بين الزيف والحقيقة دائماً يصبح المجال مفتوحاً لظهور طبقة طفيلية يكون من مصلحتها اندثار قيم المجتمعات واخلاقها لإحلال صيغة جديدة من القيم تتلاءم وطبيعة تكوين هذه الطبقة، فينشأ صراع قوي وخفي بين القيم المتوارثة وقيم السوق الجديدة. في مسلسل "آخر أيام التوت" يعالج المخرج الأردني أحمد دعيبس هذه المشكلة عبر رصده فترة تاريخية مهمة وعصيبة في سورية، بين 1967 و1970، عن نص للمؤلف أحمد حامد، وقد بدأت كاميرا "آخر أيام التوت" التصوير في مدينة دمشق لأولى مشاهد العمل الذي يجسد أدواره الرئيسية عدد من الفنانين منهم: رفيق سبيعي وخالد تاجا وأمل عرفة وعبدالهادي الصباغ وهالة شوكت ووفاء موصللي وليلى جبر. المخرج أحمد دعيبس تحدث عن المسلسل قائلاً: - "المسلسل يحكي عن حقبة زمنية معينة حيث يتناول الجانب العائلي في البيئة الشامية ولقد كان هدفنا من ذلك ليس الحي الدمشقي، بل العربي. والعمل تطرق إلى قضايا منها الاجتماعية والعاطفية وتماسك الناس في ما بينهم، ويتجلى ذلك بشخصية زعيم البيت كبير العائلة الذي يتحكم بعلاقة العائلة في الشارع والعمل، علاقة الجار بالجار، علاقة الشكل من خلال المقهى، علاقة زعيم الحارة بالناس. وقد وجدت صعوبة كبيرة في دخول تفاصيل البيئة الشامية واستعنت بالكاتب كثيراً من أجل ذلك وكذلك بزوجتي وأهلها وقد احتجنا إلى وقت كبير لإظهار هذه البيئة وايصالها للمشاهد حيث لا بد من ابداع المشهد. وحاولت أن آخذ الكثير من تفاصيل الديكور التي بدأت تندثر مع الزحف العمراني الجديد حتى تبقى شاهدة على تاريخنا". كاتب النص المؤلف "أحمد حامد" تحدث عن فكرة النص قائلاً: - "أنا اركز دائماً على التاريخ وأعود إليه، لأن فيه الكثير من الأشياء التي نستطيع من خلالها التحدث عن الكثير من الأمور، فنقول ما نشاء بحرية تامة، وتتحرك مخيلة الكاتب والمخرج كما يشاءان من دون عوائق". الفنانة وفاء موصللي تشارك بدور رئيسي في العمل، تقول عن دورها: - "هذا العمل يتحدث عن أحداث كثيرة مهمة بين 1967 و1970 وهي فترة جميلة باحباطاتها وقيمها ومشاعرها، لكل شخصية اهتمامها الخاص. أما عن شخصيتي هنا فهي مختلفة عن الشخصيات التي اعتاد الناس أن يروني فيها. أنا هنا إنسانة تستطيع ان ترى أبعد من أنفها. والمسلسل فيه الكثير من الأجواء والتنوع والكثير من الشخصيات التقليدية مثل المبيض والحكواتي والحلاق وأحداثه مشوقة. وهذه مشاركتي الثانية مع المخرج بعد مسلسل "رحلة زمن" وهو مخرج واثق من نفسه وسريع البديهة والايقاع والحركة والعمل". الفنان عبدالهادي الصباغ يلعب دوراً رئيسياً في العمل، وهو شخصية عرب، عن دوره حدثنا: - "تبدو الشخصية للوهلة الأولى شخصية طيبة ف"عرب" يساعد الفقراء ويعمل على تحقيق العدالة في حارته. بهذه المواصفات يحاول أن يقلد والده الذي ما ان يتوفى حتى يبدأ الفتى يتحرر من هذه السلوكيات، لتظهر ذاته وتطفو على جميع أعماله وأفعاله، حيث تبدأ مشاريعه الخاصة التي يقوم بها على حساب عائلته وحارته والقهوة التي ورثها عن والده. فيبدأ بسرقة عائلته ويحتال على أهل الحارة. ويملك عرب طموحات فيها المشروع وغير المشروع، ويعمل على تحقيقها بشتى الوسائل والشخصية ليست أحادية عبر أفعالها وسلوكها". الفنانة القديرة هالة شوكت شاركت في هذا العمل، حدثتنا عن دورها فيه: - "أؤدي دور "أم عرب" الشخصية الوفية لزوجها والتي تشعر بسطوته ورجولته الشرقية المحببة إلى قلبها. وبعد وفاة زوجها تبرز شخصيتها القوية والحنون وهي تحاول أن تقوم بدور الأب والأم في الوقت نفسه وتحارب ابنها لأنه ضد القيم النبيلة وتحاول جاهدة الحفاظ على نظرة ابناء العائلة الجيدة إلى العائلة". "آخر أيام التوت" دراما اجتماعية سورية تسلط الضوء على هشاشة المجتمع الذي نعيشه ممثلة بموت الاب "أبو عرب" الذي ما أن يموت حتى يبدأ الابناء معركة السلطة والمال. ودائماً ضمن سطوة السلطة والمال تنقلب المفاهيم وتتبدل الاخلاق، خصوصاً في تلك الفترة الحرجة المتمثلة بهزيمة 1967 والانكسار النفسي الذي عانى منه مجتمعنا العربي بعدها.