وسائل الإعلام في مجملها وسائل تعليمية، ودروسها تراكمية، وتختلف درجة تأثيرها من فرد لآخر، فالبعض أكثر تصديقاً لما يرد فيها، وفي المقابل، هناك بعض آخر يشيد حواجز بين العالم الحقيقي وعالم وسائل الإعلام. وتشير دراسة أعدتها الباحثة لمياء محمود سيد بعنوان "إدراك الشباب للواقع السياسي: دراسة تطبيقية على أخبار التلفزيون المصري"، لنيل درجة الدكتوراه من كلية الإعلام - جامعة القاهرة، الى أن الاتصال عملية ديناميكية، تطرأ عليها تغييرات مستمرة لا تنتهي، وان "الادراك يلعب دوراً أساسياً في هذه العملية التي تعمل على تحريف العالم المحيط بنا بصورة مستمرة، وهذا التحريف أو التشويه لا ندركه ولا نعيه، لأن حواس الإنسان تنظم المجالات المرئية والمتغيرة أمامنا لتجعل منها عالماً مستقراً في رؤية الفرد وذاكرته". وتتناول الدراسة إدراك الشباب للواقع السياسي، ومدى تشابه ذلك الإدراك مع ما يقدم من خلال وسيلة إعلامية أساسية ومهمة في مجال اكتساب المعلومات، وهي التلفزيون، مع التسليم بأنه كوسيلة إخبارية لا يقدم الواقع كما هو في الحقيقة، إنما يقدم الواقع من خلال وجهة نظر محددة تحكمها عوامل عدة والعلاقات بين المؤسسات الإعلامية والسياسية في المجتمع. وترجع أهمية هذه الدراسة الى عوامل عدة، وهي أن التلفزيون يحتل المرتبة الأولى بين وسائل الإعلام في المجتمع المصري، وتأتي نسبة مشاهدة المضمون الإخباري في المرتبة الثالثة بعد الدراما والسهرات. وتناقش الدراسة أهمية دور التلفزيون في مجال الإعلام السياسي للأفراد حديثي السن. وتم تطبيق هذه الدراسة من خلال نظرية التثقيف الإعلامي التي تفترض أنه كلما أمضى الفرد وقتاً أطول في التعايش مع عالم التلفزيون تشابه إدراكه للواقع مع ما يصوره التلفزيون لهذا الواقع. وبدأت الدراسة بتحليل مضمون عينة من النشرات الإخبارية التلفزيونية، واختيرت نشرة أخبار التاسعة مساء على القناة الأولى، وذلك لمدة 90 يوماً في الفترة من تشرين الأول اكتوبر الى 29 كانون الأول ديسمبر 1997، وتضمنت عينة النشرات 1650 خبراً استغرقت اذاعتها 56 ساعة و22 دقيقة و22 ثانية. وعرضت على عينة من 400 شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة. وقسم أفراد العينة الى قسمين متساويين، الأول: من طلاب أربع جامعات مصرية هي القاهرة وعين شمس والأزهر وحلوان، والثاني من العاملين والعاملات في ثلاث وزارات هي الإعلام والتخطيط والتعاون الدولي والتربية والتعليم. وتوصلت الباحثة الى النتائج التالية: لا توجد أية علاقة تربط بين المستوى الاقتصادي والاجتماعي للفرد وإدراك الواقع السياسي كما يعكسه التلفزيون، لكن ثمة فوارق بين الذكور والإناث في إدراك الواقع السياسي كما يعكسه التلفزيون، وقد وجد أن الذكور أكثر إدراكاً لهذا الواقع بشكل متسق مع ما يقدمه التلفزيون. ولم يكن هناك فرق بين فئتي الشباب طلاباً وموظفين، في إدراك الواقع السياسي، كما يعكسه التلفزيون. واتضح أيضاً أن الشباب اشد إدراكاً للمواضيع والقضايا الأكثر تناولاً من خلال النشرات الإخبارية، والأكثر قرباً جغرافياً، والأكثر إنسانية. كما توصلت الباحثة الى أن قضية السلام في الشرق الأوسط من أهم واكثر القضايا تناولاً بنسبة 4،24 في المئة من الاخبار، تليها قضية التنمية في مصر بنسبة 13 في المئة. ويُعد التلفزيون المصدر الأول للحصول على المعلومات، تليه الصحف ثم المذياع، ثم المجلات، ثم الاتصال الشخصي، وأخيراً الانترنت. وتعتمد الإناث على التلفزيون للحصول على المعلومات بنسبة 48،99 في المئة من عدد الإناث المشتركات في الدراسة، في مقابل 82،92 في المئة من الشباب. كما تُعد الإناث أكثر اعتماداً من الذكور على شبكة الانترنت كوسيلة من وسائل الاتصال، وإن كانت النسبة منخفضة إذ مثلت 42،9 في المئة من عدد الإناث المشاركات في الدراسة، مقابل 66،7 في المئة من عدد الذكور.