في الثامن عشر من تشرين الثاني نوفمبر 1922 ابرق رفعت باشا الى انقرة، يُعلم السلطات فيها بأن الخليفة وحيد الدين قد هرب من البلاد، ولكن دون ان يعلن تنازله عن العرش. غير ان ذلك الخبر لم يفاجئ احداً. كل ما في الامر ان الحكومة اجتمعت في انقرة بالمجلس النيابي، حيث تحدث حسين رؤوف عما حدث، شارحاً امام الحاضرين الاضرار التي ألحقها السلطان الهارب بالعالم الاسلامي طالباً من النواب ان يعمدوا الى تعيين خليفة آخر مكانه. وعلى الفور بدأ النواب عملهم باعلان خلع وحيد الدين عن العرش، وبدأوا يتداولون اسم عبدالمجيد بوصفه افضل المؤهلين لخلافة وحيد الدين. وكان من ضمن العناصر التي لعبت لصالح عبدالمجيد ان ابن عمه الخليفة السابق عبدالحميد كان قد ابعده عن الحياة السياسية بسبب آرائه التحررية، فاكتفى طويلاً بممارسة هواياته الفنية من رسم وموسيقى. خلال الجلسة حاول النواب الاسلاميون، يومذاك، ان يتحدثوا عن واجبات الخليفة ومكانته، غير ان مصطفى كمال، الذي كان حاضراً التفّ عليهم مؤكداً ان المسألة مسألة اختيار شكلية للخليفة، وان هذا الامر، يخص تركيا وحدها، لا العالم الاسلامي، مؤكداً ان الخليفة لم يعد يحق له ان يلعب اي دور سياسي، وان وظيفته رمزية لا اكثر: انه لن يعود اكثر من مرشد روحي للمسلمين الاتراك. في تلك الاثناء كان وحيد الدين على متن السفينة "مالايا" التي اقلته الى مدينة لافاليتا عاصمة مالطا. ومن المعروف ان ذلك الخليفة كان بدأ يشعر بالقلق الجدي، منذ الغاء السلطنة في بداية ذلك الشهر فاستدعى المفوض السامي البريطاني سير هوراس رامبولد، الى القصر لكي يطلب اليه، رسمياً، ان يحميه. غير ان رامبولد اجابه قائلاً بان بريطانيا العظمى لم تعد تعترف الا بالحكومة الشرعية المقيمة في انقرة، مضيفاً انه، على اية حال، يمكنه ان يؤمن حمايته ان هو تعهد بالتنازل عن العرش. وكان وحيد الدين قد اسرّ قبل لذلك لرفعت باشا، بأنه لا يزال يأمل في الوصول الى تسوية مع انقرة، وطلب موعداً للقاء مصطفى كمال. وحين أُعلم مصطفى كمال بذلك، اصرّ على ان يكون طلب اللقاء خطياً لا شفهياً. هنا شعر وحيد الدين ان ثمة، في الامر، محاولة لاهانته. وانه ان رضخ لهذه الاهانة، سوف يتدفق حبل الاهانات اكثر واكثر، لذلك اتصل بالجنرال تشارلز هارنغتون، قائد قوات الاحتلال البريطانية في تركيا واعلنه قراره مبارحة الاراضي التركية حيث لم يعد يشعر انه في مأمن. وبالفعل ما ان حلّت الساعة السادسة من صباح اليوم السابع عشر من تشرين الثاني نوفمبر من ذلك العام 1922، حتى وصلت سيارتا اسعاف الى مدخل قصر يلدز في اسطنبول وتوقفتا هناك. ومن داخل القصر اتى وحيد الدين يرافقه ثمانية اشخاص، وصعد الجميع الى السيارتين اللتين انطلقتا على الفور حتى وصلتا الى مرسى توفان، وهناك كان في انتظار القافلة، الجنرال هارنغتون، وهندرسون القائم بأعمال السفارة الانكليزية في تركيا. وما ان وصل وحيد الدين وصحبه وترجلوا من السيارتين حتى قدم لهم الموجودون تحية عسكرية ثم صعدوا معاً الى مركب، اوصلهم بعد دقائق قليلة الى سطح الدراعة البريطانية "مالايا". وهناك لم يفت هارنغتون ان يقول للخليفة الهارب، انه الآن موجود فوق اراضٍ بريطانية، وفي امكانه ان يعتبر نفسه في مأمن، ثم بعد عبارات مجاملات قصيرة التفت المسؤول العسكري البريطاني الى وحيد الدين وسأله بتهذيب جم، عن المكان الذي يحب ان يتوجه اليه، فقال انه لم ينته الى قرار بعد. ومرت دقائق اخذ الرجلان يقلبان خلالها الامر من وجوهه العديدة، ثم قرّ القرار في النهاية على ان تتوجه السفينة العسكرية الى مالطا، التي يمكن اعتبارها خطوة اولى على طريق المنفى الذي سوف يختاره وحيد الدين لنفسه. وبالفعل توجهت السفينة الى مالطا، فيما كان مجلس النواب التركي يختار عبدالمجيد ليصبح خليفة، في وقت كان الجميع يعرفون فيه ان وحيد الدين أنقذ نفسه، بهربه، من ان يصبح آخر خليفة في تاريخ الامبراطورية التركية، تاركاً لقريبه عبدالمجيد ذلك اللقب، لأن هذا خلع بدوره، بعد عام ونصف العام، وكان المنفى نصيبه الاخير هو الآخر. الصورة: وحيد الدين ورفاقه في لافاليتا عند مبارحتهم السفينة العسكرية البريطانية "مالايا".