تراجع اقبال الليبيين على زيارة جزيرة جربة التونسية منذ تعليق العقوبات الدولية على ليبيا في نيسان ابريل الماضي ليعود مطار طرابلس الدولي ومعه المطارات الداخلية لتشكل مجدداً النافذة الرئيسية على أوروبا والعالم العربي. وقال مسؤول سياحي في جربة ل"الحياة" ان أعداد الوافدين الليبيين تراجعت بنسبة 17 في المئة في النصف الأول من السنة الجارية، وتوقع أن يصل الى 30 في المئة في النصف الثاني قياساً على الفترة نفسها من العام الماضي. رئة تنفس وطوال الأعوام السبعة الماضية شكلت جربة، التي لا تبعد سوى 180 كيلومتراً عن الحدود الليبية، رئة تنفس للعاصمة الليبية بعد توقف مطار طرابلس عن العمل. وأعطى اقبال الليبيين دفعة قوية للحركة السياحية في الجزيرة التي تعتبر من أجمل المناطق التونسية. وقال السائح الليبي عبدالحفيظ عاشور ل"الحياة": "مثلما حولنا حركة السفن التجارية الى ميناء صفاقسجنوبتونس عندما أقفلنا ميناء طرابلس لتحديث الأرصفة، استبدلنا مطارنا بمطار جربة بعدما فرضت علينا العقوبات الغربية. أما اليوم فعادت الأمور الى مجاريها على رغم الانعكاسات السلبية للحصار التي لا يمكن محوها في الأمد القصير". وفيما استطاع مطار جربة، الذي أخضع لعمليات توسعة متعاقبة، استيعاب حركة المسافرين بين ليبيا والعالم الخارجي طوال سبع سنوات، لوحظ أن عدد الرحلات بين العاصمة تونس والجزيرة تراجع منذ الربيع الماضي من تسع - عشر رحلات في اليوم الى ست رحلات فقط حالياً. كذلك تراجع عدد الليبيين بين نزلاء الفنادق بعدما كانت جربة محطة ضرورية لهم قبل معاودة فتح مطار طرابلس. واعتاد رجال الأعمال وممثلو الشركات وأعضاء الوفود الرسمية وحتى السياح الليبيون النزول في فنادقها قبل الاتجاه الى أوروبا أو العالم العربي. وقال الليبي سالم البريكي ل"الحياة": "كنا نأتي من أي مكان في العالم الى جربة فنخرج من المطار الى محطة التاكسي. بعضنا ينتقل مباشرة الى طرابلس وتستغرق الرحلة نحو ثلاث ساعات والبعض الآخر يبقى هنا يوماً أو يومين لأن جربة ليست معبراً فقط. انها منطقة جميلة نجد فيها فنادق من فئة الخمس نجوم الى النجمة الواحدة ولهذا السبب يأتيها الليبيون من طبقات مختلفة". إلا أن عدد السيارات الليبية الفخمة على الجسر الرابط بين الجزيرة ومدينة جرجيس تراجع في شكل ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة، فيما قال سائق التاكسي عبدالجبار القيتوني ل"الحياة" ان عدد الزبائن الليبيين تراجع في مقابل زيادة ملحوظة في أعداد الألمان. وعزا الليبي جعمعة التير اقبال أبناء بلده على جربة الى ارتياح الأسر الليبية للبيئة الاجتماعية المحلية المشابهة لبيئتهم، اضافة الى وجود بنية فندقية متطورة لا يتوافر مثيل لها في ليبيا. ورجح مسؤول في أحد فنادق جربة استمرار التدفق النسبي للسياح الليبيين على تونس الى كون الرحلات المباشرة بين تونسوطرابلس لم تستأنف حتى الآن ما جعل المسافرين بين البلدين مضطرين الى استخدام خط جربة - تونس لكسب نصف المسافة المقدرة بنحو 750 كيلومتراً. رحلات دولية على رغم تراجع عدد الليبيين الوافدين على جربة ما زالت الجزيرة موصولة بعواصم ومدن كثيرة في أوروبا بواسطة رحلات مباشرة يطغى عليها نوع الطيران العارض "تشارتر". ويعتبر مطار جربة ثالث مطار في تونس بعد قرطاج والمنستير. ويلعب المطار دوراً محركاً للنشاط السياحي في الجزيرة التي تضم نحو أربعين فندقاً من فئات مختلفة. وقدرت احصاءات رسمية حصلت عليها "الحياة" عدد السياح الذين يزورون الجزيرة بنحو مليون سائح في السنة من جنسيات مختلفة غالبتيهم من الألمان. لكن سر اقبال الليبيين على الجزيرة يعود الى مناخها المشابه للمناخ الليبي إذ لا يشعر المسافر من جربة الى ليبيا وبالعكس بأن هناك مناظر تغيرت، وحتى أزياء الناس متشابهة جداً وكذلك اللهجة تكاد تكون نفسها على طرفي الحدود. وتمنح مساحة الجزيرة الواسعة التي تمتد بطول خمسين كيلومتراً وعرض أربعين كيلومتراً فرصة لليبيين للابتعاد عن أجواء السياح الغربيين التي تتحاشاها الأسر وتميل أكثر الى مناخات المدن العربية المنتشرة هنا، وفي مقدمها ميدون وحومة السوق وأجيم وقلالة. وأفاد صاحب مكتب لتأجير السيارات في جربة ان غالبية الليبيين تأتي الى تونس بسياراتهم واستدل بكثرة السيارات الحاملة للواحات الخضراء أو الصفراء التي كتب عليها "الجماهيرية"، لكنه أشار الى أن أعداداً لا يستهان بها من الليبيين تأتي الى تونس للعلاج. وأضاف ان قسماً من الوافدين يتابعون الرحلة بسياراتهم الى مدينة صفاقس التي لا تبعد عن جربة سوى 220 كيلومتراً، والتي باتت مركزاً طبياً مهماً لليبيين، فيما يستقبل آخرون الطائرة الى تونس لاجراء فحوص أو متابعة العلاج في المستشفيات الخاصة المنتشرة فيها. ورجح مسؤول سياحي محلي أن يستمر مجيء الليبيين الى تونس على رغم مرور سبعة أشهر على تعليق العقوبات ومعاودة تشغيل المطارات الليبية لأنهم "اعتادوا علينا واعتدنا عليهم". وذكر ان السائح الليبي الذي يأتي مع أسرته أو أصدقائه لتمضية عطلة نهاية الاسبوع في جربة ويعود فجر السبت الى طرابلس يشعر أنه "غيّر الجو وشمَّ الهواء" من دون الاضطرار للسفر بالطائرة الى أوروبا مع الحصول على مستوى من الفنادق والخدمات لا يقل عن مثيله في ايطاليا مثلاً. وأشار الى عنصر اقتصادي مهم أيضاً هو ارتفاع سعر العملة الليبية قياساً الى الدينار التونسي منذ تعليق العقوبات الدولية على ليبيا اذ كان الليبي يشتري الدينار التونسي في المحلات المنتشرة في البلدات الحدودية خصوصاً في قردان بثلاثة جنيهات وبات الآن يبادل الجنيه الواحد بدينار ما يعني أن قدرته على الانفاق في تونس تضاعفت ثلاث مرات. ويتوقع أن يساهم هذا العنصر الاقتصادي في المحافظة على مستوى جيد من الاقبال الليبي على تونس على رغم تراجع الاعتماد على مطار جربة بعدما كان البوابة لليبيا الرئيسية الى العالم الخارجي.