ما أجمل أن تذهب كأس العرب التي تحمل اسم الأمير فيصل بن فهد الى بيته... إلى الرياض عاصمة المملكة. الكأس ذهبت الى نادي الشباب السعودي. واستحق الشباب اللقب عن جدارة، وهي المرة الثانية التي يفوز بالبطولة منذ احرازه للقب الدورة الثامنة في شباط فبراير 1993، والمرة السادسة التي تذهب فيها الكأس الى السعودية لتبقى في صدارة الدول في عدد مرات الفوز. الشباب فاز بجدارة وسهولة على منافسه الجيش السوري 2-صفر على ملعب القاهرة الدولي أمام أقل حضور جماهيري في تاريخ نهائي المسابقة، ولم يتجاوز الحاضرون أربعة آلاف متفرج بعد أن حجزت القوات المسلحة ثلاثة آلاف مقعد في المباراة. تقدم الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب في المملكة المرشح الأول لرئاسة الاتحاد العربي للألعاب الرياضية منصة الشرف، واناب الرئيس المصري حسني مبارك وزير التعليم العالي الدكتور مفيد شهاب وحضرها الأمير نواف بن فيصل. لم ينتظر لاعبو الشباب طويلاً لإعلان كلمتهم النهائية، وقبل أن تشير ساعة الملعب الى مرور دقيقتين كانت النتيجة تغيرت الى 1-صفر لمصلحتهم. وجاء الهدف الجميل من تمريرة عرضية عالية من سالم سرور في منطقة جزاء الجيش، ومرت الكرة فوق رؤوس الجميع لتجد في النهاية سعيد العويران المتخصص عالمياً في احراز الأهداف الجميلة، وقفز العويران في الهواء كالفراشة وحول الكرة بتسديدة يسارية مباشرة في مرمى الحارس المعذور محمد البيروتي، هدفاً ولا أجمل، وهو أفضل أهداف البطولة على الاطلاق، ورفع رصيد العويران الى ثلاثة أهداف متساوياً مع الكويتي على مروي والمصري محمد فاروق في صدارة الهدافين. تحكم الشباب في المباراة بشكل تام، ووضح ذكاء مدربه البرازيلي كارلوس روبرتو في تنفيذ ضغط باكر جداً من نصف ملعب الجيش لارباك السوريين وحرمانهم من استغلال تفوقهم البدني، وقبل ان يفيق الخاسر من صدمته جاء الهدف الثاني الذي عكس تفوقاً خططياً شاملاً للسعوديين. في الدقيقة 16 "انقطعت" الكرة من لاعبي الجيش في نصف ملعب الشباب، ومن لمسة واحدة انتقلت من سالم سرور الى خالد الشنيف الى مرزوق العتيبي في نصف ملعب الجيش، ولمح العتيبي زميله عبدالله الشيحان ينطلق في اليسار متجاوزاً الدفاع السوري، وبذكاء ودقة أرسل له تمريرة "حريرية" انفرد على اثرها بمرمى محمد البيروتي واودع الكرة باتقان محرزاً الهدف الثاني، هدف الأمان والبطولة. لم يتخل الشبابيون عن أسلوبهم، وضاعت فرصة هدف ثالث مؤكد في الدقيقة 20 من تسديدة قوية ارسلها سالم سرور وسارت الكرة بغرابة أمام المرمى لتصل الى العتيبي المتابع، لكنه لم يحسن اقتناصها وحولها خارج المرمى وسط ارتباك شديد للحارس والمدافع حسام السيد. ووضح جلياً الاثر السلبي الكبير لغياب مدافع الجيش الاول اياد عبدالكريم الذي قدم احسن مبارياته في الأدوار السابقة، وتأثر السوريون سلباً ايضاً بتدني مستوى أحمد عزام أحسن لاعبي الفريق في المباريات السابقة. وانتظر لاعبو الجيش 30 دقيقة كاملة ليدخلوا في أجواء المباراة، وكان تحول اسلوب الفريق الشبابي سبباً رئيسياً في استحواذ السوريين على الكرة، وقام روبرتو بتغيير طريقة اللعب من الضغط في نصف ملعب الجيش الى الارتداد الكامل لكل اللاعبين الى نصف ملعبهم وبدء الضغط بعد 10 أمتار من خط المنتصف ما سمح بتقارب خطوط الشباب وتضييق المسافات بين اللاعبين في الدفاع، ولذلك لم تسنح للجيش أي فرصة مؤكدة ولم ينفرد مطلقاً أحد لاعبيه بالمرمى، ولم تظهر له خطورة إلا من الكرات العرضية العالية. وظهرت أولى ملامح الخطورة في الدقيقة 32 من ضربة رأسية لماهر السيد على يسار المرمى السعودي، ولو دخلت الكرة المرمى لتغير وجه المباراة، وعاد ماهر السيد أنشط المهاجمين ليقتحم منطقة الجزاء من اليسار لكنه سدد بجوار القائم. واخطأ الحارس السعودي عبدالرحمن الحمدان في الخروج من مرماه لكن زملاءه المدافعين انقذوا الموقف، وأنهى سالم سرور الشوط بتسديدة اختبار ليقظة الحارس البيروتي بعد أن أمضى 15 دقيقة كاملة مشاهداً للمباراة. حرص الشابيون في الشوط الثاني على تأمين الدفاع أولاً وشن الهجمات المعاكسة ثانياً، وتمركز الثلاثي صالح الداوود وصالح صديق وعبدالله الواكد في عمق الدفاع على شكل مثلث نموذجي وأمامهم خالد الشنيف، واثبت السعوديون انهم الأعلى خططياً وفنياً وفردياً وعوضوا التفوق البدني الملحوظ للسوريين. اصبحت الكرة باستمرار بين اقدام لاعبي الجيش لكن لمسافة 60 متراً فقط، وعجزوا تماماً عن استمرار تفوقهم في الجزء الأخير من الملعب. ولم يلجأ السعوديون الى تشتيت الكرات ولكنهم حرصوا على التمرير السليم لا سيما نحو الجانبين، ولذلك كانت خطورة الشباب اكثر وأبرز الفرص التي لاحت له كانت في الدقيقة 60، ومر خلالها "الزئبقي" فهد السبيعي من أكثر من لاعب ومرر الكرة متقنة للمنطلق مرزوق العتيبي فسددها بيمناه لكن البيروتي ابعد الكرة برشاقة، وتصدى القائم الأيسر لهدف سعودي مؤكد من تسديدة مفاجئة لعبدالله الشيحان في الدقيقة 61. أعطت الفرصتان ثقة زائدة للاعبي الشباب ومال اداؤهم الى الاستعراض والتمرير العرضي على حساب الهجوم الفعلي مع محاولة إظهار المهارات الخاصة، واستفاد الجيش من هذا التحول السلبي للفائز، واقترب السوريون نسبياً من المرمى وأهدر شريف كردية المدافع المتقدم فرصة مؤكدة في الدقيقة 70 عندما حول الكرة برأسه فوق العارضة والمرمى خال من الحمدان الذي خرج بلا داع. وعاد الحمدان وخرج للمرة الثالثة بطريقة خاطئة دون أن يستثمر السوريون تلك الاخطاء، وأجرى روبرتو ثلاثة تغييرات متتالية لتنشيط فريقه باشراك فهد المهلل ووليد الصدعان ويحيى ديسا بدلاً من العويران والعتيبي والشيحان، ولكن الاداء لم يتغير وظل التفوق سورياً حتى النهاية ودون خطورة حقيقية. وأخيراً انطلقت صفارة النهاية من الحكم الجزائري كريم داحو الذي أدار المباراة بعدالة وهدوء وثقة واستحق احترام الجانبين ولم يخرج البطاقة الصفراء إلا مرة واحدة لإنذار مرزوق العتيبي بعد 65 دقيقة للخشونة، وخلت المباراة تماماً من أي اعتراضات من الجانبين. أنباء وآراء - حرص الأمير سلطان بن فهد على الحديث مع الحكم الجزائري كريم داحو عند تسليمه الميدالية التذكارية، وهنأه على المستوى العالي الذي قدمه في المباراة النهائية ليعطي انطباعاً طيباً عن التحكيم العربي في أصعب المباريات. - أكد الأمير خالد بن سعد عن مضاعفة مكافآت لاعبي الشباب عن الحد الأقصى المقرر لهم في اللائحة، وأشار إلى احتمال تدفق سيل جديد من المكافآت للاعبين عن طريق اعضاء شرف النادي. وحرص الأمير عبدالرحمن بن ترك، الذي وجد مع اللاعبين باستمرار في الملعب والمران والمباريات والفندق، على التأكيد على منحهم مكافآت خاصة من جانبه، ويشغل الأمير عبدالرحمن منصب نائب رئيس شرف النادي. - سهر لاعبو الشباب حتى الصباح في بهو وصالات فندق هيلتون رمسيس الذي أقاموا فيه، وتجمع أكثر من ثلاثمئة سعودي في الفندق لتهنئة اللاعبين. - حرص عدد من لاعبي الاهلي المصري على الذهاب الى الفندق لتهنئة لاعبي الشباب على فوزهم باللقب، ولم تشهد الليلة أي احداث خارجة عن النظام. - قال البرازيلي روبرتو كارلوس مدرب الشباب:"حفظت طريقة لعب الجيش عن ظهر قلب، وبدا الفريق السوري امامي مثل الكتاب المفتوح، ولم يتغير اداؤه خلال المباراة عن توقعاتي مطلقاً، وكنت أعرف أنه فريق عالي المستوى بدنياً ومحدود فنياً، ولذلك هاجمته بقوة في البداية لتسجيل هدف أو أكثر باكراً، وبعدها أهديته، عن طيب خاطر، 60 في المئة من مساحة الملعب لاحتكار الكرة، لكنني اغلقت الطريق الى مرماي تماماً بكثافة عددية كبيرة. لمس الجميع التفوق الفني للشباب من اللحظات الأولى واعتبرت داخلياً أن المباراة انتهت بعد الهدف الثاني، ولم يجتاحني القلق على الاطلاق في أي لحظة، وازاء دراستي للموقف لم اضغط على اللاعبين اصحاب الخبرة امثال سعيد العويران وسالم سرور أو المهاجمين مرزوق العتيبي وعبدالله الشيحان، منحتهم مساحة كبيرة من الحرية الشخصية للتحرك في حالة الهجوم، واستثمروها جميعاً بامتياز من دون أن يقصر احدهم في أداء واجبه الدفاعي. بصراحة الشباب استحق اللقب عن جدارة، وكانت مباراتنا ضد الاهلي في نصف النهائي هي الفاصلة، ولا أخفي سراً انها كانت صعبة جداً في مواجهة خصم ذكي، لكننا كنا جديرين ايضاً بالفوز بها خلال الوقت الاصلي لولا الافراط في إهدار الفرص". - وقال ديميتريو ايوان المدرب الروماني للجيش السوري ل"الحياة": "لا خلاف أن الشباب كان الافضل وأن فريقي يستحق الهزيمة، وتفوق السعوديون في كل عناصر كرة القدم، ولا يعني امتلاكنا للكرة اننا لعبنا جيداً لأننا لم نفعل شيئاً جيداً في المنطقة الهجومية، ووضح جلياً ان السعوديين لديهم خبرات عالية عند الهجوم امثال الداود وسرور والعويران والحمدان ومهارات فنية فائقة عند الواكد والسبيعي والعتيبي، ولا يقلل ابداً من فوز الشباب أن فريقي تأثر بغياب مدافعه الاول الموقوف اياد عبدالكريم. عموماً... المباراة جاءت جيدة فنياً ومثيرة وممتعة ولائقة بنهائي البطولة العربية، وفريقي خرج من البطولة فائزاً باحترام وتقدير الجميع رغم حصوله على المركز الثاني، والجيش فريق في مرحلة تجديد ووجودي معه ليس طويلاً، ومن المؤكد أننا سنكون أفضل في الشهور المقبلة". كؤوس عاش لاعبو الشباب وجمهورهم القليل في المدرجات فرحة طاغية، والتف اللاعبون داخل دائرة المنتصف في حلبة للرقص، وهم غير مصدقين إحرازهم للقب على الملعب الذي خسروا فيه أمام الاهلي ثلاث مرات من قبل، وأحسنت الجماهير المصرية من رجال القوات المسلحة تحية لاعبي الشباب وهتفت لهم لمطالبتهم بالحضور نحوهم لتبادل التحية. ونقل مسؤولو النادي الاهلي والاتحاد العربي، وللمرة الاولى في القاهرة، عملية تسليم الميداليات والكؤوس الى أرض الملعب لمواجهة التدفق الهائل للمصورين وصعوبة صعود اللاعبين الى مقصورة الشرف. ونزل الأميران سلطان بن فهد ونواف بن فيصل والوزير المصري مفيد شهاب واللواء يوسف الدهشوري حرب، رئيس اتحاد الكرة المصري ورؤساء الأندية الى أرض الملعب، وقام الأمير سلطان بتسليم دروع تذكارية للأمير عبدالرحمن بن تركي بن عبدالعزيز وشقيقه الأصغر أحمد، وكذلك للفنان المصري صلاح السعدني الذي حرص على حضور كل مباريات البطولة، وعلى رغم أنه أهلاوي متحمس، إلا أنه اعترف بشجاعة بتدني مستوى فريقه. واختارت اللجنة المنظمة للبطولة احمد عزام لاعب الجيش السوري للفوز بكأس أحسن لاعب، والحارس السعودي عبدالرحمن الحمدان للفوز بكأس أحسن حارس، وهي المرة الثانية التي يفوز فيها بهذه الكأس وسبق أن أحرزها في القاهرة العام 1995 في كأس الكؤوس. وأجريت قرعة بين المهاجمين العويران وفاروق ومروي الذين تصدروا قائمة الهدافين برصيد 3 أهداف، وابتسم الحظ اخيراً للمصريين وفاز محمد فاروق بالقرعة والكأس وتسلمها بالنيابة عنه اللواء سفير نور عضو مجلس إدارة الاهلي. وانتهز أنصار الاهلي القليلون الموجودون في المدرجات الفرصة للهتاف ضد الالماني راينر تسوبيل المدير الفني للفريق لأنه تجاهل فاروق في كل مبارياته المحلية والافريقية، وتسلم الأمير خالد بن سعد رئيس نادي الشباب كأس اللعب النظيف. وجاء موعد الميداليات الذهبية وكأس البطولة، وضمت قائمة الشرف للفريق الشبابي بطل العرب 20 لاعباً فقط هم سالم سرور قائد الفريق وعبدالرحمن الحمدان وعبدالله الواكد وصالح صديق ومحمد الحمدان وعبدالرحمن العصفور وخالد الشنيف وعبدالعزيز الخثران وسعيد العويران ومرزوق العتيبي وعبدالله الشيحان وسلطان النصار وفيصلي العبيدلي ووليد الصدعان وخالد الحوطي ويحيى ديسا وخالد ذعار وفهد المهلل وصالح داود وفهد السبيعي. ماذا قال الابطال؟ سعيد العويران: الكأس العربية هي أغلى هدية لزوجة المستقبل، واعتزم اتمام نصف ديني خلال اسابيع، والفوز في القاهرة يمثل فألا جيداً لمشروع الزواج. وأهدي الكأس أيضاً لجماهير الكرة السعودية التي القت مسؤولية كبيرة على اكتافنا لاحراز اللقب والكأس التي تحمل اسماً غالياً على كل سعودي. وللحق لم أتوقع أن نفوز بتلك السهولة، وكنت انتظر دورة عنيفة وقوية ولكننا لم نشعر بالصعوبة الا للحظات في مباراة الاهلي، وهدفي في المباراة النهائية من اجمل أهدافي على الاطلاق، واعتز به وأضعه في سجل الشرف. ولا أبالغ إذا قلت إن عودتي للتهديف الوفير تعني الكثير لي في المرحلة المقبلة. عبدالله الشيحان: المسؤولون عن الرياضة السعودية هم أصحاب النصر الحقيقي، اعطونا الثقة والدعم بالسماح بمشاركة الدوليين في البطولة العربية والمباراة الافروآسيوية، والكأس هدية محدودة لصاحب السمو الملكي الامير سلطان بن فهد. مرزوق العتيبي: لولا الاجهاد البالغ الذي اصابنا من السفر المتتالي لقدمنا كرة قدم أفضل جداً، ولكن الفريق اجتهد وتعاون بشكل كامل مما ساعدنا على الفوز على الاهلي في عقر داره. عبدالله الحمدان: سعادتي بالكأس كبيرة لأنها تحمل اسم أمير الشباب، ولم أتوقع مطلقاً فوزي بكأس أحسن حارس مرمى، وكنت متأكداً من اهدائها للمصري عصام الحضري حارس الاهلي ولو على سبيل التعويض لخسارة فريقه في نصف النهائي. وحصولي على لقب افضل حارس رد على جميع من شكك في قدراتي. صالح الداود: احرزنا اللقب في نصف النهائي، وكسرنا سوء الحظ الذي يلازمنا باستمرار في النهائي، وسبب لنا خسارة كأس الكؤوس مرتين في النهائي أمام الاهلي عام 1995 في القاهرة وامام مولودية وهران الجزائري عام 1997 في الاسماعيلية وخسرنا ابطال الدوري العام الماضي في النهائي أمام وداد تلمسان في جدة حتى كدنا نفقد ثقتنا في الفوز بأي لقب عربي. والفوز سيرفع معنويات اللاعبين في مباراتنا النهائية ضد الهلال على كأس الأمير فيصل بن فهد. فزنا لاننا كنا الاجدر ليس لان البطولة كانت ضعيفة فنياً.