يبدأ الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، اليوم، ولايته الثالثة. ويعقد البرلمان التونسي الجديد، اليوم ايضاً، أولى جلساته فيقسم الرئيس أمامه اليمين الدستورية ويلقي خطاباً وصفته مصادر عديدة بأنه سيكون "مهماً". اذ يحدد فيه بن علي التوجهات الرئيسية لولايته الثالثة. واختصر مرجع حكومي ل"الحياة" هذه التوجهات بمزيد من الاجراءات لتعزيز التعددية خصوصاً في البلديات، وتطوير السلوكيات السياسية بفتح مجالات أوسع للحريات، ومتابعة الاصلاحات الاقتصادية لتحقيق هدفين رئيسيين: تعزيز القطاعات الانتاجية ومكافحة البطالة. واشار المرجع ايضاً الى ان الرئيس لا بد ان يهتم أيضاً بتحضير "ما بعد الولاية الثالثة"، أو ما يسميه البعض "الخلافة"، باعتبار ان الدستور الحالي لا يخول بن علي الترشيح لولاية رابعة. وهناك سرّ شائع في الوسط السياسي التونسي مفاده ان الرئيس بن علي يتطلع الى رئاسة مدى الحياة، على غرار سلفه الحبيب بورقيبة. وسألنا أكثر من مصدر في "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحزب الحاكم، لكن أحداً لم يؤكد هذا الاحتمال. وراوحت الأجوبة بين ال"لا تعليق"، و "لا أحد يعرف"، وبين القول "ان الحديث عن الخلافة ليس واقعياً وليس مطروحاً، لأن الخلافة موجودة في أنظمة ديكتاتورية وتونس تتمتع بنظام ديموقراطي، إذاً فالانتقال من عهد الى عهد يتم ديموقراطياً ووفقاً للأسس القانونية والمؤسساتية". ويضيف صاحب هذا الجواب ان الرئيس بن علي يتصرف على ان لديه رسالة يريد ان يكملها، وعندما يكملها يكون اعطى تونس ديموقراطية واعية وقوية وضمانات للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي فلا شيء في تونس اسمه مشكلة خلافة". ولم يأت "السر الشائع" من فراغ، اذ يتناقل الوسط السياسي اخباراً عن اجتماع نسائي تنظيمي واجتماع آخر للهيئات التي تمثل العمال المهاجرين، طرحت خلالهما المسألة وارتفعت أصوات تدعو الى "رئاسة مدى الحياة" لبن علي. وتعتبر مصادر حزبية معارضة ان هذه الدعوة لم تصدر صدفة، خصوصاً ان المعطيات السياسية الراهنة تجعل منها تطوراً طبيعياً لما هو قائم، ثم ان نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة تذهب في هذا الاتجاه ولا تستبعده. وتوقعت هذه المصادر ان يبدأ التحضير ل"الرئاسة مدى الحياة" خلال السنة الثانية للولاية الجديدة، بل أوردت سيناريوات لهذا التحضير مقتبسة من ممارسات سابقة. ولعل السياسي الوحيد الذي أشار صراحة الى المستقبل المحتمل للرئاسة هو الأمين العام السابق ل"حركة الديموقراطيين الاشتراكيين" محمد مواعدة في بيانات وأشرطة وزعت في نطاق محدود. وفي بيان تقويمي للانتخابات الرئاسية والتشريعية أبدى مواعدة في أربع صفحات رأيه في العملية الانتخابية ودلالالتها، ومما قال: "ان نسبة 99.44 في المئة التي حصل عليها الرئيس بن علي إذا أضفناها الى بعض المواقف والظواهر التي برزت خلال هذه المدة من حكم الرئيس الحالي تؤدي حتماً الى العودة الى الرئاسة مدى الحياة" تناقضاً مع ما نص عليه بيان 7 نوفمبر 1976: "فلا مجال في عصرنا لرئاسة مدى الحياة". كما لفت الى ان الاعلام التونسي اغفل طوال الحملة الانتخابية ان ترشيح الرئيس بن علي هو الأخير طبقاً للدستور، والى انه "خلال مناقشة الفصل المتعلق بالاستفتاء في الدستور في مجلس النواب السابق اشار بعض النواب المنتمين الى الحزب الحاكم الى امكان اعتماد الاستفتاء لتمكين الرئيسي الحالي من حق الترشيح مرة اخرى حتى ينهي "مشروع التغيير"". وأورد مواعدة أخيراً ان أصواتاً منادية ب"رئاسة مدى الحياة" تعالت "خلال تجمعات شعبية أشرف عليها الرئيس بن علي". يلتقي ذلك مع القول بأن موضوع "الرئاسة المقبلة" سيسوى في اطار المؤسسات والقوانين. ويعتبر مرجع حزبي معارض انه بمعزل عما ورد في "بيان 7 نوفمبر" و"طالما ان هناك سابقة بورقيبه فليس هناك ما يمنع الرئيس الحالي من طرح المسألة جدياً، فالسيناريو جاهز، هيئات الحزب الحاكم تتولى اعطاء الأمر شكل المطالبة الشعبية بأن تكون الرئاسة مدى الحياة، ثم يأتي الاستفتاء ليعطي هذه المطالبة شرعية، لكننا نعرف جميعاً مدى المصداقية التي يمكن ان يتمتع بها مثل هذه الاستفتاءات المبرمجة". ويضيف هذا المرجع ان "الرئاسة مدى الحياة" تبدو في أي حال "منطقية في سياق الحكم الحالي" بل "أكثر منطقاً من انتخابات رئاسية كالتي حصلت أخيراً، إذ أن أحداً لن يجرؤ في المرة المقبلة على منافسة الرئيس بن علي في عملية انتخابية مشابهة للتي جرت ظروفاً ومعطيات". ويذكّر بعض المصادر الحزبية بأن أي مرشح للرئاسة سنة 2004 مدعو للحصول على تزكية ثلاثين نائباً أو رئيس بلدية ليصبح ترشيحه مقبولاً. وبما ان مجلس النواب الجديد يضم 34 نائباً للمعارضة فإن هؤلاء يمكنهم ان يؤثروا - نظرياً - في المنافسة عبر تزكية مرشح ذي ثقل وطني. لكن محللين سياسيين يعتبرون ان "خطر" هؤلاء النواب "غير وارد"، أولاً لأنه يصعب ان يشكلوا تكتلاً متراصاً، وثانياً لأنهم مضمونون" وإلا لما اختيروا للدخول الى البرلمان. وكانت التجربة السابقة اظهرت بوجود 19 نائباً للمعارضة ان هذه الاقلية استطاعات ان تسمع صوتها في مناقشة الموازنة ومشاريع القوانين، حتى ان زملاءهم من الحزب الحاكم كانوا ينسقون معهم "بعيداً عن الاضواء" لانتقاد بعض المشاريع والإلحاح على تعديلها أو اعادة النظر فيها. لكن ال5 - 6 نواب الذين سمعت أصواتهم غيّبوا عن البرلمان الجديد بقرارات من احزابهم التي استبقت الانتخابات فطردتهم ولم ترشح أياً منهم، واذا ترشح هؤلاء في قوائم لأحزاب أخرى فإن القوائم رفضت، اما الذين ترشحوا كمستقلين فلم ينجحوا في الاختراق.