} كان القرن العشرين مفعماً بالتغييرات الجذرية المتلاحقة في كل مظاهر الحياة الطبيعية والانسانية على الأرض. فما أنجزته البشرية في هذا القرن يفوق حجماً ونوعاً ما أنجزته سابقاً، فبعدما كانت البشرية تعيش عصر الأساطير والفتوحات والاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي قبل عصر الثورة الصناعية بعلومها التطبيقية التي بدأت مع اكتشاف الطاقة البخارية ثم الطاقة الكهربائية، توالت الاكتشافات والاختراعات التي تولدت عن النهضة العلمية، ومع كل اكتشاف واختراع تتغير ملامح الحياة الانسانية، وما أن بزغ فجر القرن العشرين حتى بدأت رياح التغيير تعصف بكل ما هو جديد على وجه البسيطة مهيئة العالم بأسره لاستقبال أشكال جديدة من الاكتشافات العلمية. لا شك أن المؤرخين والمتخصصين سيتناولون بالدراسة والتحليل سجل هذا القرن الحافل بالأحداث والمتغيرات، الأمر الذي يجعلني أتعرض لهذه الحقبة بايجاز شديد كمقدمة أو تمهيد للحديث عن عالم الألفية الثالثة أو القرن ال21. في بداية القرن ال20 طغى الصراع المحموم بين الامبراطوريات الأوروبية التي ابتلعت أجزاء كبيرة من هذا العالم وفرضت عليها هيمنتها السياسية والدينية واللغوية والاجتماعية والاقتصادية، فظهرت مستعمرات واسعة فاقت لجهة الحجم الجغرافي والتعداد السكاني بمئات المرات أحجامها وقدراتها العسكرية على احكام سيطرتها وحمايتها لتلك المستعمرات الشاسعة. ومن ثم تحول السباق والتنافس المحموم الى صراعات داخل أوروبا نفسها كان أساسها الغيرة والعنصرية العرقية وتصفية حسابات سياسية ودينية قديمة، وتمخضت تلك الصراعات الداخلية في أوروبا وللمرة الأولى في تاريخ العالم الى حربين عالميتين طاحنتين خلفتا وراءهما من الدمار والمآسي الانسانية. وقد كشفت تكنولوجيا تلك الحروب وآلياتها عن أهمية النفط الإستراتيجية في المجالات العسكرية والصناعية والإقتصادية الأمر الذي لفت الأنظار إلى إستخدامات النفط وبداية للتسابق والتنافس في البحث عن مصادره والهيمنة عليها، مما تسبب في تحويل مصادر النفط إلى مناطق نزاعات حامية حتى بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وعلى إمتداد فترة الحرب الباردة. المجتمعات المتحضرة ولا شك ان المجتمعات التي إلتصقت فكرياً وحضارياً بعلوم المستقبل وإكتشافاتها المذهلة تخطت مراحل التحليل والتنظير وسبقت العالم في مجالات التخطيط الإستراتيجي الهادف والبحوث العلمية المتطورة وفي مجال التجارب التطبيقية، مما جعل هذه المجتمعات تكتسب بُعد النظر في التفكير وطول النفس في التخطيط مع التمسك بالأهداف وبرامج تنفيذها والقدرة على التحكم في النتائج بالتجارب التطبيقية، وأكبر دليل على قدرة هذه المجتمعات وتفوقها العلمي والإستراتيجي ما حدث في عقد السبعينات من هذا القرن والحرب الباردة في أوجها، عندما شعرت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في أوروبا واليابان بأن سيطرتها على مصادر وأسعار الطاقة أصبحت مهددة من قبل دول "أوبك" بالإضافة إلى تقلص الإحتياطي وإنحدار القدرة الإنتاجية في الولاياتالمتحدة، الأمر الذي حدا بتلك المجتمعات إلى إعادة النظر في برامجها التنموية ونظم حياتها الإجتماعية والإقتصادية مما جعلها تتحول من مجتمعات مفرطة مبذرة إلى مجتمعات تتحلى بالحكمة والمسؤولية في إستخدام الطاقة والمحافظة على شؤون البيئة، كما اتخذت الولاياتالمتحدة ودول أوروبا الغربية واليابان قراراً بالإتفاق على وضع خطة إستراتيجية بعيدة المدى تؤمن لهذه الدول حاجتها من الطاقة النفطية وتقصم بهذا ظهر دول "أوبك" التي بدأت تتصرف بحماقة من وجهة نظر الدول المستهلكة للطاقة النفطية، وقد فرضت إستراتيجية البحث عن بدائل لنفط دول "أوبك" العديد من الإجراءات التي شملت توحيد المواقف السياسية والإقتصادية في وجه دول المنظمة والترشيد والإقتصاد في الإقبال على إستخدام الطاقة كإجراءات أولية ووضع الخطط الإستراتيجية الكفيلة بإيجاد الحلول المناسبة. فبالإضافة إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه دول "أوبك" سياسياً وإقتصادياً والعمل على تفكيك وحدة "أوبك" بالتشكيك والتهديد، قامت الدول الصناعية المستهلكة للطاقة النفطية بزعامة الولاياتالمتحدة بوضع خطة إستراتيجية طويلة الأمد تتضمن أربعة مشاريع كبيرة تهدف جميعاً إلى ضمان تدفق الطاقة النفطية التي تمثل العمود الفقري للتنمية في الدول الصناعية والتقليل من الإعتماد على دول "أوبك" في توفير الطاقة النفطية، ومن الممكن إستعراض مشاريع الخطة الإستراتيجية بإيجاز على النحو التالي: إعادة النظر في نمط الحياة الإجتماعية والإقتصادية والعمرانية والبيئية بهدف وضع الأولويات وتنظيم إستخدام الطاقة المحافظة على الطاقة وترشيد إستخدامها. المشروع الثاني في الخطة الإستراتيجية هو القرار بتطوير وإنتاج بحر الشمال بعد أن أصبح ذلك مجدياً إقتصادياً بحكم الإقبال الكبير على الطاقة علمياً وعدم إستقرار السوق النفطية وقرارات منظمة الأوبك المتكررة برفع أسعار النفط. ولجودة نفط بحر الشمال وقربه من أسواق الإستهلاك كان لدخوله الأسواق البترولية تأثيراً مباشراً وكبيراً من النواحي النفسية والسياسية والإقتصادية، ولعب دوراً مهماً ما كان له أن يلعبه لو تصرفت منظمة الأوبك بحكمة ودراية. المشروع الثالث هو قرار تطوير وإنتاج حقول ألاسكا وإنشاء خط الأنابيب الضخم والمكلف جداً لجهة التصميم والإنشاء والتشغيل والصيانة. أما المشروع الرابع في الخطة فكان القرار بتطوير وإنتاج آبار النفط المكسيكية التي كان من غير المجدي إقتصادياً تطويرها وإنتاجها بسبب ضحالتها وقلة قدرتها الإنتاجية. وكان من المقرر أن تبدأ الخطة في اعطاء ثمارها بكامل مشاريعها الأربعة في مدة تراوح ما بين 15 و20 سنة، إلا أن نتائج الإستراتيجية سبقت الوقت المعد لها وتزامنت نتائجها مع تطوير قدرات إنتاجية لدول أخرى من خارج منظمة "أوبك" ومع تقهقر في النمو الإقتصادي العالمي مما تسبب في إنحدار الطلب على الطاقة وإحداث تخمة نفطية في عقد الثمانينات أدت إلى سقوط أسعار النفط من 35 دولاراً للبرميل إلى 13 دولاراً وإنحدار كبير في معدلات الإنتاج لدول "أوبك"، وبذلك حققت الإستراتيجية لصانعيها جميع الأهداف المقصودة وخرجت من قبضة "أوبك" وراحت تخطط بشتى الوسائل لإستعادة الثروات المالية التي حازت عليها دول المنظمة خلال تلك الحقبة من الزمن. المجتمعات النامية أما المجتمعات النامية التي لم تحتضن بعد الفكر العصري والبحوث التطبيقية ولم تستوعب العمل بأسلوب التخطيط الإستراتيجي، فستظل مجتمعات مستقبلة تابعة وأسواقاً مفتوحة ومصادر للمواد الخام غير المصنعة ومناطق مهددة بالإستغلال الإقتصادي والعسكري. وجميع الدلائل توحي بأن بقاء الأوضاع السائدة والثروات الطبيعية والمالية لن تغني في المستقبل عن إحداث تغييرات جذرية في فكر هذه المجتمعات ونمط حياتها السياسية والفكرية والإجتماعية والإقتصادية، ولا خيار لهذه المجتمعات في المستقبل إلا أن تسير على هذا الطريق أو أن تبقى أسيرة التجريد وتظل عقولها مشغولة بالنقل والتقليد ومنصرفة عن التجربة والتطبيق، بل مجتمعات مستقبلة غير مرسلة، تعرف كيف تستخدم الآلة وتجهل تقنية صنعها، تقبل على إقتنائها وترفض الفكر الذي أبدعها. ولا شك أن المجتمعات النامية ومنها المجتمعات العربية، ليست سواسية في ما بينها أمام تحديات المستقبل أو في ما يتعلق بحياتها الفكرية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية. وإذا ما أخذنا بهذا التعريف - الواسع وغير الدقيق - لواقع المجتمعات الإنسانية، فلا بد من تصنيف الأمة العربية ضمن هذه المجتمعات في أوضاعها الحاضرة وفي منظورها للمستقبل، وإن كانت الأمة العربية على إختلاف أوضاعها تمثل كياناً له بُعد تاريخي وحضاري وإستراتيجي وإقتصادي مشترك إلا أنها تعاني من تقهقر كبير في لم الشمل وتوحيد المواقف السياسية والإقتصادية وفي الثبات على خطة إستراتيجية أمام التكتلات السياسية والإقتصادية في الحاضر والمستقبل، ولن تقوم لهذه الإستراتيجية أو غيرها من الإستراتيجيات قائمة ما لم تُبن على ثلاث قواعد ثابتة وهي أن تُراعى وتُحترم في المقام الأول جميع الخصائص والمصالح والأولويات لكل دولة، وأن تحُدد وتنُسق بعناية وموضوعية أفضل مجالات التعاون والتكامل بين الدول العربية، وأن توحد المواقف السياسية والإقتصادية للأمة العربية على الساحة الدولية وأمام التكتلات والتحديات العالمية في الحاضر والمستقبل. ومن المقومات والمنطلقات الأساسية لبناء مثل هذه الخطة الإستراتيجية والإلتفاف حولها بإستقامة وثبات الأبعاد والخصائص التالية: تحتل الجغرافيا السياسية للأمة العربية موقعاً إستراتيجياً متميزاً بين قارات العالم القديم منذ عُرف التاريخ المسجل وما قبل المسجل، إذ كانت ممراً للتجارة العالمية عبر التاريخ، وجميع الدلائل المستوحاة من الدراسات الإستراتيجية تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي ستتصاعد أهميتها الإستراتيجية والإقتصادية في المستقبل، الأمر الذي يدعو الأمة العربية والإسلامية في هذه المنطقة إلى توحيد الأهداف والصفوف لحماية أمنها وثرواتها الإقتصادية المشتركة والمهددة من قبل تكتلات سياسية وإقتصادية من خارج المنطقة. تتميز البلدان العربية عن غيرها من بقاع الأرض بعراقة تاريخها الحضاري والروحي والفكري، فهي منبع الحضارات الإنسانية ومهبط الديانات السماوية ومهد للفكر والإبداع في العصور الغابرة، وإن كانت الأمة العربية تخلت عن القيادة الفكرية والسياسية والإقتصادية وأصبحت تابعاً مطيعاً لغيرها، فالوطن العربي بأبعاده الإستراتيجية والروحية والإقتصادية كان ولا يزال مقصداً للحجاج والزوار من جميع أنحاء العالم وعلى إختلاف معتقداتهم الدينية والسياسية والإجتماعية، فإذا ما كتب للأمة العربية أن تنفض الغبار عن فكرها المشغول بالتحليل والتنظير في أسباب الخلافات الهامشية والإنقسامات وتنظر ببصيرة في الخروج من دائرة التغزل العاطفي بأمجاد الماضي فلا بد لها من الأخذ بسلاح العصر والعمل بالتخطيط الإستراتيجي الذي به تُحدد الأهداف ويُلم الشمل وتُوحد القوى وتسود البصيرة. والوطن العربي الغني بثرواته الطبيعية المتكاملة ومقتنياته الأثرية ومناخه المتنوع وبُعده الجغرافي المترابط يجعل من الأمة العربية كتلة إقليمية لها ثقلها السياسي والإقتصادي ويمنحها دوراً قيادياً بين الأمم في توجيه النظام العالمي الجديد المتعثر، كما تتطلب حماية المصالح العربية وتحقيق هذا الدور القيادي المهم وضع خطة إستراتيجية موحدة للعمل العربي تتفرع منها منظومة من القرارات الأساسية بنبذ الخلافات الهامشية والإتفاق على قواعد ثابتة للعمل العربي المشترك الذي يراعي ويحترم في المقام الأول الخصائص والمصالح والأولويات لكل بلد عربي، وتركز تلك القرارات على توظيف رؤوس الأموال والثروات العربية في مشاريع التنمية داخل الوطن العربي، مع توحيد الموقف العربي سياسياً وإقتصادياً على الساحة الدولية. وتعد الطاقات البشرية ووحدة اللغة والعقيدة والهوية القومية من المعطيات والثروات الإستراتيجية للأمة العربية، وتمثل الطاقات البشرية الثروات الحقيقية للأمم والمجتمعات الإنسانية كقاعدة للفكر المدبر والعمل المثمر لتحويل وتسخير الثروات الطبيعية لصالح المجتمع ورفع مستواه الفكري والإجتماعي والإقتصادي، ولعل من أفضل الأمثلة على ذلك أن هناك مجتمعات لا تملك من الثروات الطبيعية إلا الطاقات البشرية اليابان ومع ذلك نجد هذه المجتمعات في مقدمة العالم فكرياً وتقنياً وإقتصادياً وإستراتيجياً. وإذا ما أعدنا النظر بدقة وعناية في هذه المعطيات والأبعاد الإستراتيجية المتكاملة فسنجد أن الأمة العربية تمتلك من القدرات السياسية والإمكانات الإستراتيجية والثرواث الطبيعية ما يؤهلها لممارسة دور أساسي وقيادي يتناسب مع حجمها وثقلها السياسي والإقتصادي ويخول لها الدخول في عضوية أهم المنظمات الدولية. فالأهمية الإستراتيجية للوطن العربي لها جذور وأبعاد تاريخية وروحية وسياسية وإقتصادية ولا جدال في أن هذه الأهمية ستزداد وتنمو في المستقبل لنفس الأسباب والمقومات، كما أن البعد الجغرافي المترابط والتي تقدر مساحته بحوالى 14 مليون كيلومتر مربع يفوق مساحة الولاياتالمتحدةالأمريكية بحوالى 4.5 مليون كيلومتر مربع مما يجعل من الوطن العربي بُعداً إقليمياً واسعاً وقابلاً للنمو والتطور الإقتصادي والسكاني، أما الثروات البشرية والمائية والزراعية والحيوانية فتعتبر من الثروات المتطورة في البلاد العربية والتي تمر بتفاوت في مراحل التطوير والإنتاج، وتأتي على قمة الثروات الإستراتيجية للوطن العربي الثروة النفطية ومشتقاتها والتي يقدر إحتياطي البلاد العربية المؤكد منها ب630 بليون برميل، أي 60 في المئة من إحتياط العالم كله. أما القدرة الإنتاجية للبلاد العربية فتقدر ب23 مليون برميل يومياً أي حوالى 32 في المئة من القدرة الإنتاجية للعالم كله، أما الغاز فيقدر إحتياطي البلاد العربية منه ب32 ترليون متر مكعب أي 23 في المئة من الإحتياطي العالمي والقدرة الإنتاجية للبلاد العربية تقدر ب 196 بليون متر مكعب يومياً أي حوالى 8.5 في المئة من القدرة الإنتاجية للعالم. وعندما نأخذ في الإعتبار التطابق والتجانس السياسي والإجتماعي والإقتصادي والهاجس الأمني، فإن من الصعب على المواطن الخليجي تفهم أو قبول التباطؤ والتقهقر في فتح الحدود السياسية بين دول مجلس التعاون ومد الجسور الطبيعية في شؤون الحياة الإجتماعية والإقتصادية بحرية تامة يتحرك فيها المجتمع والعمالة الوطنية ورأس المال، ويتفق بجدية وسرعة معقولة على خطة إستراتيجية لتوحيد العملة الخليجية والأنظمة والأساليب الإدارية والقوانين التشريعية. فبالإضافة إلى أوجه التشابه والتجانس في شؤون الحياة الخليجية، هناك من الثوابت التاريخية والمعطيات الأساسية والقرارات المصيرية التي تجعل من عامل الوقت سلاحاً إستراتيجياً لا غني عنه، ونذكر من هذه الثوابت التاريخية والمعطيات الأساسية ما يلي: على رغم عدم وجود بيانات وإحصاءات دقيقة تبين النمو السكاني لدول مجلس التعاون الذي يقدر ب3 - 3.7 في المئة، إذ تشير المعطيات الديموغرافية إلى أن مجمل السكان لدول المجلس سيصل إلى 24 مليوناً بحلول سنة 2000 وإلى 50 مليوناً بحلول سنة 2025 أي حوالى 30 في المئة من مجموع التعداد السكاني المتوقع، وتلعب العمالة الأجنبية دوراً أساسياً في حياتنا الإجتماعية والإقتصادية، إذ تحتل حصة الأسد من الوظائف المهنية في مجالات التعليم والخدمات الطبية والشؤون المالية والتجارية وغيرها من الوظائف الإدارية والفنية ذات المهارات العالية، وتحتل العمالة الأجنبية نسبة كبيرة من المهن ذات المهارات وشبه المهارات في المشاريع الإنشائية وخدمات الصيانة والمرافق وفي مجالات النقل والمواصلات والأغذية، أما العمالة الأجنبية من غير المهرة فتحتل بصورة شبه كاملة الأعمال الزراعية وخدمات النظافة والصيانة في المدن ونقل البضائع بالمطارات والموانئ البحرية والأعمال المنزلية الخاصة مثل خدم المنازل والسائقين. ومن الثوابت التاريخية التي يجب ألا تغيب عن الأنظار أنه لم يسبق لشبه الجزيرة العربية جنوب الهلال الخصيب قبل عصر النفط أن كفلت العيش لمثل هذا العدد الكبير من السكان بل كان هذا الجزء من شبه الجزيرة العربية يعاني من شدة الفقر وشظف العيش عبر العصور وحتى تم إكتشاف الثروة النفطية التي أنهت نمط الحياة القديمة وحولت شبه الجزيرة العربية إلى بحبوحة نعيم إجتماعي وإقتصادي. والنقاط التي يجب أن تلتفت إليها الأنظار ويحسب لها حساب هي الزيادة الكبيرة للتعداد السكاني في الحاضر والمستقبل والأعتماد على مصدر إقتصادي واحد وناضب ومهدد بتطوير البدائل الإقتصادية للطاقة النفطية، وقبل أن ننوع مصادر إقتصادنا ونقلل من إعتمادنا على النفط كمصدر إقتصادنا الوحيد. ومن الوقائع المحتملة أن النفط سيظل المصدر الرئىسي للطاقة في المستقبل المنظور حتى منتصف القرن ال21 على أدنى تقدير، وبناء على هذه التوقعات المحتملة، فإن دول مجلس التعاون بإحتياطها الضخم من النفط والغاز الذي تقدر ب466 بليون برميل، أي ما يفوق 45 في المئة من إحتياطي البترول في العالم، و46 ترليون متر مكعب من الغاز أي ما يفوق 16 في المئة من إحتياطي العالم، كما أن القدرة الإنتاجية لدول المجلس تفوق 17 مليون برميل من النفط يومياً أي 25في المئة من القدرة الإنتاجية للعالم، وتصل القدرة الإنتاجية للغاز إلى 107 بلايين متر مكعب في اليوم أي 5 في المئة من القدرة الإنتاجية في العالم، فإذا ما أستمر الإعتماد على النفط كمصدر للطاقة ومع نضوب مصادر النفط الأخرى، فمن المحتمل أن يشكل الطلب على الطاقة النفطية ضغوطاً إقتصادية وسياسية على منطقة الخليج لزيادة قدراتها الإنتاجية تفوق حاجة المنطقة الإقتصادية والتنموية ومن ثم السرعة في نضوب مصدر حياتها الإقتصادية. ومن العوائق القائمة في المجتمع الخليجي القيود والعادات الإجتماعية التي تعرقل الحياة الإقتصادية للمجتمع الخليجي وعزوف المواطن الخليجي عن شغل العديد من الوظائف والمهن الأساسية كالحرف اليدوية وأعمال خدمات الصيانة والنظافة والزراعة وخدمة المنازل التي تم التخلي عنها للأيدي الأجنبية. ومن الأسس الإستراتيجية الثابتة لدول مجلس التعاون موقعها في الخليج العربي والعالم العربي والشرق الأوسط وإمكانياتها الإقتصادية وإستقرارها السياسي وبنيتها الأساسية الحديثة والحوافز والفرص المتعلقة بالإستثمار التجاري والصناعي وحرية حركة رأس المال وتوفر طاقة منخفضة التكلفة، كل ذلك يجعل من دول مجلس التعاون هدفاً مثالياً للإستثمار من قبل القطاع الخاص ورأس المال الأجنبي، وهذا المناخ المتميز للإستثمار يعتبر من العناصر المهمة في تشجيع القطاع الخاص وإستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية. وعندما نأخذ بعناصر التطابق والتجانس ونتمعن في الثوابت التاريخية المشتركة ونبصر برؤية المستقبل المتطورة نخرج بنتيجة حتمية واحدة، وهي أن مجلس التعاون الخليجي يمثل نواة صالحة ومتميزة لكيان مشترك إجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً له نفس الهموم والمصالح. إن هذا التكامل الإجتماعي والإقتصادي والسياسي والأمني يتطلب نبذ الخلافات وتذليل البيروقراطية الإدارية ووضع خطط إستراتيجية مشتركة تضمن الأمن والإستقرار لدول المجلس وتنظم شؤون إقتصاديات النفط والإستثمار، وتعنى عناية مشتركة بشؤون النمو السكاني وتصاعد تكاليف الحياة الإقتصادية والإجتماعية. * الرئيس العام للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية السعودية.