يتطلع كثير من كُتاب الدراما العرب الى الوصول الى العالمية، ودخول أعمالهم الفنية الى البيوت الغربية مثلما تدخل المسلسلات الأجنبية الى بيوت العرب. ويعتبر كثيرون منهم أن الدراما العربية جيدة ولكن هناك مشكلات في التسويق تواجه عرض هذه الأعمال. "الحياة" سألت عدداً من المعنيين بشؤون الدراما والتلفزة العربية اثناء وجودهم في القاهرة، كيف ومتى تصل الدراما العربية الى العالمية؟ يقول جواد مرقة رئيس اتحاد المنتجين لأعمال التلفزيون في الأردن: "لكي تصل أعمالنا الى العالمية لا بد لها من إنتاج جيد يعتمد القائمون عليه على أسس واضحة وقوية تتماشى مع التطورات السياسية والاقتصادية والفكرية التي بدأت تأخذ سبيلها الى معظم بلدان العالم العربي. هذا التطور السياسي باعث لتطور موازٍ في الإبداعات الفنية وخصوصاً التلفزيونية التي تحظى بنسبة مشاهدة عالية بين وسائل الإعلام الاخرى. لكن المشكلة أن البعض يعتبر انتاج الدراما التلفزيونية مجرد نوع من الهواية أو الرغبة في امتلاك صناعة لها مداخل ومخارج هائلة. والمطلوب اليوم أن يعي المنتجون أهمية الدور الذي يقومون به وأن يزودوا أعمالهم بالمتطلبات التي تجعلها صالحة للتسويق الخارجي والبث عبر شبكات فضائية متنوعة، حتى تصل أعمالنا الدرامية الى مرحلة العالمية". وقال المنتج السوري مازن الناطور: "إن مسألة العالمية مسألة خطيرة، وفي تقديري أن الفنان العربي عندما يستطيع أن يسوق نفسه أولاً داخل وطنه العربي، يستطيع بعدها أن يسوق فنه خارجياً بمعنى أنه نظراً لما يمارس ضد الشخصية العربية ومنه مثلاً ما يرد في فيلم "امير مصر" من ان العبرانيين هم بُناة الاهرامات وهذا مجرد مثال للوضع الراهن، وهو وضع في ظله لن يسمح المهيمنون على صناعة الفن في العالم بانتشار أعمالنا العربية، وفي المقابل علينا أن نكوّن قاعدة كبيرة وراسخة من الأعمال الدرامية التي من الممكن أن يسمح صدى نجاحها بانتشارها رغماً عن هؤلاء المسيطرين، ولا يعول كثيراً على مسألة العولمة". العالمية تختلف ويرى رضوان ابو عايش، رئيس التلفزيون الفلسطيني، أن تعريف العالمية يختلف من مكان لآخر، وأعتقد أن العالمية الحقيقية هي أن يصل العمل الدرامي العربي الى مرحلة عالية من الانتشار القومي داخل بلاد الوطن العربي ولا تقف أمامه اللهجة تلك الجزئية التي تقف حجرة عثرة أمام تسويق جيد للأعمال الدرامية داخل الوطن العربي، ومن ثم كيف نستطيع أن نقنع المشاهد الغربي بينما لم نصل بعد الى مشاهدينا العرب، ونحن لا نعرف تفاصيل كافية عن بلاد قريبة منا مثل السودان والجوعى فيه، أو مشاكل يعانيها إخوان لنا في بلدان عربية كانت مأزومة مثل الجزائر. ومن هنا لا يمكننا الانطلاق نحو الخارج من قاعدة متعبة غير قوية. انا لا يعنيني ان يعرف المواطن النروجي أو الاميركي ما يعانيه لبنان مثلاً فقط يعنيني ان يعرف أخوه العربي في مصر والمغرب كل شيء عن أحواله ومشاكله". وترى مريم الغامدي - الكاتبة السعودية - أن الدراما العربية ما زالت بحاجة كبيرة إلى دعم مالي هائل، وتقترح ان تنشئ مجموعةٌ من التلفزيونات العربية اتحاداً عربياً ضخماً للانتاج، "يستطيع أن يقدم الدعم لإنتاج أعمال درامية ذات مستوى مرتفع، وكذلك يستطيع تسويقها الى المؤسسات الأجنبية". وطالب المخرج والمنتج السوري فردوس أتاسي بضرورة الإغراق في المحلية كشرط أساسي للوصول الى العالمية، وقال: "إن الخصوصية هي التي تعطي الشخصية هويتها وتميزها، وهكذا يجب أن تمثل أعمالنا الدرامية خصوصيتنا ومشاكلنا الاجتماعية وقضايانا"، ويستطرد مؤكداً ان هذا لا يتحقق بمعزل عن العوامل الأساسية لنجاح العمل الدرامي. وأول هذه العوامل يتمثل في توافر نص جيد ذي طابع متميز محلي الهوية يعالج فكراً متطوراً ومتقدماً، ثانياً إخراج متميز يمتلك أدوات جيدة تتحرك بفهم ووعي عميقين، ثالثاً فريق عمل متكامل يتسم أعضاؤه بالحس الفني الرفيع والوعي بقضايا المجتمع وطريقة معالجتها، رابعاً انتاج كبير يدفع العمل الدرامي بقوة حتى يخرج بالمستوى الملائم لتسويقه خارجياً، وبالفعل لدينا أعمال كثيرة اذا وجد لها الموزع الجيد سوف تنتشر عالمياً، فالقضية عبارة عن حلقات متشابكة لا بد أن تعمل جميعاً حتى نستطيع الوصول الى العالمية". وأرجع المخرج السوري حاتم علي أسباب تأخر الدراما العربية وعدم قدرتها على الخروج الى العالمية إلى كونها "تعاني الكثير من المشاكل مثل التخلف التقني، فتحقيق التصور الإخراجي يحتاج الى تقنيات كبيرة، وفي سورية تنقصنا هذه التقنيات، والمنتجون ينظرون إليها كأنها طرف فني، بينما هي عناصر أساسية في صناعة المشهد الدرامي، وما زال بعض الدول العربية ينظر الى التلفزيون باعتباره إحدى مؤسسات وزارات الإعلام، وبالتالي يجد المبدع نفسه محكوماً برقابات متعددة ويصبح عمله أشبه بالقفز فوق الحواجز، وعلى رغم وجود المحطات الخاصة التي قدمت بدائل كثيرة إلا أن هذه المحطات محكومة ايضاً بسياسات تجارية في عملها، ولذلك كانت الحلول التي تقدمها تبدو واهية أو وهمية، وهذا ما يجعل الدراما العربية في معظمها تدور في فلك واحد". مشكلة اللهجات وتعجبت فاطمة المؤمن رئيسة قسم الانتاج في التلفزيون المغربي من مسألة التفكير في العالمية من الأساس، وتساءلت: "كيف نصل إليها وما زالت مشكلة اللهجات العربية المتعددة تقف حائلاً دون انتشار الاعمال العربية داخل الوطن العربي ذاته، وهذه نقطة يصعب حلها فلا نستطيع توحيد اللهجات العربية، لكن يمكن في المقابل تقديم أعمال جيدة تسوّق جيداً داخل الوطن العربي، وطالما كانت هذه الأعمال تتناول قضايا اجتماعية مشتركة، حتماً ستلقى رواجاً وقبولاً لدى اشقاء عرب قد لا يتحدثون اللهجة نفسها". ويتفق الفنان الاردني روحي الصفدي مع الرأي السابق، ويقول: "أنا شخصياً اتأسف لكوني ممثلاً ذا شهرة لدى أبناء وطني وبين الفنانين العرب، لكن الجمهور المصري مثلاً لا يعرفني جيداً، والسبب هو إحجام المؤسسات الإعلامية عن شراء أعمال درامية عربية متنوعة وعرضها على الجمهور. فقط تحتكر الأعمال السورية والمصرية التي تطغى على السوق العربية، نعم هي أعمال جيدة لكن ذلك لا يعني استبعاد أعمال عربية أخرى مثل الاردنية أو الخليجية أو المغربية". ويرى الصفدي "أن حل هذه المشكلة لا بد أن يسبق التفكير في مسألة الوصول الى العالمية، فالعالمية ليست سوى إغراق في المحلية، بالشكل الذي يسمح لكلانا كعرب ان يرى الآخر ويستوعبه جيداً". ويرى أنه حتى الآن "لا يوجد عمل درامي واحد يرقى الى مسألة العالمية وكلها محاولات فنتازية عربية ليست بأي حال عالمية".