شيّعت الجزائر ظهر أمس جثمان الرجل الثالث في الجبهة الاسلامية ل "الانقاذ" المحظورة الشيخ عبدالقادر حشاني الذي اغتيل صباح أول من أمس في ظروف غامضة. وخرجت الجنازة من بيته الكائن في شارع غديس عمّار أعالي بولوغين شمال العاصمة الى مسجد النور. وإثر الصلاة عليه نُقل الى مثواه الأخير في مقبرة "القطّار" الواقعة خلف وزارة الدفاع الوطني على سفح جبل في أعالي باب الوادي. وزار ممثلو الأحزاب والشخصيات الوطنية منزل الراحل ثم توجهوا في موكب جنائزي الى المقبرة. وحضر الجنازة شيوخ "الانقاذ" المفرج عنهم بما فيهم الشيخ عباسي مدني رئيس الجبهة الناطق الرسمي باسمها، باستثناء علي بن حاج زعيم جناحها السلفي. وبن حاج معتقل في سجن البليدة. وأفاد شهود ان الشيخ عباسي وصل في سيارة من نوع بيجو 205 بيضاء برفقة حراسة من الأمن العسكري، وسارت خلفهم سيارة لاندروفر تُقل عناصر من فرقة التدخل السريع من الشرطة. وبقي عباسي بعض الوقت في منزل حشاني، قبل ان يغادر في منتصف النهار. وهو أعلن للصحافة: "أرادوا اغتيال الجزائر لكنها ستحيا إن شاء الله". وتحت إلحاح الموجودين في المكان، أضاف: "على العهد باقون". وأردف "الكلمة قالها الشعب الجزائري". وأرغم الشيخ عباسي على الدخول الى السيارة وقطع تصريحاته. وتوجهت سيارته نحو المسجد ثم المقبرة. ولوحظ انه ما أن وصل الشيخ عباسي الى مدخل بناية الراحل، في حدود العاشرة والنصف، حتى صاح أنصار "الإنقاذ" الذين انتشروا بكثرة في الممر الضيق المؤدي الى المنزل مرددين الشعارات التي كانوا يطلقونها أيام الإعتصام الشهير الذي جرى في العاصمة في حزيران يونيو 1991: "يا علي يا عباس الجبهة راهي لاباس". كذلك كرروا هذه الشعارات لدى خروجه من بيت حشاني بعد نصف ساعة محاطاً بمسؤولين في أجهزة الأمن وأضافوا اليها: "يسقط نزار ... يسقط نزار"، في إشارة الى وزير الدفاع السابق. وفي ظل حراسة أمنية مشددة، توجهت جموع المشيّعين خلف الموكب الجنائزي من بيت حشاني الى المقبرة مروراً بالمسجد. وامتد الموكب على مسافة أكثر من كيلومتر مما أدى الى توقف حركة المرور في باب الوادي. وتراوحت تقديرات المشاركين في الجنازة بما بين الفين وثلاثة الآف شخص. وخلال مسيرة الجنازة، هتف أنصار "الإنقاذ" بأعلى صوتهم: "عليها نحيا وعليها نموت وفي سبيلها نجاهد وعليها نلقى الله"، مما أعاد تذكير سكان حي باب الوادي الشعبي بمطلع التسعينات حين كانت "الفيس" - التسمية المختصرة لجبهة الإنقاذ بالفرنسية - تسيطر على الشارع الجزائري. وأكد علي جدي، وهو عضو قيادي في الجبهة المحظورة، في كلمته التأبينية أمام جموع الحاضرين أن حشاني "قُتل لأنه قال كلمة حق عند سلطان جائر". واستدرك: "إننا لا نقصد بالسلطان الجائر طرفاً بعينه وعلى السلطات القائمة أن تخرج هذا السلطان الجائر إلى الأمة لكي تقتص منه فلذات أكبادها الذين تسفك دماؤهم وهم أبرياء". ورأى أن حشاني "لا يعاديه إلا أعداء الحق، أعداء السلم والإسلام والأمن والأمان". وحضر الجنازة الشيوخ علي جدي وعبدالقادر بوخمخم وكمال قمازي، الى جانب شخصيات وطنية وإسلامية مثل الدكتور احمد طالب الابراهيمي حركة الوفاء والعدل، عبدالله جاب الله حركة الاصلاح الوطني، ومولود حمروش رئيس حكومة سابق، وممثلون عن حركتي مجتمع السلم حمس، وحركة النهضة، والسيدة لويزة حنون رئيسة حزب العمال، وعلي يحيى عبدالنور رئيس رابطة حقوق الإنسان. وحضرت الى بيت الشيخ حشاني شخصيات وطنية مثل بن يوسف بن خدة رئيس الحكومة الموقتة، والعقيدين محمد الصالح يحياوي الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني، وصالح بوبنيدر رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات التشريعية والمحلية، وعبدالعزيز بلخادم رئيس البرلمان السابق. وغاب عن الجنازة ممثلو الحكومة والرئاسة وحتى بعض أحزاب الإئتلاف الحكومي. وفي ردود الفعل، اجمعت الأحزاب الجزائرية على إدانة العملية "الارهابية"، ووصفها ب"الاغتيال السياسي"، ومطالبة السلطات بتحمل مسؤوليتها. فقد اعتبرت "حركة مجتمع السلم" الجريمة "تراجعاً في الوضع الأمني"، ودانت جبهة القوى الاشتراكية التي يتزعمها حسين آيت أحمد الاغتيال الذي طال "الرجل السياسي ورجل الحوار الذي ظل يقوم بدور مهم لإحلال الأمن والاستقرار". وفي حين عبّرت جبهة التحرير عن حزنها إثر تلقيها النبأ ودعت الى اليقظة، حمّلت حركة الوفاء والعدل السلطة المسؤولية واصفة الاغتيال ب"محاولة اسكات الأصوات الرافضة لسياسة التهميش والمصالحة الوطنية". وشجب حزب العمال الذي تتزعمه لويزة حنون الاغتيال، في وقت دانت حركة "النهضة" العملية ملاحظة "ان العودة الى تصفية الرموز السياسية تتزامن مع التصعيد الأمني الأخير". واستنكرت حركة التواصل والتنمية التي يتزعمها الجنرال محمد عطايلية العملية. ولوحظ ان الطبقة السياسية الجزائرية اختلفت في شأن من يتحمل مسؤولية الجريمة، إذ حمّل التيار الاسلامي التيار "الاستئصالي" المسؤولية، في حين حمّل التيار اللائكي العلماني المسؤولية للتيار الاسلامي الراديكالي. وفي لندن، تلقّت "الحياة" بيانات من جبهة "الإنقاذ" تدين إغتيال حشاني. ووصفت "الهيئة التنفيذية" التي يرأسها السيد رابح كبير قتل حشاني بأنه "اعتداء إجرامي غادر". وبعدما نددت ب "هذا العمل الجبان" الموجه ضد "إرادة الشعب الجزائري وتطلعاته للسلم والمصالحة الوطنية"، طالبت السلطات ب"فتح تحقيق جدي وسريع للكشف عن ملابسات هذه الجريمة البشعة ومدبريها ومنفذيها وإنزال القصاص الصارم بهم". وأضافت: "نعتقد أن الأوساط الإستئصالية هي المسؤولة عن هذه الجريمة مستفيدة من حال الانسداد السياسي الحاصل في البلاد نتيجة محاولة الإبعاد السياسي القسري للجبهة الإسلامية للإنقاذ عن ... العمل السياسي الشرعي. فعمدت هذه الأوساط الآثمة إلى وضع مخطط التصفيات الجسدية لقيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ موضع التنفيذ بهدف خلط الأوراق". كذلك أصدر السيد أنور هدام من سجنه في فرجينيا الولاياتالمتحدة بياناً ندد فيه باغتيال حشاني، محملاً المسؤولية ل "المناهضين للوئام الوطني الحقيقي". وقال ان جبهة الإنقاذ "تُحمّل السلطة الجديدة في البلاد مسؤولية هذه الجريمة" داعياً إياها الى تأمين أمن قادة الجبهة وسلامتهم. وتابع ان "مواصلة المساعي من أجل حل سياسي شامل وعادل للأزمة" مرتبطة ب "كشف مدبّري" الإغتيال ومنفّذيه. ودعا قياديون في "الإنقاذ" في بريطانيا الى أداء صلاة الغائب عن الراحل بعد صلاة العصر اليوم الأربعاء. وستُقام حفلة التأبين في دار الرعاية قرب محطة فنزبري بارك شمال لندن 233 Seven Sisters Road N4.