يعيش الفلسطيني سعيد محمد حمو في لبنان منذ العام 1970, الا انه تقنيا غير موجود في نظر القانون, اذ لا اوراق تثبت زواجه وانجابه ثلاثة اولاد, ولا حق له حتى بوثيقة "لاجىء" على غرار تلك التي يحملها حوالى 300 الف فلسطيني مقيمين في لبنان. ويقدر عدد الفلسطينيين الذين لا يملكون اي اوراق ثبوتية في لبنان بما بين ثلاثة الاف الى خمسة الاف, وهم بمثابة مقيمين غير شرعيين منذ عقود في الوطن الصغير. واذا كان وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان صعبا بسبب منعهم من العمل في قطاعات مهنية كثيرة ومن التملك ولاسباب اخرى تتداخل فيها السياسة مع نقص الموارد, فان وضع الذين لا يملكون منهم اوراقا ثبوتية اكثر تعقيدا. فهؤلاء لا يملكون حرية الحركة, كونهم لا يحملون اي اوراق تعرف عنهم, ولا يمكنهم العمل في اي مجال ولا الحصول على تعليم ولا على خدمات صحية. ويتوقع ان تتناول محادثات الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يزور بيروت الاثنين كيفية تسهيل اوضاع اللاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون في 12 مخيما و27 تجمعا في مناطق مختلفة من لبنان. ويقول عضو الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين سهيل الناطور ان الفلسطينيين الذين لا يملكون اوراقا ثبوتية "احياء وفي الوقت نفسه لا يعترف بهم على انهم كذلك". ويضيف "كيف يمكن اعتبار شخص موجود في الواقع غير موجود؟". ويتابع "هذا ينافي كل مبادىء الانسانية". ويبلغ عدد الفلسطينيين في لبنان المسجلين لدى وكالة الاممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) حوالى اربعمئة الف, لكن عددهم الفعلي لا يتجاوز 270 الفا بسبب الهجرة على مر الاعوام, بحسب مصادر متطابقة. ويحمل لاجئو 1948 والمتحدرون منهم وثيقة "لاجىء" تصدرها السلطات اللبنانية, الا ان الذين قدموا في السبعينات بعد ما يعرف ب"ايلول الاسود" في الاردن, ومن قطاع غزة عندما كان لا يزال تابعا للاشراف المصري, لا يملكون اي وثيقة تعرف عنهم, وكذلك ابناؤهم من بعدهم. وكان عدد كبير من الفلسطينيين الذين قدموا الى لبنان في السبعينات من المقاتلين الذين شاركوا, الى جانب الفصائل الفلسطينية, في محطات مختلفة من الحرب الاهلية (1975-1990). ولم تجدد السلطات المصرية ولا السلطات الاردنية لهم اذونات الاقامة على اراضيها, ولم تعطهم السلطات اللبنانية وثائق بديلة. وتقول ميراي شيحا من مكتب المجلس الدنماركي للاجئين في بيروت ان "الفلسطينيين الذين لا يملكون اوراقا ثبوتية يعيشون في ظروف صعبة للغاية, وهم محرومون من الحقوق الانسانية الاساسية". وتضيف "لا يملكون حرية التنقل ولا يمكنهم شراء سيارة او دراجة نارية, ولا الافادة من خدمات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (اونروا)". وتتابع "حتى داخل مخيمات اللاجئين, يشار اليهم على انهم "غرباء"". وقد ورث ابناء الفلسطينيين الذين لا يملكون اوراقا قانونية واحفادهم الوضع القانوني لآبائهم. ووصل علي محمد ابو علي (62 عاما) الى بيروت العام 1973. ومنذ ذلك الحين, تزوج مرتين وانجب ستة اولاد غير مسجلين في اي دائرة ولدى اي جهة فلسطينية او لبنانية. ويقول ابو علي وهو جالس قرب صورة للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مخيم برج الشمالي في الجنوب "انا اقترب من نهاية حياتي. ما يقلقني هو فقط مصير اولادي". ويضيف "اريد لاولادي ما يريده اي والد طبيعي لاولاده", ويستدرك "لكنني اعلم انني, بصفتي فلسطينيا, وجدت على هذه الارض من اجل العذاب". وتتحدث اللبنانية جميلة محمد سلوم (40 عاما) بدورها عن معاناتها. فقد تزوجت وهي في الثامنة عشرة من فلسطيني وانجبت ثلاثة اولاد من دون ان تدرك حجم المشاكل التي ستعترض حياتها. ويحظر القانون اللبناني على المرأة ان تمنح جنسيتها الى اولادها, واحد الاسباب الرئيسية لهذا القانون هو زواج العديد من اللبنانيات من فلسطينيين, وبالتالي الخوف من "توطين الفلسطينيين". وتقول جميلة "لم اتخيل يوما ان اولادي سيكونون محرومين من اي حقوق وان وطني سيعاملني بهذه الطريقة". وتضيف بغضب "اين هي حقوق الانسان التي يتحدث عنها الجميع؟ اولادي لا يعرفون فلسطين حتى. انهم لبنانيون". وتطالب جمعيات حقوق الانسان والمنظمات غير الحكومية باستمرار بايلاء موضوع الفلسطينيين الذين لا يملكون اوراقا ثبوتية الاهتمام اللازم, مشيرة الى ان هؤلاء يشكلون محيطا ملائما لنمو التطرف. ويقول جابر ابو هواش من المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان "هناك عنصر سياسي وامني في الموضوع ايضا", مضيفا "اكثر من تسعين في المئة من هؤلاء الاشخاص يعانون من مشاكل نفسية او اجتماعية او غيرها". ويضيف "الضغوط التي يتعرضون لها لمجرد البقاء على قيد الحياة يمكن ان تدفع بهم الى الانضمام الى منظمات ارهابية". ومنذ 2005, بدأت الحكومة اللبنانية تعير وضع اللاجئين الفلسطينيين اهتماما, بعد سنوات من رفض مواجهة الواقع. وسلمت السلطات حوالى 700 فلسطيني من فاقدي الاوراق الثبوتية وثائق تعريف العام 2008, الا ان العملية ما لبثت ان توقفت اثر تقارير عن وجود تزوير في بعض الملفات. ويقول حمو (61 عاما) "انا محبط من هذه الحياة ومن كل هذه المعاناة". ويضيف "اعيش من الاحسان واتسلل احيانا خارج المخيم لاعمل بعشرة دولارات يوميا", مضيفا "اريد الرحمة لاولادي, لا شيء غير ذلك".