المحراث والعجلة والمطبعة والسيارة والطائرة والهاتف والكومبيوتر أحدثت انقلابات في اسلوب عمل وحياة البشر. ما الذي ستفعله شبكة الانترنت التي تستطيع أن تربط جميع هذه الأدوات؟ أكبر الأجوبة عن هذا السؤال تقدمها التجارة في شبكة الانترنت. حققت هذه التجارة، التي يطلق عليها اسم "التجارة الالكترونية" مبيعات بلغت 80 بليون دولار العام الماضي. ولا يمثل هذا الرقم سوى قطرة في محيط التجارة الدولية البالغ 25 ترليون دولار حالياً، لكن يتوقع أن يقفز حجم التجارة الالكترونية الى ترليون دولار خلال سنتين. ذكر ذلك تقرير صدر عن "الاتحاد الدولي للاتصالات" بمناسبة مؤتمر "تيليكوم99". أهمية هذا الرقم ليست كمية، بل نوعية. فالاتحاد الذي يضم ممثلي مؤسسات ووزارات الاتصالات في جميع البلدان يتوقع أن "لا يقتصر عدد المتعاملين بالتجارة الالكترونية على رجال الأعمال الذين يقدر عددهم بنحو 500 مليون، بل تنخرط فيه الاسر التي يزيد عددها عن ثلاثة أضعاف ذلك، بل سيدخل عالم التجارة الالكترونية 6 بلايين مستهلك ومئات البلايين من الأدوات الالكترونية، التي يستخدمها هؤلاء المستهلكون". هذا الانتشار وراء النمو الانفجاري للتجارة الالكترونية التي تحول الآن خلال شهور شباباً في أعمار العشرينات والثلاثينات الى أصحاب ملايين. الثورة التجارية لماذا تنمو التجارة الالكترونية بهذا الشكل الانفجاري؟ الجواب: لأنها توفر كثيراً من الجهد والنفقات التي تتحملها التجارة التقليدية. فهي تقيم الاتصال المباشر بين البائع والمشتري، وتلغي بذلك دور الوسيط. وقد حمل هذا كبرى شركات صناعة الكومبيوتر العالمية "آي بي إم" الى الاعلان الاسبوع الماضي عن نقل عمليات بيع أجهزة الكومبيوتر الشخصي الى الانترنت. وتفصل الخبيرة الأميركية إلين روبن في كتابها "نجاح الشبكة" المزايا المختلفة للتجارة الالكترونية، مثل سهولة تناولها، واستعدادها الدائم للخدمة، وكلفتها القليلة، إضافة الى وفرة المعلومات، التي تسهل الوصول إلى مفردات يصعب الحصول عليها، وسعة الخيارات التي تتيح التجاوب السريع مع المتطلبات الذاتية لمستخدميها. وتحقق تجارة الخدمات والترفيه عبر الانترنت أعلى معدلات النمو. سبب ذلك أن السلع التي يتم تبادلها ليست عينية. بطاقة السفر الجوي على سبيل المثال ملموسة، لكنها لا تحمل في الواقع سوى معلومات عن نوع الرحلة التي سيقوم بها مالك البطاقة. ومثل ذلك الخدمات المصرفية وتجارة الأسهم والتأمين، التي يتم خلالها تبادل الأوراق المالية والأسهم وشهادات التأمين، والتي لا تمثل سوى نوع من البرهان على طبيعة الاتفاق المالي، لذلك فلا قيمة عيانية لها. وتذكر "سيسكو سيستمز" Cisco Systems، وهي أكبر موقع تجاري في شبكة الانترنت أن مبيعاتها تبلغ 28 مليون دولار في اليوم الواحد. وتبلغ مبيعات شركة صناعة أجهزة الكومبيوتر "دل" Dell Computers يومياً 18 مليون دولار ويشكل هذا 30 في المئة من مبيعاتها اليومية. ويحقق البيع عبر الشبكة توفيراً كبيراً في نفقات الاتصالات. كلفة الاتصال لخدمة الزبون في شركة "ديل" انخفضت من 8 دولارات الى خمس سنتات، وفي شركات الخطوط الجوية تنخفض كلفة الاتصال لخدمة المسافر الواحد من 6 دولارات الى دولار واحد تقريباً. وتسد الموارد المتحققة النفقات الكبيرة التي يكلفها إنشاء شبكة "الويب". صبيان الانترنت وتسود "حمى الانترنت" أجواء التجارة الالكترونية، التي تعج بالباحثين الشباب عن الثروات. كثير منهم صار من أصحاب الملايين وهو في العشرينات والثلاثينات، وبعضهم لم يبلغ العشرين من العمر. جيري يونغ طوّر وهو في العشرينات تقنية تصفح الانترنت "ياهو" Yahoo التي جعلته بليونيراً قبل أن يبلغ الثلاثين. وبيير أوميدير أسس في عمر الثلاثين موقع المزاد في الانترنت e-Bay الذي تقدر قيمته حالياً بنحو ثلاثة بلايين دولار. وتوم هادفيلد أسس وهو في عمر 15 سنة في غرفة نومه موقع التجارة في الانترنت Soccernet، الذي يقدر ثمنه الآن بنحو 120 مليون دولار. وبعض أصحاب الملايين في الانترنت فتيات، مثل بيكي لانكشاير 27 سنة التي أسست ربيع هذا العام موقع الانترنت للتجارة بالموسيقى Click Music ويقدر ثمنه الآن بنحو 7 ملايين دولار. ومعظم الصبيان أصبح مليونيراً بين عشية وضحاها بمجرد التوصل الى فكرة مبتكرة للتجارة أو الاعلان في الانترنت. روبرت نورتن 27 سنة تلقى بعد 40 دقيقة من تأسيس موقع Click Mango للتجارة الالكترونية بالأغذية الطبيعية أول عرض لشرائه لقاء مليون ونصف المليون دولار، واجتذب ثلاثة ملايين دولار استثمارات خلال 8 أيام. كل هذا والموقع الذي أسسه لن يبدأ العمل قبل سنة 2000. وكثير من الثروات التي يملكها أصحاب الملايين على الشبكة ما يزال "افتراضياً" ينتظر التحقيق من خلال بيع شركاتهم أو إشهار أسهمها. وتتوقع إيفا باسكويه التي أسست سلسلة مقاهي الانترنت Cyberia أن ينجح واحد من كل عشرة في الحصول على ملايين الدولارات الحقيقية حال تعويم شركته في سوق الأسهم. أسرار النجاح ويورد خبراء التجارة الالكترونية النصائح التالية للباحثين عن الملايين في الانترنت: أولاً، الاهتمام باسم المشروع والتأكد من جود فكرة كبيرة وراءه. معظم مشاريع التجارة الالكترونية تملك أسماء سهلة الحفظ ودالة لتعلق في ذهن الجمهور بسرعة. "لكن مهما تكن فكرتك ينبغي أن تتأكد من أن المنتوج/الخدمة/التجربة يحقق منافع حقيقية على شبكة الانترنت نفسها وليس عبر قنوات التجارة التقليدية. بعد ذلك ركز جهودك على هذه المنافع". هذا ما تقوله كارول ديوك التي اجتذبت رساميل قدرها 6 ملايين دولار قبل أن يبدأ العمل موقع الأغذية الطبيعية Think Natural الذي أسسته. النصيحة الثمينة الاخرى: تجنّب الوقوع في الاعتقاد الخاطئ بأنك الوحيد الذي يملك هذه الفكرة. وتذكر أن لا جدوى هناك من تكرار أفكار الآخرين كتأسيس موقع للتجارة في الكتب أو موقع للمزاد. صحيح أن المنافسة قد تكون مثمرة، لكن بشرط أن تأتي بجديد فات على المنافسين، أو أن تطرح منتوجاً أفضل أو تكنولوجيا أحسن، أو أسعار أقل. عندما أسست شركة "ديكسن" Dixon موقع تقديم خدمات الاتصال بالانترنت Freeserve كان هناك مئات المواقع المماثلة، لكنها غيرت قواعد اللعبة حين قدمت خدماتها مجاناً، وركزت على تحقيق موارد عنها من الاعلان، وتأجير مواقع للآخرين عليها. وفريق العمل مهم جداً لنجاح أي فكرة. "فالممولون لن يغامروا بوضع أموالهم في مشروع للتجارة الالكترونية يخلو فريقه من مختص بتكنولوجيا المعلومات قادر على بناء الموقع وشخص يملك خبرة في التجارة الالكترونية لبيع المنتوج". يذكر ذلك جيرالد برادي الذي يدير الشركة البريطانية 3i المختصة بالاستثمار في مواقع التجارة الالكترونية. ويتوقف النجاح في اجتذاب التمويل للمشروع على صياغة فكرة المشروع بأقل قدر من الكلمات وأوضحها. أو كما يقول الأميركيون "أن لا يستغرق شرح المشروع أكثر من الوقت الذي تستغرقه حركة المصعد في العمارة". صحيح أن كثيراً من المشاريع يعتمد على تمويل الأصدقاء أو العائلة خصوصاً تلك التي تكلف نحو 40 ألف دولار في بناء الموقع في الشبكة. لكن هناك مواقع تحتاج الى أكثر من مليون دولار، وينبغي في هذه الحال السعي للحصول على تمويل من رؤوس أموال المشاريع. وهناك أموال كثيرة هائمة بحثاً عن مشاريع في الانترنت، لكن إيفا باسكوي تحذر من أن ممولي المشاريع "لن يعطوك لقاء لا شيء. ففي اليوم التالي سيتصلون بك هاتفياً للتأكد من أن أموالهم بخير. إنهم أسماك قرش. هذا هو شغلهم". وينبغي الأخذ في الاعتبار أن الصورة بدأت تتغير مع انتباه الشركات الكبيرة للانترنت وشروعها في تأسيس مواقع مدعمة بملايين الدولارات. وينبغي التأكد أخيراً من دخول الحمام والخروج منه في الوقت الملائم، كما تقول النكتة في قصص "ألف ليلة وليلة". فالنافذة المتاحة للانقضاض وإشهار المشروع ضيقة جداً، خصوصاً في ظروف المنافسة الضارية التي تشبه أجواء حمّى التنقيب عن الذهب. والخروج في الوقت الملائم مهم جداً. فاذا استثمر ممول مليون دولار في المشروع لقاء حصة 25 في المئة منه، يعني هذا أن قيمة حصة مؤسس المشروع الذي يملك 75 في المئة قد تبلغ 3 ملايين دولار. وأفضل طريقة للحصول على هذا المبلغ نقداً هو بيعه الحصة لشركة اخرى أو تعويم الشركة في سوق الأسهم وبيع أسهم المؤسس. وينبغي التذكر دائماً أن المخاطر تحوط اتخاذ أي قرار. ففي العجلة الندامة وأحياناً السلامة، كما حدث للصبي توم هادفيلد الذي باع حقوق موقعه الى مجموعة صحف "أسوشيتد نيوز" قبل أن يدرك قيمتها. ندامة مؤلمة لكنها حفزته على تأسيس موقع آخر احتفظ ووالده بملكية نحو 60 في المئة منه، وتقدر قيمته حالياً بنحو 40 مليون دولار.