الكتاب: كذبة السامية وحقيقة الفينيقية المؤلف: فرج الله صالح ديب دار النشر: دار نوفل، بيروت، لبنان، 1998، 262 صفحة من القطع الوسط يستكمل فرج الله ديب في مؤلفه الجديد "كذبة السامية وحقيقة الفينيقية" جهوده البحثية في التاريخ القديم، ويمكن اعتبار كتابه، متابعة لكتبه النقدية السابقة "اليمن هي الأصل: الجذور العربية للأسماء" و"معجم معاني وأصول المدن والقرى الفلسطينية" و"التوراة العربية وأورشليم". إن الاطار العام لكتابه الجديد هو زمن الفينيقيين "حقيقة تاريخية، والسامية لغة وشعباً كذبة تاريخية" اوقعنا فيها بحّاثو التوراة والمؤرخون الغربيون الذين لم ينظروا بعين الانصاف الى تاريخ عالمنا العربي فرتّبوا تواريخنا بما يتطابق وإخباريات التوراة. ويتصدى المؤلف في مراجعاته النقدية لهذا "الكذب التاريخي المتمادي في التلفيق والاغفال" ليؤكد على بطلان هذا التاريخ داعياً المؤرخين في عالم العروبة لإعادة النظر في كل ما سطروه اعتماداً على كتّاب الغرب و"لتأصيل الاصيل وتغريب الغريب". أسئلة عدة يطرحها الكتاب الجديد لفرج الله ديب، ويترك بعضها بلا اجابة نهائية، تاركاً للبحّاثة والمؤرخين في عالمنا العربي متابعة البحث والتنقيب، فهو يقول في اكثر من موضع من كتابه، انه لا يضع جواباً حاسماً شافياً ونهائياً كقوله في الصفحة 207 عند حديثه عن مدينة تير او صور، ومتى كان يطلق عليها "تير" ومتى صار اسمها صور. "فمتى انتهت التسمية الفينيقية اليونانية وسادت عشائر الصوريين عليها ومنحتها تسميتها الجديدة؟ السؤال يحتاج الى بحث لا أدعي انني توصلت الى جواب عليه". لكنه في أمور أخرى كان قد بحثها في كتاباته السابقة يعود اليها مضيفاً عليها ما لقيه من جديد، او انه يقول بصراحة العالم المدقق، انه سبق ووقع في خطأ تفسيري، وانه وجد الآن الجواب الواضح والصريح والنهائي كما يقول في الصفحة 190 حول قراءة نقش فينيقي تحت عنوان فرعي: "نقد كتابنا: اليمن هي الأصل"، وفي مواضع اخرى، نراه يجزم جزم العالم المتيقن من اكتشافه فيعلن الحقيقة بوضوح وجرأة لا عودة عنها...". في الفصل الاول، يستعرض بداية الكذبة: "السامية" التي اطلقها عام 1781 الكاتب الألماني شلوتسر في مقال له عن الكلدانيين يقول فيه: "من البحر المتوسط الى الفرات، ومن ارض الرافدين حتى بلاد العرب جنوباً، سادت كما هو معروف لغة واحدة. ولهذا كان السوريون والبابليون والعبريون والعرب شعباً واحداً. وكان الفينيقيون الحاميون ايضاً يتكلمون هذه اللغة التي أود ان اسمّيها اللغة السامية". ويعلق المؤلف ديب على هذا القول بالتالي: "وهكذا كانت الفينيقية سامية اللغة حامية الاصل"، اما منطلق الكذبة فهو لاسقاط "زجليات التوراة" على منطقة بلاد الشام تحديداً ولتغييب اللغة العربية واعتماد "العبرية" كلغة وكمرجع وللتوكيد على ان اليهود هم الاساس، وانهم من الجماعات التي استوطنت هذه المنطقة، وان ما سطروه من تأريخ في توراتهم ومختلف كتبهم هو الاساس التاريخي الذي يجب الاعتماد عليه. ويعلّق الكاتب بيير روسي على ذلك كله قائلاً: "ان تعبير السامي لم يرد اغريقيا او لاتينياً... لقد ابتدعه شلوتسر الألماني عام 1781. وإذا كان سام وحام ويافث ابناء نوح، فلماذا اطلق على الاوروبيين اسم الآريين وليس اليافثيين؟". ويأخذ على المفكرين في عالم العروبة اخذهم بهذه التسميات من دون تمحيص ويطالبهم بالانتفاض على كل كتب "الكذب في جامعات اوروبا". ويعود بنا المؤلف الى مختلف النقوش التاريخية القديمة المنتشرة في ارجاء عالم العروبة، ليخلص الى نتيجة مؤداها انه لم يعثر اطلاقاً على نقوش او آثار باللغة العبرية القديمة او المعاصرة سواء في فلسطين او في اي مكان آخر من العالم العربي. ويتابع، انه على رغم ذلك، استمرت الكذبة، حين اعتبرت العبرية القديمة هي الكنعانية "لكن من دون تقديم أي حرف أو نقش". وعلى ذلك يعلق ايضاً بيير روسي: "ان ايضاحاً حول قضية العبرية يبدو ضرورياً، لأن وهماً معقداً ومستمراً لشعوذة لغوية، قد استطاع ان يجرّ كثيراً من الناس ليروا العبرانيين، وفي "ثقافتهم" الاجداد الساميين لتاريخ الشرق، ولتاريخنا نحن في اوروبا ايضاً. ان علينا ان نعرف قبل كل شيء ان التاريخ المصنوع للعبرانيين خارج النصوص التوراتية هو الصمت الكلي المطبق. فلا العمارة ولا الكتابات المنقوشة على الآثار، ولا القوانين والدساتير تكشف اثراً قليلاً للعبرانيين". ورغم ذلك، جُلّ المؤرخين في العالم يعتمدون التوراة مرجعاً وحيداً لتاريخ بلاد الشام. وبعد ان يستعرض آراء علماء آثار غربيين ويهود، يستخلص النتيجة الآتية في نهاية الفصل: "... كيف تكون التوراة وهي زجليات حفظتها الذاكرة الشعبية، وكان مسرحها بين الاحقاف وشمال اليمن، والتي كانت بلهجات يمنية متعددة من اللهجة السريانية والمناطقية المتعددة في اليمن، مفتاحاً "بالعبرية الحديثة" للتاريخ في بلاد الشام وللفينيقيين تحديداً؟ وكيف تصبح الكنعانية وهي تسمية لأبناء الحضر مقابل البدو والعابرين، لغة منفصلة "عبرية" أيضاً؟". وينشر في الفصل نفسه تحقيقاً لمجلة "تايم" اجرته عام 1995 وعنوانه "هل التوراة حقيقة ام خيال؟". في الفصل الثاني يتابع "الكذبة" عبر كتابات لأربعة مؤرخين: فيليب حتي ويوسف حوراني وأنيس فريحة وول ديورانت، فيلاحظ "التخبط العشوائي" و"التناقضات" التي وقع بها هؤلاء، ويورد مثلاً عند فريحة مأخوذاً من كتابه "ملاحم وأساطير" وكيف انه وقع في خطأ في الصفحة 23، وانه يعود ويرد على نفسه في الصفحة نفسها والصفحة التي تليها بقوله: "ولكن يجب الاحتراس من التمادي في استخدام العبرية لفهم النصوص الاوغاريتية لكي لا يقع المرء في ما وقع فيه فيرولو وديسو وجلة من العلماء اليهود مثل غاستر وغنزنبرغ وكاسوتو من اخطاء مردها الى اعتبار بعض المظاهر اللغوية في اوغاريت عبرية صرفاً...". وهكذا كما يقول ديب، ان التخمين والظن والهوى، لا يوصل الى نتائج اكيدة وحاسمة وحقيقية في هذا الموضوع الخطير. ويدلنا في الفصل الثالث الى موقع بلاد كنعان، فاذا هو في المناطق المتاخمة لصنعاء، وقد انتقلت العشائر الكنعانية على طول الشواطئ وصولاً الى فلسطين، حيث تركت اسماءها ايضاً، ولهذا السبب "نجد اسماء المدن والعشائر اليمنية وبطونها مترددة في فلسطين وبلاد الشام والمحيط العربي". ويؤكد لنا في الفصل الرابع على ان النقوش اليمنية هي الكنعانية، على اعتبار ان لهجات النقوش اليمنية تحتوي على اللهجات الكنعانية. وفي الفصل الخامس يجري مقارنة بين نقوش رأس شمرا والنقوش اليمنية ليخلص الى التوكيد على اصلها الواحد. وفي الفصل السادس: "هيرودتس والحديث الاول عن الفينيقيين" وفيه يأخذ على مؤرخينا عدم استخدامهم ترجمة "تاريخ هيرودتس" لحبيب افندي بسترس عام 1887، إذ يورد في الصفحة 467 منطلق الفينيقيين بقوله: "... كانوا يسكنون سابقاً سواحل بحر اريتريا البحر الاحمر كما يقولون هم انفسهم. اذ اجتازوا من هناك الى سواحل سورية فقطنوها". وان الجفريين الذين صحبوا قدموس الى بلاد الاغريق هم في الاصل فينيقيون، وان عشائرهم ما زالت حتى تاريخه في حضرموتجنوب اليمن، وان اصل اسطورة الفينيق يمني المصدر أيضاً. في الفصل السابع، يورد مقارنة بين نماذج من اللغات: العربية، الفرنسية، الانكليزية، الألمانية واللاتينية ليؤكد على ان الفينيقية - العربية انتقلت من اللهجة العربية الى لهجات الدول التي استعمرها الفينيقيون، نتيجة الانتقال والانتشار الحضاري الذي بدأ مع التجارة والأبجدية ثم مع نشوء الامبراطوريات اليونانية والرومانية. في الفصل الثامن يتحدث عن هجرة نماذج من الآلهة العربية القديمة مع الفينيقيين الى بلاد الاغريق وحيث حطّت بهم الرحال. في الفصل التاسع يتحدث عن الفينيقيين "في الاصل والفصل واللغة"، وان تسميتهم مصدرها يوناني، وردت في كتابات كل من هيرودتس وهوميروس ولم تأت من المصادر المحلية التي يعرض لها عند كل من المؤرخين يوسف السودا، فيليب حتي، يوسف حوراني، انيس فريحة، وجواد بولس، فيناقش اقوال هؤلاء فاضحاً "الدمج الاسقاطي التوراتي" الذي وقع به المؤرخون في الغرب "خصوصاً بحّاثة التوارة، الذين كان همّهم اثبات النظريات الجغرافية التوراتية، وحشر اللغة العبرية الجديدة كأساس لكل لهجات المنطقة العربية". ثم يعرض لنماذج من الابجدية اليمنية المسندية والابجدية الفينيقية عبر جدول مقارنة فيجد تطابقاً بينهما لأن الابجدية السينائية المكتشفة في شبه جزيرة سيناء هي الاصل للأبجديتين. في الفصل الأخير، "الانتشار الفينيقي"، وفيه يعرض للامبراطورية الفينيقية الواسعة وانتشارها التجاري والسياسي والحربي، ولوجود آثار فينيقية على طول الشاطئ السوري واللبنانيوالفلسطيني "وفي محطات لا تتجاوز الخمسين كلم بين الموقع والآخر". الكتاب الجديد، يُسقط مسألة السامية لغة وشعباً ويعلن بطلانها بل ودفنها، ويؤكد على حقيقة تاريخية وجغرافية هي ان اصل الفينيقيين هو من اليمن الذين استوطنوا على طول الشاطئ في بلاد الشام، وان هذه الحقيقة ما زال يتخبط بها بعض المؤرخين والمفكرين في لبنان تبعاً لنوازعهم القبلية او العشائرية، وانه يجب وقف هذا التخبط التاريخي و"الاثني" واعلان موقف جريء وواضح في هذا الشأن، فهل يفعلون، ومتى؟