انعقاد دورة جديدة لمهرجان سينمائي عربي، هو بلا شك مكسب كبير للحياة السينمائية العربية، ليس فقط في القطر الذي ينعقد فيه المهرجان بل على امتداد الساحة العربية. وهو مكسب يتوجب على السينمائيين العرب المحافظة عليه، وتطويره، اذا اردنا لصناعات السينما العربية ان تتحقق في صورة افضل، وان تنجز المهمة الكبرى: تسويق الفيلم العربي في الأقطار العربية المختلفة، ثم محاولة زجّه في سوق الفيلم الدولية. ومع اهمية اقامة مهرجانات عربية للسينما، وانعقاد دوراتها في مواعيدها المحددة، وضمن مشاركات جدية فعالة، تبرز اهمية رفد هذه المهرجانات بما يمكن ان نسميه مجازاً "البنية التحتية"، والتي يتحول انعقاد المهرجانات السينمائية من دونها الى ما يشبه كرنفالاً احتفالياً يقع في الفراغ، اذ تتحول الفائدة المرجوة من عقد المهرجانات الى فائدة ضئيلة وقليلة الفعالية والأثر. من ذلك مثلا، إعادة النظر في دور العرض المتوفرة في العواصم والمدن العربية كمّاً ونوعاً، حيث في الحالتين نلحظ تناقصاً مستمراً في عدد دور العرض التي لا تزال تعمل فعلاً، فيما يزحف الخراب والتآكل على ما ظل من هذه الدور الى الدرجة التي باتت نسبة كبيرة منها، غير صالحة للعرض السينمائي النظيف والمريح. ولا تقل عن هذه المهمة الكبرى مهمة اعادة النظر في نوعية الأفلام التي تعرضها دور العرض السينمائي العربية، والتي اصبحت في معظمها افلاماً قديمة لا تواكب الانتاج السينمائي العالمي الجديد، بما يقدمه هذا الانتاج من مدارس سينمائية، وخبرات فنية. السينما العربية لا تزال - باستثناء السينما المصرية - سينما هواة، لا بالمعنى الفني للكلمة، ولكن ايضاً بالمعنى الاقتصادي، حيث هي سينما بلا سوق توزيع. اي انها، بكلام اوضح، سينما حبيسة العلب، لا علاقة فعلية لها بالمردود المادي الذي يمكن ان يعيد كلفتها الانتاجية ومن ثم يشجع على انتاج المزيد. وبهذا المعنى فان مهمة المهرجانات السينمائية العربية يتوجب ان تكون حلّ هذه المسألة، او على الاقل انجاز خطوات عملية على طريق حلّها. فإقامة مهرجان دوري للسينما لن تكون مفيدة، وذات نتائج فعلية على الحركة السينمائية، اذ لم ترتبط بخطوات عملية يمكن ان تقوم بتنشيط الحياة السينمائية، وتعيد للعرض السينمائي حيويته المفقودة، وتعيد جمهور المشاهدين الى الصالات التي ابتعد عنها منذ سنوات طويلة. يمكن هذا من خلال اعتماد "المهرجانات الصغيرة"، ونعني بها تظاهرات العروض السينمائية الدائمة، سواء في نوادي السينما وما يمكن ان يتفرع عنها وان تقوم به من نشاطات نقدية وفكرية، او من خلال اعادة تأهيل دور عرض السينما في المدن والعواصم العربية. والأهم من ذلك كله اعادة النظر في نوعية الافلام التي تعرضها دور العرض في هذه الأيام والتي هي - غالباً - من الافلام القديمة، وذات المضامين الاستهلاكية، اي انها لا تواكب أبداً حركة الانتاج السينمائي الجديد في العالم. اعتقد ان الكثير يمكن عمله في مجال السينما لكي تأتي المهرجانات السينمائية العربية تتويجاً لبنية حقيقية، بدلاً من وضعها الراهن، معلقة بلا جذور او ارتباطات في فراغ لا يشغله الا الهواء.