البحث عن أصل الأبجدية شغل آلاف العلماء منذ مئات السنين. والعودة إلى جذور الأبجدية منذ نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد ليست مستحيلة، وإن كانت تفاصيل عدة لا تزال غير مؤكدة. ويؤكد علماء التاريخ الحياديون أن كل دولة تقع شرق البحر الأبيض المتوسط أو بالقرب منه أدرجت بشكل أو بآخر في قائمة المطالبين بأحقية نسب أصول الأبجدية إليها. وقبل أيام أعلن ان علماء مصريات اكتشفوا نموذجاً مبكراً للأبجدية على نقوش "قد تعيد صوغ مفهوم الحضارة". وملخص القصة أن أستاذاً اميركياً في علم المصريات وزوجته التي تدرس للحصول على درجة الدكتوراه في التخصص نفسه اكتشفا نقوشاً محفورة على حجر جيري، واستنتجا انها أقدم نماذج للكتابة الأبجدية. وكتبت "هيرالد تريبيون" ان "النقوش المحفورة والمكتوبة بنص سامي ذي تأثيرات مصرية تعود الى بين 1900 و1800 ق.م، أي قرنين أو ثلاثة قبل أقدم أبجدية معروفة". وذهبت الى أن التجارب الأولية للأبجدية تبدو كأنها من عمل الساميين الذين كانوا يعيشون في أعماق مصر، وليس في بلادهم في منطقة سورية وفلسطين، كما كان معتقداً، مما يعيد الى الاذهان عن قصد أو غير قصد إدعاءات يهودية تنسب إلى نفسها بناء أهرامات الجيزة. وسألت "الحياة" السيدة ديبورا كولمان دارنل زوجة جون دارنل، الزوجين اللذين نسب إليهما الكشف الجديد، عن حقيقة ما وجدا. وحرصت دارنل على تأكيد أن النقوش شديدة الشبه بالمصرية القديمة. وقالت انهم عثروا خلال الصيف الماضي على نقش يحوي اسم "ببي" الذي سمى نفسه "جنرال الاسيويين". وكان يعمل تحت امرته جنود أجانب اختصوا بتأمين وصول الرسائل الملكية. ورجحت دارنل أن الذين كتبوا هذه النقوش هم أجانب "ممصرون" كانوا بالتأكيد جزءاً من الحياة الرسمية في مصر. وقد ابتكروا الأبجدية التي اكتشفت بناء على ما تعلموه من آخرين من المصريين. تشير دارنل الى أنها وزوجها على دراية تامة بالحساسية التي قد يطرحها مثل هذا الموضوع، وتقول "إننا نعشق مصر وكل ما هو مصري. ومن يكتب غالباً في مثل هذا الموضوع في الغرب لا ينظر اليه بحساسية. والدلائل كلها تشير الى أن الذين ابتكروا هذه الأبجدية، سواء كانوا ساميين أم لا، تعلموا ونقلوا من حضارة أرفع مقاماً". ويتساءل رئيس قسم الآثار المصرية في كلية الآثار في جامعة القاهرة الدكتور عبدالحليم نورالدين الذي شغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار عندما اكتشف الزوجان الأميركيان النقوش: "لماذا صمتا كل تلك المدة منذ العام 1993. انها حالة الهوجة التي تجتاح العالم لسحب البساط من تحت أقدام المصريين، والادعاء بأنها ليست حضارتنا". يقول نورالدين إن الفينيقيين أول من عرف الأبجدية، وهم تأثروا بالأبجدية السينائية التي عثر عليها في سيراتية الخادم ووادي المغارة، حيث يوجد الفيروز والنحاس. وكانت هناك عمالة مصرية مستمرة منذ التاريخ المصري القديم، كما كانت هناك عمالة وافدة من مناطق مثل فلسطين وسورية، "لذا نستطيع أن ننسب شيئاً من الفضل للحضارة المصرية في هذا الشأن، إذ أن الأبجدية السينائية تأثرت بالعلامات المصرية القديمة". ويعود نورالدين الى الأبجدية المكتشفة ويقول: "كونها نشأت في رحاب أرض مصرية من خلال جالية أجنبية كانت موجودة في مصر، لا يعني أننا نتحدث عن سبق لآسيويين أو ساميين، لأنه لو كان هذا السبق قائماً لنشأ على أرضهم". ويمضي نورالدين في تعليقه على "الاكتشاف" الجديد: "انها فكرة هلامية، غريبة التوقيت. هل نستطيع ان نتحدث عن أبجدية اجنبية نشأت على أرض مصر في الوقت الذي لم يعرف المصريون الابجدية؟ الفكرة مشبوهة وتدعم الاتجاه الصهيوني". رئيس قسم أبحاث الشمس والفضاء في معهد الأبحاث الفلكية والجيوفيزيائية في حلوان الدكتور مسلم شلتوت قال ل"الحياة" إن اليهود "يحاولون ان يجدوا لأنفسهم موطئ قدم في الحضارة المصرية، حتى تكون لهم جذور في المنطقة". وأضاف "إن وجود عدد من الساميين في مصر في وقت ما كجنود مرتزقة أو لتقديم الجزية والهدايا لا يعني بأي حال ان لهم اصولاً في مصر".