ربما كان القارئ العربي لا يعرف اللورد ارتشر، الذي ولد باسم جيفري ارتشر، الا ان عرب لندن يعرفونه جيداً، فهو يحضر حفلاتهم الخيرية، ومهمته المفضلة ان يدير المزاد الخيري، فهو خفيف الدم، ذرب اللسان، يستطيع ان يجعل بعض البخلاء المشهورين يطلع عن بعض ماله. وشاهدته مرة يدير بذكاء مزاداً في حفلة تكريم للدكتور مجدي يعقوب، جراح القلب المصري - البريطاني، المشهور، في متجر هارودز برعاية السيد محمد الفايد، وحضور الأميرة ديانا. وان لم تخنّي الذاكرة فقد جمع حوالى 200 ألف جنيه للأعمال الخيرية ذلك المساء. ورأيته المرة الأخيرة في حفلة لبنانية أبلى فيها بلاء حسناً، حتى ان مطرقته التي لا يتجاوز ثمنها عشرة جنيهات بيعت بحوالى 15 ألف جنيه. اللورد ارتشر بدأ بداية وضيعة، وصعد عدة مرات وهبط متراوحا بين الفضائح الجنسية والافلاس، ثم احترف الكتابة، وأصبح من انجح الروائيين البريطانيين وصاحب ملايين، فكان صعوده الأخير الذي أوصله الى منصب نائب رئيس حزب المحافظين مع لقب اللوردية، والى ان يرشحه الحزب لمنصب رئيس بلدية لندن الذي سينتخب انتخاباً مباشراً للمرة الأولى في تاريخ المدينة. غير ان اللورد ارتشر سقط في نهاية الأسبوع سقوطاً لا قيام بعده، أهون ما فيه انسحابه من معركة رئاسة بلدية لندن، فهو ضبط بكذبة من نوع الكذبة التي أوصلت النائب السابق والوزير جوناثان ايتكن الى السجن. والقضية الأصلية عمرها ثلاث عشرة سنة عندما ربح جيفري ارتشر قضية تشهير رفعها على جريدة "الديلي ستار"، بسبب نشرها أخباراً عن علاقته مع مومسات، ونال 500 الف جنيه تعويضاً، كما دفعت الجريدة نفقات المحامين التي تجاوزت 700 ألف جنيه. قبل أيام قرّر تيد فرانسيس، وهو مخرج تلفزيوني، ان يذهب الى جريدة "نيوز اوف ذي وورلد" المتخصصة في الفضائح، وان يقول لها مقابل 20 ألف جنيه، ان صديقه السابق جيفري ارتشر طلب منه خلال المحاكمة ان يكذب نيابة عنه، وان يقول انه كان على عشاء معه، مع ان الأرجح انه كان مع أدريانا كولكوهون، وهي سيدة مجتمع بريطانية عملت يوماً مساعدة خاصة له. بالنسبة اليّ، أغرب ما في الموضوع ان ذلك العشاء لم يثر خلال المحاكمة، وبالتالي لم يؤثر في القرار، فالجريدة زعمت انه أعطى فتاة ليل معروفة الفي جنيه لتسكت عن علاقته معها، غير ان ارتشر اقنع المحكمة في حينه بأن الهدف من الدفع الذي صوّرته جريدة "نيوز اوف ذي وورلد" في محطة قطار، كان مساعدة الغانية على مجابهة صعوبات مالية. بكلام آخر، جيفري ارتشر كذب كذبة لم تصل الى المحاكم، ومع ذلك فهو سقط سياسياً، وربما انتهى في السجن لينضم الى ايتكن الذي ينفذ حكماً مدته 18 شهراً. وهنا بيت القصيد، فالسياسي العربي يكذب في الحكم وخارجه، جهاراً نهاراً، وفي الليل ايضاً، ولا يحاسبه أحد. بل ربما كان الكذب أهون ما فيه. استطيع ان أزيد الا ان ما سبق يكفي فأكمل بشيء آخر يبدو ان جيفري ارتشر لا يعرفه على الرغم من علاقاته العربية، هو ان يحذّر اصدقاءه، او كما قال الشاعر: احذر عدوك مرة/ واحذر صديقك الف مرة/ لأن الصديق اذا انقلب عدوا/ فهو ادرى بالمضرّة. جيفري ارتشر وقع لأن صديقه تيد فرانسيس خانه. وكما باع يهوذا الاسخريوطي السيد المسيح بثلاثين قطعة من الفضة، فقد باع تيد صديقه جيفري بعشرين الف جنيه. وقرأنا ان المخرج التلفزيوني هذا غضب لأن ارتشر المليونير وعده بتمويل انتاج له، ثم تراجع عن وعده، كما قرأنا ان ارتشر أهانه، فقد رآه يكلم سيدة مجتمع في حفلة فاقترب منهما وقال للسيدة: احذري هذا الرجل، فقد اعطيته 20 ألف جنيه ولم يردها. ولا أدري اذا كان فرانسيس قرّر ان تكون خيانته صديقه بالمبلغ نفسه اي عشرين الف جنيه صدفة أو تدبيراً، غير ان من الواضح ان ارتشر اخطأ في اختياره صديقاً، إذ تبين الآن انه سجّل عدداً من مكالماته مع ارتشر، وهذا ما لا يفعله الأصدقاء، بل يقترفه رجل ينوي شراً. وكلمة اخيرة "فالسيدة" ماري ارتشر أيّدت زوجها مع كل فضيحة مالية أو جنسية وقع فيها، وهي تؤيده الآن، ما يجعلها مثلاً يحتذى، فهكذا الزوجات والا فلا. وهي نقيض زوجة تحاسب زوجها على أفكاره، ناهيك عن أفعاله، فاذا تململ في مقعده، نظرت اليه محذرة وقالت: بلاها. وواضح انها تعرفه جيداً.