهمتي أوسع من قلبي..."7
وأقول: لا اعرف من أين نسب هذا الشعر للحماني، وأنا إنما لا اعرف لأن الدكتور ضيف لم يعتد ان يشير إلى مصادره ومراجعه في الحاشية على رغم أن له كتاباً يُعلم فيه الطلاب كيف يكتبون!
وأراني اعرف شيئين أولهما انه لم ينسب هذا الشعر إلى الحماني إلا محمد بن داود في القسم الثاني من كتابه "الزهرة" وقد يكون هنالك من نقل عنه هذه النسبة، وثانيهما ان هذا الشعر لصاحب الزنج8.
ويقول الدكتور شوقي ضيف عن الحماني أيضاً: "وله وصف كثير في سرى الليل، وفي اعتساف الفلوات بالابل والخيل..."9.
وأقول: إنه ليس للحماني شيء في اعتساف الفلوات10.
ويقول الدكتور عن ابي العنبس الصيمريّ: "وكأنما اتيح له مبكراً ان يفرغ للتأليف، إذ روى له ابن النديم في الفهرست طائفة كبيرة من المصنفات، ونجد بينها ما يتصل بالمنادمة ككتب الأطعمة، وكتاب الجوابات المسكتة، وكان عالماً بالنجوم له فيها كتابان..."11.
وهذا كلام يظن من يقرؤه بأن أبا العنبس كان مؤلفاً جاداً كسواه من المؤلفين، لا سيما ان الدكتور لم يورد شيئاً من قائمة كتبه، وإنما اكتفى بأن يصفها وصفاً أقرب إلى التضليل منه إلى شيء آخر. أما الحق فإن أبا العنبس كان رجلاً هازلاً لا يكاد يعرف الجد إلى عقله سبيلاً، وليس قليل الدلالة ان يقول ابن النديم عنه: "وكان... من أهل الفكاهات والمراطزات"12، وليس قليلها أيضاً أنه "اجتمع أبو العنبس بأبي العبر الهاشمي في دار المتوكل، فقال له الصيمري: ويحك أيش يحملك على هذا السخف الذي قد ملأت به الأرض خطباً وشعراً وأنت أديب ظريف مليح الشعر؟ فقال: يا كشخان أتريد ان أكسد انا وتنفق أنت؟ وأيضاً تتكلم؟ تركت العِلمَ وصنفت في الرقاعة نيفاَ وثلاثين كتاباً..."13.
ولم يكن أبو العبر قد افتأت في شيء على ابي العنبس، فقد بلغ من السخف بحيث قلّده أدباء عصره، كما قلدوا أبا العبر14.
ودع عنك كل هذا وتعال انظر في قائمة كتبه التي سردها ابن النديم تجد من أسماء كتبه: "كتاب تأخير المعرفة،... كتاب طوال اللحى،... كتاب فضائل حَلقِ الرأس، كتاب هندسة العقل،... كتاب فصل السلّم على الدرجة،... كتاب الفأس بن الحائك،... كتاب السحّاقات والبغائين، كتاب الخضخضة في جَلد عُميرة"15.
أما كتبه التي تتصل بالمنادمة "ككُتب الأطعمة" التي قال عنها الدكتور إنها في قائمة كتبه التي أوردها ابن النديم فلم أجد شيئاً منها عنده، ولا أعلم من أين أتى بها الدكتور؟ وأمّا كتبه في التنجيم فهي ثلاثة وليس كتابين كما قال، هي "كتاب الرد على المنجمين" وكتاب "أحكام النجوم" وكتاب "المدخل في صناعة التنجيم". وقد وصل إلينا من هذه الكتب الثلاثة كتاب واحد ما يزال مخطوطاً، وهو محفوظ في المكتبة الظاهرية في دمشق، وفي خزانة كتبي نسخة منه.
هذا، ولم يكن من حق ابي العنبس - بعد هذا كله - ان يصنفه الدكتور شوقي ضيف في شعراء الهجاء، لأنه من شعراء السُخف في شعره ونثره، ولأن السخف هو الغالب عليه. ويلجأ الدكتور شوقي ضيف في أحيان قليلة إلى ايهامنا بالاطلاع على ما لم يطلع عليه، فقد قال - على سبيل المثال - وهو يتحدث عن بكر بن عبدالعزيز العجلي: "وكان بكر شاعراً انحدر إليه الشعر من ابيه وجده، وله ديوان صغير نشر في دهلي باسم شعر بكر بن عبدالعزيز..."16.
أقول: ما قاله الاستاذ الجليل عن ديوانه صحيح، وإن كان قوله قولاً عاماً لا يكاد يدل على شيء، إذ نحن لم نعرف من الذي طبع الديوان، ومتى وكيف؟
أما لماذا لم يذكر الدكتور هذه المعلومات التي سألت عنها فلأنه لم يطلع على الديوان، ولم يره. وشعر بكر بن عبدالعزيز هذا طُبع في دهلي باسم "شعر بكر بن عبدالعزيز بن دلف بن ابي دلف القاسم بن عيسى العجلي الكرجي نقلاً عن النسخة الخطية المحفوظة في جامع السلطان محمد الفاتح... عني بنشره وتصحيحه وضبطه الفقير الى رحمة ربه الغني أبو عبدالله محمد بن يوسف السورتي... سنة: 1332ه"17. وصد هذا الديوان هو وديوان النعمان بن بشير الأنصاري في مجلد واحد.
وقلت لك: انه لم يطلع على الديوان لا لأنه لم يذكر هذه المعلومات، وانما لأنه حين أراد أن يدرس شعره اكتفى بما أورد له الطبري من دون أن يشير الى أنه ينقل عن الطبري. وانما صاغ جملته صياغة فيها الكثير من الذكاء في الإيهام، إذ قال: "وله ديوان صغير نشر في دهلي باسم شعر بكر بن عبدالعزيز وهو يتغنى في أشعاره، وفروسيته، وله ميمية طريفة نظمها حين سمع أن المعتضد أمر بدراً غلامه أن يتعقبه، وفيها يتهدده ويتوعده بمثل قوله:
ألقى الأحبة في العراق عصيهم
وبقيت نصب حوادث الأيام..."18.
ثم سكت، فما أحال على مصدر وكأنه يوحي لنا بأنه أخذ القصيدة من الديوان، ولكن من دون أن يتورط بالنص على المصدر أهو الطبري أم الديوان؟ فإذا قلتَ له: انك لم تأخذ القصيدة من الديوان لأن روايتها فيه مختلفة، قال: وهل قلتُ انني أخذتها من الديوان؟ وإذا قلت له: انك لم تنص على أنك أخذتها من الطبري قال أنا قلت وفي أول حاشية من ترجمة بكر: "انظر في بكر وأشعاره... تاريخ الطبري" فلم يبق لك إذ ذاك إلا أن تسأله عن معنى قوله في الحاشية نفسها: "انظر في بكر وأشعاره ديوانه، وتاريخ الطبري"؟
وتسألني: إذاً من أين أخذ الدكتور هذه المعلومات عن ديوانه؟ فأقول لك: أخذها من كارل بروكلمان، وأخذ منه قوله عن وفاته، لأن الذي ذكره الدكتور شوقي ضيف عن وفاته لم يرد إلا عند ابن أسفنديار في تأريخ طبرستان، وهو تأريخ باللغة الفارسية19. هذا وقد تحدث الأستاذ الكبير بروكلمان عن الديوان، ولم يره أيضاً، وانما رجع الى نولدكة20.
ويترجم الدكتور ضيف للحمدوني فيقول: "اسمه اسماعيل بن ابراهيم الحمدوني، جده حمدويه صاحب الزنادقة لعصر الرشيد"21.
أقول: هكذا لقبه الدكتور ضيف "الحمدوني" متابعة لجملة من المصادر التي لم تحقق أصلاً، أو انها حققت تحقيقاً رديئاً. وهذه المصادر جميعاً تنسبه الى جده صاحب الزنادقة: حمدويه - والدكتور يعرف ذلك جيداً - أفلم يتنبه الى أن النسبة الى حمدويه هي الحمدوي، وليس الحمدوني؟ لأن الحمدوني يكون نسبة الى حمدون، وليس في أجداد صاحبنا اسماعيل من اسمه حمدون فنقول: انه الحمدوني نسبة إليه. ويحز في نفسي كثيراً ان أقول: لو كان الدكتور ضيف قد جارى المصادر التي لم تحقق أو التي حققت تحقيقاً رديئاً في تسميته بالحمدوني لهان الخطب، ولكان ذلك شيئاً يسيراً. ولكن المصيبة انه حين ترجم لابن بسام قال: "علي بن نصر بن محمد... كان أبوه محمد من ممدوحي البحتري... وكان قد تزوج أمامة بنت حمدون النديم... ويبدو أنها أخت اسماعيل المترجم آنفاً... ونراه يتجه منذ نشأته بشعره نحو الهجاء، وقد يكون لخاله الحمدوني أثر في ذلك..."22.
وأنت ترى ان الدكتور ضيف بلغ من الخلط وعدم التثبت شأواً بعيداً، فهو كان قال لنا عن اسماعيل المترجم آنفاً انه: "اسماعيل بن ابراهيم... جده حمدويه" ويقول لنا هنا صراحة ان اسماعيل هو خال ابن بسام، ومعنى هذه الخؤولة أن اسماعيل هذا هو ابن حمدون النديم، وأن أُمامة اخته. وذلك ليس بصحيح وكأن الدكتور حين رأى لقبه مصحفاً على "الحمدوني" نسي ما كان قرر من أن جده حمدويه صاحب الزنادقة، فتوهم أنه منسوب الى حمدون النديم من دون أن يسأل عما إذا كان في أحد أجداده من اسمه حمدون.
هذه واحدة فأما الثانية فهي ان أمامة هي ابنة حمدون النديم، وحمدون هو: حمدون بن اسماعيل بن داود23 عند ابن النديم، وهو ابراهيم بن اسماعيل بن داود عند ياقوت24. وإذاً هي إما أمامة بنت حمدون بن اسماعيل بن داود، أو أمامة بنت ابراهيم بن داود، والحمدوي هو اسماعيل بن ابراهيم بن حمدويه فكيف يكونا أخوين وأبواهما وجداهما مختلفان؟ أتراهما كانا أخوين من جهة الأم؟ إن أحداً من المؤرخين لم يقل ذلك.
وما لنا ولكل هذا التخمين وقد نص المؤرخون على ثلاثة أخوال لابن بسام هم: أحمد، ومحمد، وأبو العميس25 ولم يقل أحد ان له خالاً سواهم؟
وأريد أن أسأل عن نظرية الدكتور ضيف في أن الأغراض الشعرية يمكن أن تنتقل بالوارثة، وعن أنه بما أن الحمدوي كان هجاء يهجو ابن حرب، فإنه قد يكون لذلك أثر في توجه ابن أخته المزعوم علي بن بسام نحو الهجاء تأثراً بخاله. وأترك الجواب لفطنة القارئ ولثقافته ولحصافته.
ويتحدث الدكتور عن محمد بن داود الظاهري فيقول: "ويروى أن شخصاً سأله في حلقته عن حد السكر متى هو؟ ومتى يكون الانسان سكراناً؟ فأجابه اذا عزبت عنه الهموم، وباح بسره المكتوم. وفي هذه الاجابة ما يدل على أنه كان ظريفاً"26. وإذا كنا رأينا ما نسبه الدكتور ضيف الى علي بن الجهم من ظرف لم نجد مصاديقه في ديوانه، فإننا لا ننفي الظرف عن حياة ابن داود، ولكننا ننفيه عنه في هذه الحادثة، إذ أن من قواعد استنباط الحكم ألا اجتهاد في معرض نص. وقد أجمعت المصادر، وسأكتفي برواية ابن خلكان منها على أنه: "... لما توفي أبوه... جلس... في حلقته... فاستصغروه، فدسوا اليه رجلاً وقالوا له: سله عن حد السكر... فقال: إذا عزبت عنه الهموم... فاستحسن ذلك منه، وعلم موضعه من العلم..."27.
وإذا كان العلماء يشكون أنه كان أهلاً للعلم - وهو ابن خمسة عشر عاماً - فدسوا إليه من يكشفه لهم، فعلق ابن خلكان وسواه: "فعلموا موضعه من العلم". فإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فمن أين جاء الدكتور شوقي ضيف بالظرف؟ نعم لو كان قال: ان اجابته فضلاً عما تدل عليه من علم يمكن أن تدل على ظرف لكان ذلك أدنى الى الحق، وأقرب إلى الصواب.
ولقد كنت قلت انني لم أتخير الصفحات التي وقفت عندها تخيراً، وانما كنت أمتحن هذه الصفحة أو تلك كلما دعتني حاجة ان أرجع الى ما يقول الدكتور الكريم فهل ترى ان الدكتور قد تأنى في ما قال؟
ان عمل الأستاذ الجليل الدكتور شوقي ضيف - وهو يقع في عشرة أجزاء - عمل جليل تنوء به العصبة فما بالك بفرد واحد يقوم به؟ فألف تحية للدكتور ضيف، وألف شكر انه تصدى اليه وحده، وانه اجتهد. ولكن ما هكذا تكتب الأمم تواريخ أدبها.
* باحث عراقي.
1 العصر العباسي الثاني: 391.
2 السابق: 391.
3 ينظر الغدير 3: 301، ولا يُعتد بما روى المسعودي في المروج، وابن الأثير في الكامل من أن وفاته كانت سنة 260، فقط خلطا بينه وبين ابن الديباجة.
4 خاص الخاص: 101 من بيتين.
5 الوافي بالوفيات 2: 295.
6 العصر العباسي الثاني: 392.
7 السابق: 395.
8 ينظر أشعار صاحب الزنج في مجلة "المورد" العراقية: 168، مج 3، ع 3، 1974.
9 العصر العباسي الثاني: 395.
10 ينظر ديوان الحماني طبعة دار صادر، بيروت، 1998 بتحقيقي، وكنتُ قد نشرت الديوان من قبل في مجلة "المورد" العراقية، ع 2، مج 3، 1974.
11 السابق: 432.
12 الفهرست نح: د، الشويمي: 665.
13 أشعار أولاد الخلفاء: 325 وورد اسمه محرفاً فيه على: ابي العميس الصيمري، ووردت جملة "وأيضاً تتكلم" على:" و"أيضاً أتتكلم".
14 ينظر الفهرست: 671، 672.
15 السابق 666-667.
16 العصر العباسي الثاني: 409-410.
17 شعر بكر صفحة الغلاف، وطبعة الديوان حجرية قام بها المطبع الرحماني.
18 العصر العباسي: 409-41.
19 ينظر تأريخ الأدب العربي 2: 52-53، وقارن بالعصر العباسي الثاني: 409-410، 411.
20 فصلت ذلك في تقديمي لتحقيق ديوانه الذي صدر عن "دار صادر في بيروت: 1998.
21 العصر العباسي: 435.
22 السابق: 439.
23 ينظر الفهرست: 634.
24 ينظر معجم الأدباء 2: 209، واضطرب الصدفي في الوافي كعادته المألوفة في اسمه، واسم أبيه في الوافي 5: 325.
25 ينظر شعراء عباسيون 2: 329 ابن بسام.
26 السابق: 453.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.